الارشيف / ثقافة و فن

يوميات عائلة مستورة - الحلقة الأولى

قصة قصيرة

 

يوميات عائلة مستورة

المقدمة :


لطالما كان نسيج المجتمع السوري قد حيك بخيوط متباينة و مختلفة من حيث النوع و الشكل، فقد ضمّ شرائح مختلفة من البشر عبر الأزمان و خاصةً المجتمع الدمشقي، حيث تعتبر دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ ... فتجد فيها ما يسمّى فسيفساء الإنسانية أجمع ... حيث تلاحظ ضمن المجتمع الواحد طبقات من حيث المستوى المادي... و جماعات و فئات من حيث الدين... و أنواع كثيرة من الانتماءات و المعتقدات.... و حتى الشكل الخارجي لسكّان هذه المدينة الخالدة يندرج من قمة الجمال الإنساني إلى قمة القبح .... مع فئة تنتمي للإعاقة حتى .... مجتمع غريب النسيج و التشكُّل ... و مع ذلك ... فقد عاش الناس و الأفراد ضمن هذا المجتمع المتنوّع الأشكال و الأنواع بسلامٍ و وئام فترات طويلة من التاريخ السوري القديم و الحديث ... فتجد المسلم و المسيحي و حتى اليهودي في حارة واحدة ... يحترمون بعضهم بعضاً و يحترمون عقائد بعض ... و ذلك ضمن منظومة أخلاقية متعارف عليها تدعى العادات و التقاليد و المستوحاة من أصل الشرائع كلها ...

 

 

ففي حقبة من التاريخ تجد المرأة السورية مستورة الرأس و كذلك المسيحية و اليهودية و كلٌ على شريعته ... و كانوا يقومون باحترام الجوار و واجباتهم على أكمل وجه ... لم يكن هناك مشكلة اجتماعية واضحة أبداً .... و هذا على سبيل المثال لا الحصر، هذه الأعراف و العادات التي تمسّك بها المجتمع السوري لمدةٍ زمنية طويلة ...... هي المنظومة الأخلاقية التي تدعى العادات و التقاليد .... التي اخترقت فيما بعد اختراقاً سيئاً للغاية ... فبعد أن جمعت الناس على الأخلاق و المُثل العليا و العرف ... فرّقتهم ... و ذلك بهدم الأخلاق و المُثل و العادات في المجتمع الدمشقي بشكلٍ خاص و المجتمع السوري بشكلٍ عام ... طبعاً جميعنا نعلم أن على أي مجتمع أن يتطوّر بمختلف مظاهره و وسائله و أشكاله مع تطوّر الزمن... و ذلك بالتخلُّص من بعض العادات البالية التي لا قيمة أخلاقية حقيقية لها و إنما تكون أسلوب فقط أو شكل من أشكال العلاقات التي أثبتت التجربة فشلها ... و لكن التطوّر كان يجب أن ينشأ من ضمن المجتمع نفسه على أيدي المتنوّرين و الناضجين علمياً و ثقافياً، بحيث يلائم الخطوط العريضة لخصائص المجتمع نفسه ... و لكن الذي حصل هو دخول التطوّر من النوافذ ... نوافذ الانفتاح على العالم الخارجي ...و للأسف بدلاً من أن تدخل التقنيات العلمية و الوسائل الاستراتيجية التي تدفع بمجتمع نامي نحو التطوّر و الازدهار، دخلت جميع القشور الحضارية الغربية ... التي تهدم منظومة الأخلاق و الأعراف و القيم .... لم يدخل ما يفيد المجتمع أبداً، بل دخل ما عمل على خرابه ... فأصبحت الماديات و الكماليات هي أهم متطلبات الأسر ... و من ثم بدأ الجري السريع و المتسارع نحو مجتمع استهلاكي ليس إلا، فحطّم بقدميه البقية الباقية من المنظومة الأخلاقية و الأعراف و بعض التقاليد التي كانت تحافظ على تماسك هذا المجتمع بشكلٍ عام و الأسر بشكلٍ خاص، و التي كانت تعتبر مؤشرات صحية و سليمة للحفاظ على القيم و المثل العليا .... و كما قال الشاعر أحمد شوقي :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
و هذا ما حصل في مجريات قصتنا هذه.

 

ملاحظة : أي تشابه في الأسماء و الأماكن هو محض صدفة، فالقصة من خيالي البحت.

 

 

يوميات عائلة مستورة
 

(1 ) الحلقة الأولى

 

سعيد بيتموني، رجل في العقد السادس من العمر كان يلقّب بأبو زهير نسبةً لولده البكر زهير ... يعيش في بيت نصف عربي ( بيت عربي مجدد من حيث المطبخ و المنافع ) ضمن حارة دمشقية قديمة في حي باب الجابية العريق بوسط دمشق القديمة و كان متزوجاً من سيدة فاضلة سليلة عائلة كريمة من الميدان تدعى ناجية سعد الدين ( أم زهير )، كان فارق السن بينهما خمس سنوات فقط، فأبو زهير تزوّج و هو في العشرين من عمره، بينما كانت أم زهير في الخامسة عشرة من عمرها فقط ... كما كانت عادات المجتمع الدمشقي بتزويج الرجل و المرأة كلاهما بعمرٍ صغير...

 

 

و كان أبو زهير قد حصل على السرتفيكة، و هي شهادة الدراسة الابتدائية آنذاك ... و قد تعلّم المحاسبة عن طريق المزاولة و توظّف لدى أحد المصارف الذي كان يدعى مصرف سوريا و المهجر .... و وظيفته بالتحديد صرّاف في الصندوق التابع للمصرف ( صندقجي باللغة العامية )، أي هو من يقوم بصرف و قبض أموال التعاملات المختلفة داخل غرفة كالصندوق .... و بعد ثورة الثامن من آذار التي حصلت في سورية... تأممت المصارف و أصبحت مصرفاً واحداً هو المصرف التجاري السوري بفروع متعددة داخل دمشق و فروع في جميع المحافظات السورية .....

المهم انتقل سعيد ( أبو زهير ) و لأنه ضمن ملاك المصرف للعمل في أحد الفروع للمصرف التجاري السوري في منطقة الحريقة وسط أسواق دمشق القديمة ... و بنفس عمله أي صندقجي ... و كان محل عمله قريباً من حارته و مكان إقامته باب الجابية الذي يقع قريباً من أسواق و محال الشرقيات و الأواني النحاسية و سوق باب السريجة المشهور ... أنجب سعيد و ناجية تسعة أولاد، ست من الإناث ... و ثلاثة من الذكور .... كانت عائلتهما من الحجم الكبير .... و بالتالي ......؟؟

 

 

يتبع 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا