قصة قصيرة
الليلة المشؤومة
(1) الحلقة الأولى
سعيد و غادة زوجان منذ عشرة أعوام، و لهما ولدان جميلان بعمر الثمان سنوات و الخمس سنوات .... و كانت حياتهما هادئة و منسجمة جداً، فقد كانت غادة مثال المرأة المطيعة و الهادئة و ذات تربية عالية، فهي تحترم زوجها جداً و تحترم رغباته، و تلبّي جميع طلباته دون النظر لما تحب هي أو ما ترغب، و إنما رغبة الزوج فوق كل شيء كما علّمتها أمها بأن الرجل رب صغير في المنزل، و عليها طاعته و البحث دوماً عما يسعده في كل شيء. و كان سعيد قمة السعادة بهذه الزوجة الساذجة جداً، و التي يقال عنها قطة مغمضة لا تعرف شيء مما يجري في هذا المجتمع الواسع ... فليس لها طلبات، فطلباتها محدودة جداً تقتصر على حوائج البيت أكثر مما تحتاجه هي، و كانت قمة في الأدب و الخجل، و لا تهتم إلا بزوجها و أولادها و بيتها، و كانت ست بيت من الطراز الأول ... فـهنيئاً لسعيد السعيد جداً في حياته، فهو يعيش سي السيد بالبيت .... و لكن خارج البيت كان شخص آخر نهائياً، كان مرحاً و مزوحاً و له الكثير من الأصدقاء، و كان كريماً خارج البيت ليجذب له الأصدقاء و المحبين من الجنسين، أما داخل البيت فهو يشكو قلة ذات اليد و الرزق المحدود .... حتى تبقى غادة كما هي تحافظ على قرشه الذي يمرح و يسرح به خارج البيت، و هي تعيش بالتقنين و التوفير و ضيق العيش و تدعو بالرزق لزوجها المسكين في كل صلاة، و تحاول أن توفّر عليه بكافة الطرق و الوسائل حتى يبقى مرتاحاً نفسياً، و لا تكدّره بأي طلبات إلا الضروري الضروري منها، و التي لا تقوم قائمة للبيت إلا فيها، فكانت تحاول أن تتقشّف لتدبّر مصاريف البيت و الأولاد بكل عقلانية و صبر.
و لكن وضع سعيد ليس كما تعرفه غادة أو كما يقول لها زوجها.... فقد كان ينفق على نفسه و ملذاته الشخصية الشيء الكثير دون أن تعرف غادة أي شيء عنه خارج المنزل، فهو كتوم جداً و لا يحب أن يتكلّم عن عمله بحجة أنه لا يريد أن تشاركه همومه في العمل، فيكفيها هموم البيت و إدارته .... و هكذا كانت غادة راضية بعيشتها الضيقة، و مقتنعة بما رزقها الله، و كانت سند لزوجها في كل شيء، فـكثيراً ما تقوم حتى بتصليحات في البيت حتى لا ترهقه بعد عمله، و تقوم بأعمال على الرجل أن يقوم بها من باب المعاونة و التخفيف عليه من الأعباء ... و تحمّل نفسها فوق طاقتها من أجله و أجل حبه .... بينما هو يعيش كما يشاء و ببحبوبة خارج المنزل، و ما أن يدخل المنزل حتى يشكي و يبكي من قلة الرزق.... هذا بالإضافة إلى أنه لا يحب أن ترافقه لأي مكان يذهب إليه، حتى لا تتعلّم من الناس أي شيء من مظاهر حياة الترف، و خاصةً زوجات أصدقائه اللاتي يعشن الحياة بالطول و العرض، و يحصلن على الدلال بكل أشكاله من أزواجهن، و لهن مصروف عالي و نفقات شخصية على الألبسة و المكياج و الكوافير و الرحلات و المشاوير النسائية الخاصة بهن. فكان سعيد لا يحبذ أبدأ أن تختلط زوجته بهذه النماذج فتتفسد ... و إنما كان يحب أن تبقى كما هي ساذجة و بسيطة مطيعة و خدومة .....
و مضت الأيام، توالت الشهور و السنون ... و الحال لا يتغيّر .... و أمور البيت تمشي كالساعة بإدارة غادة الحكيمة العاقلة .... و هي تصدّق سعيد بكل كلمة يقولها لأنها هي إنسانة صادقة .... و في أحد الأيام دعاه صديق عزيز عليه جداً لعرس ابنته الذي سيقام في أحد الفنادق الفخمة جداً بوسط العاصمة، و كانت الدعوة له و لزوجته التي طالما دعوها إلى لقاءاتهم مع بعضهم، و كانوا شلة أصدقاء رجال و زوجاتهم ما عدا زوجة سعيد، كان يعتذر عنها و يقول لأصدقائه هي لا ترغب و لا تحب، و هي متدينة جداً و لا تجتمع بالرجال ... و كثيراً ما كانوا يتمنون التعرُّف عليها، فقد أثار هذا الأمر فضولهم .... فكان سعيد متحرر جداً، فكيف يستطيع أن يعيش سنوات طويلة جداً مع إمرأة متدينة جداً .... و كلما سألوه و ضيّقوا عليه بالسؤال، كان يقول أنه لا يحب التكلُّم عن حياته الشخصية فهذه ملكه لوحده ... و تعوّد الأصدقاء على حضوره منفرداً دوماً بكل سهراتهم و لقاءاتهم و مشاويرهم، إلا أن الصديق صاحب دعوة العرس و أبو العروس أصرَّ على دعوة زوجة صديقه لتشاركهم هذه الفرحة التي لا تتكرر في العمر، و استغلال هذه المناسبة للتعرُّف على زوجة سعيد الغائبة دوماً، و أحرج هذا الصديق سعيد بهذه الدعوة كثيراً قائلاً له بأنه لن يقبل اعتذار زوجته هذه المرة نهائياً، و سيرسل كرت الدعوة مع زوجته شخصياً لتقنعها بالمجيء إلى العرس ..... لم يقبل سعيد أن تذهب زوجة صديقه بنفسها لدعوة زوجته، و قال أنها يكفيها أنها أم العروس و هي مشغولة جداً و هو سيقنع زوجته بنفسه لحضور هذه المناسبة الغالية ... و وعد صديقه و زوجته بحضوره هو و زوجته هذه المرة إلى عرس ابنتهما ......
يتبع