قصة قصيرة
البديل
(8) الحلقة الثامنة و الأخيرة
مرّ أكثر من أسبوع على العملية الجراحية الخطيرة التي تعرّضت لها فتون و بدأت تتحسن رويداً ... رويداً .... و التزمت أمها بالصمت و لم تفتح معها أي موضوع ... و هي تنتظر شفاءها بشكلٍ كامل و من بعد ذلك لكل حادث حديث .... و لكن القانون يفرض على المشفى مسؤولية قانونية مشددة على مثل حالة فتون .... فهي تخضع لقانون حماية أفراد المجتمع من الاغتصاب و عمليات الإجهاض المحرّمة قانوناً و خاصةً بوجود قاصر... فهذه تعتبر جريمة ... لا بُدّ من التحقيق فيها و فرض إجراءات قانونية معينة ...
و في يومٍ ... كانت فتون بحالة لا بأس بها بعد أن بدأت تأكل ... و تمشي قليلاً .... في أروقة المستشفى .... حيث عادت لغرفتها برفقة والدتها فوجدت شخصان من قسم الشرطة ... يريدون أخذ إفادتها ....؟؟ خافت فتون كثيراً و بدأت بالبكاء و بكت أمها معها .... فكيف تتكلم عن شيء فظيع يفضحها و يفضح شخص آخر ... و بل و تهدم عائلته و زوجته و أولاده الذين عاملوها أحسن معاملة .... و ظهرت صورة صديقتها مايا للفور أمام ناظريها ... كيف ستتكلم بأشياء تضر بصديقتها الوحيدة و التي كانت سندها و مرافقها الدائم ... كيف تؤذيها بهذا الشكل القاسي جداً ... لن تسامحها مايا ... و لن تسامح والدها مدى الحياة، هذا عدى الأزمة النفسية التي ستلازمها طوال حياتها ..... صمتت فتون و الدموع تجري من عينيها ... أمام المحققين .. و قالت لا أستطيع أن أجيب على أي سؤال .... لو سمحتم .... إلا أن أحد المحققين قال لها و لأمها : الحقيقة سنحصل عليها بأي شكلٍ إن تكلمت أم لم تتكلم الضحية فتون ... و لكن الفارق ... هو تطبيق العقوبات و ستحاسب فتون على اخفاء الحقائق .... و ستكون عليها عقوبات قانونية ... لأن في ذلك حق عام و هو مزاولة عملية الإجهاض الممنوعة و الغير قانونية ... فهذا القانون لا هوادة فيه و إن تنازلت هي و وليها أي أمها عن حقهما الخاص في الإدعاء على المغرِّر بالقاصر فتون ... و اقترب أحدهما من الأم قائلاً همساً : أنت يجب أن تساعديننا فيكفي ما لحق ابنتك من أذى ... ألا تريدين أن يعاقب الفاعل ..؟؟ ثم هذه حماية لابنتك و أمثالها ... و لا تخافي من الفضيحة، فذلك سيكون حصراً على الأطراف التي لها علاقة بهذه القضية، يعني أنت و ابنتك و الفاعل و الطبيبة التي قامت بعملية الإجهاض ... ليس إلا ... سوف أذهب و أعود غداً و أرجو أن تكوني أقنعت ابنتك .... و ذهب الرجلان ... و استلقت فتون على فراشها في المشفى و هي متعبة و اصطنعت النوم حتى لا تسألها أمها شيء .... ريثما ترتّب أفكارها ... أما الأم فعرفت أن فتون مثّلت أنها نامت ... فلن تضغط عليها الآن فوراً .... و هي أيضاً تريد أن تأخذ وقتاً و لو قصيراً لتفكّر كيف ستجعل فتون تتكلم بدون أن تزعجها أو تضغط عليها ... حتى لا تنتكس حالتها فهي ما زالت ضعيفة الجسم ... و لم تستعيد كامل صحتها و عافيتها بعد ... و لكن هذه الإجراءات لا بُدّ منها قبل خروجها من المشفى من ناحية ... و من ناحيةٍ أخرى تريد أن يعاقب من فعل ذلك بابنتها ....
