قصة قصيرة
لا عزاء للرجال
(1) الحلقة الأولى
تزوّجها بعد قصة حب دامت لمدة عامين .... فقد كان أحمد و نهلة زميلين في كلية العلوم جامعة دمشق ... هو من مستوى اجتماعي أعلى من مستواها الاجتماعي ... و لكن الجيل الجديد لا يعترف بالفوارق الطبقية و لا بالتكافؤ الاجتماعي، بل يعتبر ذلك أفكاراً بالية و متخلِّفة، ليس المقصود هنا التعالي أو التميز العنصري حسب المادة ... و لكن اختلاف البيئة و النمط الاجتماعي و ما يتوّلد عنها ... هو من بيئة متعلِّمة و مثقفة نوعاً ما و هي لا ... و لكنها تملك جمالاً أخاذاً طبيعياً و فطرة بسيطة مستمدة من بيئة متخلّفة بدون تعقيدات ... و هذا ما جذبه إليها بقوة .... الجمال من ناحية و البساطة من ناحيةٍ أخرى .... فهي تختلف عن كل ما تعلّمه و عرّفه .... و أحبَّ هذه الفوضى في حياتها و سلوكها ... بعد أن ضاق صدره من الحياة المنتظمة المرسومة و المحددة في مجتمعه و أسرته .... بهره صدق الحديث بدون بهرجة و لا حساب و لا تمثيل ... ( هكذا دجني دجتك العافية )، يمكن أن يعبّر الإنسان عن أي شيء يريده دون حساب للآخرين أو مشاعرهم.... فقاتل الدنيا و أهله ليتزوّجها ... و تزوّجها بعد التخرج فوراً ... و قام بتهيئة بيت بسيط وسط دمشق ليكملوا مشوار الحياة مع بعضهما البعض كما اختارا هما الاثنان لا ثالث لهما ....
و مضت الأيام ... و الحياة الصعبة تزداد صعوبة و الأعباء تزداد يوماً بعد يوم، فكان لا بد لـنهلة الحصول على وظيفة لتساعد أحمد في هذه الأعباء و الضائقة المالية التي لم تعد تطيقها ... و قد كانت حامل في شهرها الثاني ... و هي تعاني ما تعاني من أعراض الحمل و الوحم .... فكان أحمد يساعدها كثيراً في الأعمال المنزلية، بل كان يعود للمنزل و بعد ساعات عمل طويلة ... ليتحمّل معها جميع الأعمال المنزلية من الألف إلى الياء .... ( طبعاً هذا لا يحتسب له بشيء، فهو يساعدها كما تساعده بالراتب آخر الشهر... هكذا هي تفكر ... بينما هو تدفعه الرحمة بها و الخوف عليها، و خاصةً أنها حامل في شهورها الأولى ... صحيح أن راتبين أفضل من راتب ... و لكن كله لها في النهاية ... و لرفع مستوى المعيشي للأسرة بشكلٍ عام و ليس للرجل فقط ) ....
ولدت نهلة ... و أنجبت طفلة جميلة جداً تشبهها ... كان أحمد سعيداً بها، فمنذ اليوم أصبح لحياته معنىً و هدف .... بينما نهلة بدأت تتغير رويداً رويداً بعد الولادة ... و كانت في إجازة أمومة ... و أصبحت متطلِّبة بعد أن صادقت بعض النساء التافهات في عملها و بعض الجارات ... اللاتي لا يعملن و أزواجهن مقتدرة على الإنفاق على زوجاتهم و ببحبوحة أيضاً، هذا عدا الخلفية و البيئة التي خرجت منها.... و بوجود طفلة و فرد جديد في الأسرة الصغيرة .... بدأ الزن و النق و السق .... و نسيت نهلة وعودها و عهودها مع أحمد عندما أرادا الارتباط بها، و بأنها معه على الحلوة و المرّة و ستشاركه كل شيء ... فقالت له أنها تريد أن تترك العمل، فهي غير مجبورة عليه و خاصةً أنه أصبح لديها طفلة صغيرة تحتاج لرعاية و رضاعة و لا تحب أن تتركها في عهدة أحد ....
فكّر أحمد ... و عَلِمَ أن ذلك سيرهقه مادياً لا شك و لكن طفلته أهم ... و هي أولى برعاية أمها ... فوافق نهلة بتركها العمل ... على أن يبحث هو على عمل ثاني إضافي ليغطّي تكاليف الحياة لأسرته الصغيرة ..... فوجد عملاً بعد الظهر ... في إحدى المحلات التجارية الكبرى ( السوبر ماركت ) كمحاسب على صندوق الدفع، و الذي يسمّى باللهجة الدارجة الكاشيير... و قد وجد هذا العمل صدفةً بعد أن التقى بصديق قديم له يعمل نفس العمل، و هو يريد السفر فتوّسط له عند مدير المحل لتعيّنه في مكانه فترة بعد الظهر ... فقد كان أحمد يخرج من وظيفته الحكومية .... ليعمل في المحل التجاري حتى ساعة متأخرة من الليل ... و ما أن يعود لبيته ... و عوضاً أن يجد عشاءه و سريره جاهزاً ....كان يجد زوجته جاهزة ... للمشاكل و الأخذ و الرد، و لسانها لا يتوّقف .... عن شرح أعباءها طوال اليوم و ضيق خلقها ... و حكايات الجيران و فلانة و علانة، و هذه مدللها زوجها و هذه تأخذ من زوجها خرجيه كذا و كذا .... و هذه تلبس من محلات معينة ... و هذه ... و هذه ... و تندب حظها و القلة التي تعيش بها ..... أما أحمد فقد كان صامتاً أكثر الأحيان، بل و يساير نهلة و يعدها بأنه سيوفر لها مبلغاً من المال لتشتري به كل ما ترغبه هي و طفلتها ... و التي كانت تبدو ضعيفة و لا تعتني بها والدتها كما يجب ... و كم لفت نظر نهلة لهذا، و سألها إن كانت تطعمها جيداً و تقدّم لها الوجبات التي وصّى الطبيب عليها .... فكانت تقول له نهلة : هل تعلمني كيف أحب ابنتي و أعتني بها ....؟؟؟ أتمزح معي ... تقول ذلك بكل سخرية ...... و لم يكن أحمد يرد عليها أو يجادلها لأنه كان متعباً جداً، و لا وقت لديه لمثل هذه المهاترات ....
و في يوم و بعد منتصف الليل ... استيقظ أحمد على صوت طفلته و هي تبكي بكاءً شديداً في سريرها ... فالتفت إلى نهلة فوجدها تغط في نوم عميق ... فنهض من سريره ... و حمل طفلته فوجدها تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة و حمى شديدة تنتابها، فأسرع ليوقظ نهلة ... حتى تعالج الموقف بحنان الأم و خبرتها بالأطفال .... فما كان من نهلة إلا أن قالت بلا مبالاة أعطيها أنت المسكن...؟ ... شراب السيتامول موجود في البراد ... و أكملت نومها... هنا استشاط أحمد غضباً .... و صرخ بأعلى صوته .... بل قومي أنت أيتها الأم الحنون ...؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يتبع