قصة قصيرة
جيران .... و لكن ؟
(2) الحلقة الثانية
مرّ يومان .... و حياة تفكّر كيف سترتب حياتها الجديدة و كيف تخرج من وحدتها و عزلتها .... و قررت أن تتبدل هي أولاً ثم تبدّل كل شيء حولها .... و في اليوم الثالث اتصلت بابنها بهاء، و طلبت منه أن يمر عليها بعد عمله فهي تريده في أمرٍ هام ... و بالفعل مرّ بهاء في المساء على أمه، و جلس معها ليطّلع على المستجدات التي دعتها لدعوته منفرداً.
قالت و هي تقدّم له القهوة : اسمع يا بهاء أنت و أخيك قررتم أن تبيعوا هذا البيت، و لم أٌبدي أي اعتراض، و لكن لي مطلب و هو أني أريد أن أجدد كل شيء في المنزل الجديد و لا أريد أن أنتقل أنا و الماضي و ذكرياتي معاً ... أريد أثاثاً جديداً بالكامل من المطبخ إلى غرفة النوم... و أنا سأنتقيه قطعة قطعة و على ذوقي، و أريد أن أشتري جميع الأشياء المتطوّرة من شاشة كبيرة للتلفاز و DVD .... و مكبّرات صوت .... و جهاز رياضي إلى آخره .... هل لديك أي مانع .... تعجّب بهاء من طلبات أمه .... فهي إنسانة هادئة و كلاسيكية ... و هو اليوم أمام إمرأة لا تشبه أمه في طريقة كلامها و متطلباتها .... قال لها مع أنه مستغرباً... تكرمي يا أمي، غالية و الطلب رخيص، و سأفعل لك كل ما تريدينه و يريحك ... ابتسمت حياة و شكرت ابنها و قبّلته ....
و هذا ما كان ..... فقد بيع البيت فيما بعد بالسعر الذي يرضي العائلة كلها حتى أنه أعلى من توقعاتهم ... و اشترى بهاء لوالدته بيتاً صغيراً في حي المهاجرين قريب من بيته كما كان متفق، في بناء لا يتجاوز عدد طوابقه الأربع طوابق ... بناء قديم و لكنه مجدد ... كانت شقة أمه تقع في الطابق الثاني ... و في كل طابق بيتان فقط .... فالجيران قلائل و كلهم يعرفوا بعض .... و قد اعتبر بهاء أن هذا البيت نموذجياً لوضع أمه و فرشه كما تريد تماماً قطعة قطعة .... و لم تأخذ معها من بيتها القديم غير حقائب ثيابها و الصور الفوتوغرافية للعائلة فقط فهذه التي لا تستغني عنها من الماضي ... بل هذا هو الشيء الوحيد الذي تمسّكت و احتفظت به.....
و وقفت حياة عند باب منزلها القديم تلقي نظرة الوداع الأخيرة على هذا المنزل الذي بقيت به لأكثر من أربعين عاماً و لا أحد يدري ماذا يعني لها .... و لكن عليها أن تكون قوية في مواجهة المتغيرات فلا أحد يبقى كما هو ... فالجميع يتغيّر ... نزلت دمعة من عينها و هي تُغلق باب المنزل كمن يودع قلبه أو حبيبه في روحةٍ لا رجعة فيها .... و ما أن دخلت بيتها الجديد حتى شعرت بطاقة من الحيوية و النشاط و التجدد ما لم تختبرها من قبل ... و كانت كلها حماس و عزيمة لأن تغيّر حياتها بالفعل .... و مرّت أيام عديدة، قد تكون شهران أو أكثر حتى بدأت حياة تستقر و تتعوّد على الشقة الجديدة، و قد وضعت كل غرض من الأثاث بالشكل الذي يريحها تماماً .... و أخذت تغيّر أولاً في طريقة أكلها و ملبسها، فأصبحت تأكل الطعام الصحي الذي يحتوي على الكثير من الخضار و الفواكه، مما زاد من نشاطها و تألقها و حيويتها ... و أضافت عليه المكمّلات الغذائية من الفيتامينات و حبوب الكولاجين و أوميغا ثري .... و مع الوقت أخذت تمارس الرياضة في البيت على جهازها الرياضي ... و من ثم سجّلت في نادي رياضي قريب من منزلها، و بات لها مشوار في كل يوم ... و بدأت تقيم علاقات الصداقة مع جيرانها .... و من ثم تغيّرت طريقة لبسها، فتحوّلت إلى الستايل العصري المودرن مما أضاف لها إشراق ما بعده إشراق و حيوية، حتى أن مظهرها الجديد فاجأ كل من حولها و كأنها أضحت إمرأة جديدة أصغر من عمرها بسنوات ....
أما أولادها فكانوا سعيدين بها جداً لأنها خرجت من حال الكآبة و الإنغلاق التي كانت بها و بخطواتٍ قوية نحو الحياة ... لم ينزعجوا أبداً بل شجّعوها جداً و كانوا فرحين بها .... و سافر قصي إلى إيطاليا و هو مطمئن على أمه بأنها بدأت صفحة مشرقة بحياتها، و هي برعاية أخيه الأكبر بهاء.....
بقيت حياة لوحدها بالمنزل ... طبعاً بدأت تشعر بغياب قصي الذي أثّر بها كثيراً، و لكنها كانت تكابر و لا تريد أن تتراجع عن تقدمها ... و لكن كثيراً ما كانت تغلبها الدموع و الشوق ... و في كل يوم و قبل أن تنام، كان لا بُدّ لها من رؤية ألبوم صور العائلة و خاصةً صور قصي المسافر ... و الذي ترك فراغاً جديداً في حياتها ..... و ألم جديد تجدد معه الألم القديم ..... و عندما أحسّت حياة بذلك استدركت نفسها ... و خافت على خطوات التقدُّم التي حصلت في نفسيتها بعد أن جددت حياتها ... و أخذت تعوّض عن ذلك بمظاهر شتّى ... أحياناً كانت تطبخ كثيراً بلا مبرر و ترسل الطعام إلى الفقراء ... و تسكب للجيران و ترسل لبيت ابنها بهاء و لأحفادها .... و أحياناً كانت تضع الموسيقى الكلاسيكية ليلاً و ترفع الصوت ليملأ أرجاء البيت .... إلى أن أتى يوم و قرع عليها باب المنزل بعد منتصف الليل .... و هي لوحدها ....؟؟؟؟؟؟
يتبع