جلست الأم حزينة في البوفيه و هي تحتسي فنجاناً من القهوة ..... و عقلها حائر يبحث عن وسيلة مجدية .... و بعد ذلك رجعت إلى غرفة ابنتها ....و كانت نائمة بالفعل ... و رأت وجهها الجميل الملائكي حزيناً حتى و هو نائم. كم أحزنها هذا المشهد، و كم هي متألمة لهذا الوضع .... و لكن ... قررت شيئاً لا بُدَّ منه بشكلٍ قاطع ..... و انتظرت لبعد الظهر حتى استيقظت فتون، و تناولت وجبة غدائها .... و كانت مرتاحة في فراشها و هادئة .... قالت لها أمها بصوتٍ منخفض و العبارات تخنق صوتها كل قليل و هي تقاومها : فتون .... أنا أعرف أننا بوضع لا نُحسد عليه نهائياً، بل أن مصيبة كبيرة وقعت على رأسك و رأسي سويةً .... و لا يمكن أن نرجع إلى الوراء و إلى الماضي و نحمل ممحاة و نمحى أياماً سوداء من تاريخنا .... و لكن ... لا بداية جديدة دون أن تقطعي نهائياً الرواسب المتعلقة بحوادث التصقت بك من الماضي ... و هناك أمور في الحياة أكبر مني و منك .... أنا أعلم أنك أخطأت بحق نفسك أولاً خطأً كبيراً و كذلك بحقي ... و لكني لا أحمِّلك المسؤولية لوحدك بل سأحملها معك بالكامل، و ألوم نفسي لغيابي الطويل عنك و إهمالي لك ... فأنا مسؤولة عنك، فأنت لم تبلغي بعد سن الرشد أو السن القانونية .... بل أنا من سيخضع معك لكل مُسائلة قانونية إن شئت أم أبيت ... فيا ليت نتفاهم أنا و أنت على طريقة لترتيب حياتنا و بدء صفحة جديدة مع بعضنا البعض، فليس لنا غير بعض في النهاية ... و لذلك ... قررت أن نسافر أنا و أنت لعند خالك في البرازيل بعد خروجك من المشفى و تماثلك للشفاء التام، و نبدأ حياة جديدة هناك... و لكن يا ابنتي حتى نستطيع السفر بكل حرية و بدون عراقيل يجب أن نُدلي بإفادة حقيقية و صحيحة للشرطة .... و ننتهي من الموضوع كله بسرعة ... فهم طمأنوني أن الموضوع لن يخرج عن أصحاب العلاقة أنا و أنت و المعتدي عليك .... أو الفاعل و الطبيبة التي أجرت لك عملية الإجهاض، فقد يتكرر ذلك مع غيرك ؟؟ .....
