قصة قصيرة
جيران .....و لكن ؟
(1) الحلقة الأولى
" حياة " إمرأة جميلة و لطيفة في الخمسينيات من العمر تقطن مع زوجها محمود و ابنها الأصغر قصي الذي يدرس في كلية الفنون الجميلة سنة ثالثة .... في حي المالكي العريق وسط دمشق، أما ابنها الأكبر و الذي كانت تكنّى به اسمه بهاء فهو متزوج و لديه طفلين و يقطن في حي المهاجرين المعروف، و كان يعمل مع والده الذي يملك محلاً لبيع الشرقيات وسط سوق الحميدية الأثري و الشهير ....
عاشت حياة مع محمود عيشة متزنة و منظمة و رائعة، فكان نعم الزوج الحنون و اللطيف و لم يكن يملك إلا هذا البيت و المحل في السوق الحميدية الذي ورثه عن أبيه .... و كانت الأيام هادئة و هنية في حياة هذه العائلة الدمشقية إلى أن توفي محمود إثر جلطة دماغية مفاجأة أرداها الله له ... و بقيت حياة حزينة قبالة العام تقريباً ... و وحيدة تعيش في الماضي مع ذكرياتها الحلوة.... و أولادها منشغلين عنها... فـقصي كان يعد للتخرج من كليته و لا يمكث في البيت إلا للنوم أو الطعام .... أما بهاء فكانت لديه مسؤولياته تجاه بيته و عمله الذي هو مورد الرزق لكلا البيتين بيت أهله و بيته، و كان يتردد على أمه أسبوعياً و أوقات العطل ... فالوقت ضيق و متطلبات الحياة كثيرة .... بالإضافة إلى مسؤولية زوجته و أولاده ....
لم تكن حياة تطالب أبنائها بشيء فهي تعرف ظروفهم ... و لكنها كانت تعاني من الوحدة حقيقةً...... و مرّت الأيام بشكلها الرتيب المعتاد، إلى أن جاء أحد أيام الجمعة التي تجتمع به العائلة كعادة أسبوعية لا مقطوعة و لا ممنوعة ... حياة و أولادها و أحفادها و زوجة ابنها بهاء اللطيفة .... و بعد الغذاء العائلي الذي كانت تجتهد به حياة ليتمتّع أولادها و أحفادها بطبخها الطيب و المتنوّع، فوجبة الغذاء يوم الجمعة هي وجبة دسمة و مميزة .... جلست العائلة تشرب الشاي بعد الغذاء .... قال بهاء لأمه بعد أن نظر لأخيه قصي و غمزه بعينه....... مشيراً بأنه سيفتح الموضوع الذي اتفقا عليه هما الإثنان... طبعاً لم تغب هذه الحركة عن حياة .... قال : أمي أريد أن أفتح معك موضوع و أخذ رأيك به ؟... قالت حياة : اتفضل حبيبي ... قال : ما رأيك بأن نبيع هذا البيت الكبير عليك و الذي بات تنظيفه و ترتيبه عبء عليك و على صحتك، بالإضافة إلى أنه يذكّرك بالمرحوم كل يوم فأنت لا تعيشين حياتك ...... بل تعيشين بالماضي مع إنسان ميت رحمه الله و جعل مثواه الجنة، هذا بالإضافة إلى أن أخي قصي يرغب بالسفر إلى إيطاليا و تكميل دراسته في الفن التشكيلي هناك، و أنا بحاجة إلى مبلغ محترم لأدعم به محلي و أجدده و أورّد له بضائع جديدة تواكب التطور في هذا العصر ... و أشتري لك بيتاً في المهاجرين صغيراً و مرتباً، و تكونين بالقرب مني و الفارق بالسعر بين البيتين سيفي بالغرض لتسيير أمورنا و تحقيق أحلامنا و أهدافنا و نعيش بقى ؟؟......
نظرت حياة بعينين ابنها بهاء قليلاً...... و قالت له أنت تخاف عليّ من مسؤولياتي داخل بيتي التي اعتدت عليها أربعين عاماً .... و ابتسمت ابتسامة صفراء ..... و شردت قليلاً، ثم نظرت إلى قصي و أحفادها و كنّتها ..... و قالت في نفسها و لماذا لا .... و لماذا الأنانية إن كان هذا الفرق أو هذا المبلغ سيعود بالسعادة على أولادي .... سيعود بالسعادة علي .... و بالفعل أنا أحتاج لهذا التغيير في المكان و الأثاث و كل شيء، و لماذا لا أجدد حياتي أنا الأخرى، فما المانع و مصلحتي من مصلحة أولادي الله يرضى عليهم ..... و رفعت حياة رأسها و لم تطلب حتى فترة للتفكير .... على الفور قالت أنا موافقة طالما هذا الحل سيريح الجميع، بالإضافة أن هذا البيت هو إرثكم كلكلم و حقكم، فكيف أستأثر به لنفسي لوحدي، بالطبع لا أريد ذلك و كذلك الله.. فليأخذ كل منكم نصيبه، و سأشتري بحصتي بيتاً صغيراً يناسبني بالقرب منك يا بهاء .... و ها أنت تعمل و تنفق علي و على أخيك و بيتك حتى يعمل قصي .... فأنتم أغلى عندي من البيت أو أي مال ..... هنا قبّل بهاء و قصي أمهما الرائعة .... التي لم تكون حجر عثرة في حياتهم طوال عمرها و ليس الآن فقط .... فهي ذات طبعٍ ليّن و مرح و لطيف ...
و بعد أن أكملت العائلة يومها بكل سعادة، و ذهب بهاء و زوجته و أولاده ... و دخل قصي غرفته لينام ..... دخلت حياة غرفتها و أغلقت الباب و هي تقول لنفسها .... قال البيت و عبئه و تنظيفه فوق طاقتي .... قال ..... هلق اتذكروا وقت صار بدن مصاري .... معليش ..... فغداً لناظره قريب .... و ضحكت .... و وضعت رأسها على الوسادة و غطّت في نومٍ عميق و هي تُعدُّ لشيءٍ ما ؟؟؟
يتبع