قصة قصيرة
التوائم
(2) الحلقة الثانية
دخلت نادية الفرع العلمي في الصف الثاني الثانوي بينما دخلت نادين الفرع الأدبي، و كانت الشقيقتان التوائم تشتركان بغرفة نوم واحدة و كثيراً ما كانت نادية تلاحظ كيف تضيّع نادين أوقاتها بالسخافات و التفاهات و الأشياء الغير أخلاقية، حتى كشفتها في إحدى المرات أنها تدخن سراً، فقد علّمتها صديقتها و جارتها المنحرفة هذه العادة السيئة .... كما شعرت نادية أن أختها تتكلّم على الجوّال كثيراً بشكلٍ مريب، و كثيراً ما نصحتها بكل حبٍ و حنان، و كانت تحاورها و تناقشها تقريباً كل يوم خوفاً عليها، و نادين كانت ترفض أن تتقبّل نصائحها بأي شكلٍ و ترفض أن تكون أختها نادية وصيةً عليها و كأنها هي المميزة و هي الناجحة .... حتى قالت لها مرة نادية : لا أدري لماذا لا تشبهنني، فنحن توائم، و التوائم يحبّون نفس الأشياء و يميلون إلى نفس الأشياء إلا أنا و أنت، فنحن مختلفتان جداً لماذا هكذا ؟؟...... فردّت عليها نادين : هذا بيت القصيد، لأننا توائم فأنا أرفض أن أكون نسخةً عن أحد، و أحب أن أختلف و أن أتميّز عنك. فقالت لها نادية : لا بأس، تميّزي عني، و لكن بأشياء جيدة بأشياء سوية و مقبولة ... فلن تكوني متميّزة بالأخلاق السيئة و التصرفات اللامبالية ... فأنت الآن تلميذة، و يجب أن تكون كل اهتماماتك بدراستك و تحصيلك العلمي و بناء مستقبلك لا أن تهدميه بهذا الشكل .... فأنا أعرفك و أعرف ما تقومين به، و أشعر بك حتى أكثر من أبوينا !! ... و كثيراً ما كان ينتهي النقاش بمهاترات و غضب و خصام تفتعله نادين، حتى باتت نادية تتجنّب المواجهة .... و تكتفي بالحزن عليها من بعيد لبعيد، و هي ترى أختها تهدر أوقاتها بهذا الشكل السخيف و المدمر. و لكن نادين كانت تشعر أنها تعيش حياتها، و أن هذه المرحلة من عمرها هي أجمل مراحل الصبا، و عليها أن تغترف من أنواع اللهو و الترفيه و النشوة و تحقيق الذات عن طريق كل ممنوع مرغوب، فكانت تذهب ليلاً بعد أن ينام والديها إلى جارتها الفاسدة لتقضي الليل و هما تدخنان و تسمعان الموسيقى الصاخبة .... و ترقصان و تكلّمان الشباب في الهواتف ... و كل ذلك في غياب والدي صديقتها اللذان كثيراً ما كانا يسهران خارج المنزل مع أصحابهما لأنهما يريدان أن يعيشا حياتهما، فالنهار كله للعمل و تحصيل الكثير من المال من أجل الرفاهية و مظاهر اجتماعية تافهة ... غير مدركين و لا مباليين بأن هناك فتاة في عمر المراهقة تحتاج لهما و لاهتمامهما و رعايتهما، و ها هي تفسد و تفسد صديقتها ... بلا حدود و لا رقيب ....
أما نادين فقد كانت تواجه بضغطٍ كبير من أهلها تتجلّى بتشديد المراقبة عليها، و تشديد المقارنة بينها و بين أختها العاقلة الذكية المطيعة الهادئة، و هذا ما زاد الطين بلّة، فوجدت أساليب و طرق شتّى تستطيع بها التهرُّب من هذا التشدد، و هذه المقارنة التي كانت تكرهها أكثر شيء في الحياة ... أسلوبان خاطئان في التربية، جعلت هاتين الفتاتين تقتربان من الإنحراف رويداً رويداً ... بالكذب و التستُّر و تحقيق رغباتهما في الخفاء ..... كانت نادية تلاحظ بعض الأشياء من أختها و لكن لم تكن بموقع يسمح لها أن تكون مؤثرة نهائياً ... بالإضافة إلى أنها كثيراً ما كانت تتستّر على نادين .... لأنها تحبها و تخاف عليها من المشاكل مع أهلها، و هي تضرّها من حيث لا تدري لأنها لا تملك الخبرة و لا التجربة ..... و نجحت الأختان في الانتقال إلى الصف الثالث الثانوي، بينما كانت نادية من الأوائل و المتفوقين ... أما نادين، فقد نجحت شحطاً بمعدل منخفض جداً و لولا مساعدة نادية لها ببعض دروسها لرسبت حتماً ... صحيح أن الأقدار تختلف و صحيح أن هناك سمات شخصية تخلق مع الإنسان، فإما أن تعدّلها البيئة المكتسبة و إما تتأصل به .... و لكن ما يدعو للغرابة أن هاتين الفتاتين توائم و تعيشان بنفس البيئة و التربية إلا إن إحداهما شذّت عن القاعدة ...... و في أحد الأيام ؟......
يتبع