هنا بكت فتون بكاءً مريراً ... و قالت : كل الحق علي يا أمي، أنا المستهترة التي فرّطت في نفسي، و تهوّرت و اتبعت أهوائي و شهواتي و تخليت عن عقلي تماماً في ذلك اليوم المشؤوم ..... فقد كنت بحاجة له و أحببته من كل قلبي .... هكذا توهمت .... و لكني اليوم أشعر أني أكرهه بالفعل .... و لكن ؟؟؟؟؟؟ إن قلت الحقيقة و كشفت شخصيته .... سأُلحق الأذى الشديد و الحزن بناس أحبهم ؟؟
هنا استغربت الأم كلام ابنتها ... كيف ... و لماذا ؟ .... فسألتها : أهو شخص نعرفه ..؟؟ أحنت فتون رأسها إلى الأمام و دموعها تتساقط من ذقنها .... نعم يا أمي عز المعرفة ...؟.. و هو متزوج و لديه عائلة و أولاد ...؟؟؟ صُعقت الأم عند هذا الخبر ... و تجمّدت في مكانها ... و هي تقول متزوج أيضاً و عنده عائلة و زوجة و أولاد ..... هذا يعني أنه كبير في السن و ليس شاباً طائشاً ... بل هو رجل ناضج ؟؟؟ يا ويلي ... هذا يستحق أن يعاقب بالفعل و يوضع في السجن ... لماذا تتسترين عليه ... ... لماذا ... لماذا ... و هو أحقر من الحقارة ... يخون زوجته و لا يفكر بأولاده و يغرر بفتاة قاصر ... و أنت تتسترين عليه ؟؟؟؟؟ مع أنك تقولين أنك تكرهينه الآن .... هل لديك جواب، أرجوك أسعفيني به قبل أن يتوقف قلبي ...؟؟؟؟؟؟
قالت فتون بصوتٍ منخفض و مرتجف : إنه .... نادر والد مايا ..!!!!!!! .... هنا كاد أن يغمى على الأم من هول ما سمعت ... هذا الرجل لطالما احترمته و وثقت به ... يغدر بابنتها غدر الأفاعي و الثعالب و الذئاب .... تمنّت لو أنه أمامها الآن ... لضربته بيديها و رجليها، و كسّرت عظامه بمطرقة من حديد ؟.... يا له من حقير .... كيف طاوعته نفسه أن يلعب بعواطف طفلة بريئة بعمر ابنته ... أيسمح هو أن يحصل لابنته ما حصل لفتون ؟؟؟؟؟ تباً له .. لا بُدَّ أن ينال عقابه ....
و بقيت أم فتون ساهرة مع ابنتها أغلب الليل و هي تقنعها بأن تقول الحقيقة كاملة، و لتترك العدالة تأخذ مجراها .... و ستسافران إلى مكان بعيد ... بعيد جداً و تبدأن من جديد ؟؟؟؟؟؟.... و هذا ما حدث، فلقد جاءت الشرطة في اليوم التالي و أخذت إفادة فتون و أمها كاملةً، و عملت ضبطاً مستوفي لجميع الإجراءات اللازمة و وقعت عليه فتون و بصمتٍ هي و والدتها .... و انكشف المستور .... و استدعي نادر للتحقيق ... و اعترف بكامل فعلته و جريمته و أُحيل للقضاء... طالبته زوجته بالإنفصال و الإحتفاظ بأولادها لعدم أهليته.. و فقد عمله و احترام الناس و سقط في عين نفسه... و خسر كل شيء من أجل هفوة و نزوة و شهوة ؟؟
لم تعد مايا تحب الصديقات و فقدت الثقة بكل الناس !! ... أما فتون فقد طلبت من أمها طلب أخير هو.. أن تسقط حقها الشخصي في القضية لأنها كانت شريكة له في هذا التجاوز ... و لو كانت قاصراً .... فليبق الحق العام فقط... من أجل مايا ؟؟ ... التي سيلحق بها أذى كبير و شديد و صدمة نفسية هائلة ... فالله يكون في عونها و كذلك زوجته و أطفاله الآخرين ... طالما مسافرتان إلى غير رجعة ....
لم تنزل أم فتون عند رأي ابنتها و لم تسقط ادعائها على نادر بالإغواء و التغرير بقاصر، فيجب أن ينال العقاب على فعلته التي أضرّت كثيراً بفتون و بمستقبلها كله ... كما ادّعت على الطبيبة الروسية التي قامت بعملية الإجهاض الفاشلة، و التي كادت أن تسلب حياة ابنتها .... فسُحبت من تلك الدكتورة الروسية شهادة مزاولة الطب في سورية ... و حُكِمَ على نادر بخمس سنوات سجن للإغواء و التغرير بقاصر بعد أن انخرب بيته و تركته عائلته .... و حزمت أم فتون حقائبها و رحلت مع ابنتها .... إلى بلاد الورد .... و الكرنفالات .... ريو دي جانيرو لعلّها تكون آخر المطاف .... و نهاية الأحزان.