الارشيف / ثقافة و فن

يوميات عائلة مستورة - الحلقة السادسة

قصة قصيرة


يوميات عائلة مستورة


(6) الحلقة السادسة

 

خرجت أم زهير من غرفة العناية المركّزة و هي بقمّة الدهشة و الهم .... فهي لا تريد أن يعلم زوجها بأن الأمانة التي كان يحملها ساعة أُصيب بالذبحة الصدرية قد ضاعت ... و اختفت فإن ذلك سيقضي عليه حتماً ... و ستكون الضربة القاضية بالنسبة له ... و ذلك من خلال ما تعرفه عن أخلاق زوجها و خلفيته الدينية ... و سلوكه القويم .. فعليها أن تجمع نصف مليون ليرة خلال يوم واحد فقط ... و قبل أن يصل الخبر لأبو عمر فيقوم بزيارته في المشفى .... لعلّه الآن يتفقّد غيابه و يستغربه ... و ليس بعيداً أن يكون قد زارهم في البيت و ليس عندهم خبر ... أو ساورت أبو عمر الظنون و الشكوك بصديق عمره .....

 

 

كادت أن تصيبها ذبحة صدرية هي الأخرى من هذا الخبر الذي لم يكن لا على البال و لا على الخاطر، و أخذت تفكّر بسرعة إلى أين تلجأ أولاً .... تذكّرت بأن لديها سوارين لا ثالث لهما من أيام عرسها، أحدهما أهدها إياها أبو زهير كهدية زواج و الأخرى والدها و هما أغلى ما لديها و أحلى ذكرياتها ... و لكن لا بُدّ أن تتصرّف بهما بسرعة مهما كان الأمر و على كل لا تتجاوز قيمتهما بأحسن الأحوال الخمسين ألفاً من الليرات السورية .... و لديها مبلغ بسيط للطوارئ يبلغ الخمسة و العشرين ألفاً .... يا إلهي ما زال الفارق كبير .... ستستدين ... و لكن ممن ؟؟... فكل من حولها مثلهم لا يملكون أكثر من قوت يومهم و بعده فقط ؟!! ... كل هذا تفكّر به أم زهير و هي في طريقها نحو المنزل لتأخذ الأساور و النقود .... و الهم يسبقها و يلحقها و دموعها تجري على وجنتيها الحارتين !.. و وصلت البيت ... و لم تسمع و لا كلمة مما يحدّثها بها أولادها و هم يسألونها عن والدهم ... لم تفارق شفتاها و لسانها كلمة الحمد الله ... الحمد لله .... و بينما كانت ترتب بعض أشيائها و تستعد للذهاب من أجل الاستجداء من كل من تعرفه و لا تعرفه .... قُرِعَ باب المنزل و إذا تسمع أولادها يتكلمون مع رجل أمام باب البيت، فهرعت فوراً نحو الضيف القادم لترى إن كان ظنها في محله، و بالفعل صدق ظنها فقد كان أبو عمر يسأل عن صديق عمره فهو منذ البارحة لم يراه بعد أن أوكل له مهمة كبيرة ... و حسّاسة ... و ما أن رأت أم زهير وجه أبو عمر حتى انهمرت دموعها بغزارة... مما جعل أبو عمر يشعر بأن صديق عمره قد رحل إلى العالم الآخر .... فقال على الفور : لا حول و لا قوة إلا بالله، إنّا لله و إنّا إليه راجعون .... رفعت أم زهير رأسها فوراً، و قالت بسرعة : لا سمح الله، أبعد الله الشر عن أبو زهير. تفضّل يا أبو عمر إلى الداخل، فالموضوع ليس كما تظن .... و إن كان سيئاً للغاية .... و دخل أبو عمر بيت صديقه و رأسه منحني نحو الأرض احتراماً لبيت صديقه و زوجته .... فرفعت أم زهير صوتها تطلب من أولادها أن يقوموا بعمل القهوة لضيفهم الغالي ....؟؟!! ...

 

 

دخل أبو عمر غرفة الضيوف و دخل معه موفق و سامر ... و لحقت بهما أم زهير .... فرحبت بأبو عمر و طلبت من أولادها مغادرة الغرفة مما أثار عجبهم و عجب الضيف ؟؟ ثم استدركت قائلة يا أبو عمر مصيبتي الآن لا أحد يدري بها غير أنت و الله وحده .... فقد أصابت أبو زهير البارحة ذبحة صدرية و هو في طريق عودته من المهمة التي أرسلته أنت إليها ... و كان يحمل الأمانة تحت إبطه .... ثم سقط مغشياً عليه و أنقذه شابان كانوا يقفون في الشارع بالقرب منه .... و أخذوه بحالة إسعاف إلى مشفى المواساة .... و قد فُقدت الأمانة خلال هذه الحادثة التي لا كانت على البال و لا الخاطر .... و هو لم يدري أنها فقدت و ضاعت، فقد سألني عنها أول ما صحي و سمح لي الطبيب برؤيته .... و أنا سأعمل كل جهدي بأن أؤمّن لك المبلغ كاملاً، فقد قال لي أبو زهير أن أردّه اليوم إليك، و هو يتجاوز النصف مليون ليرة سورية .... و لكن لي رجاء صغير ألا تخبر أبو زهير بشيء .... فقد أصبحت الأمانة عندي و أنا مسؤولة عنها .... أرجوك لم يعد له أي دخل في الموضوع ...؟؟؟ فهو لا يستطيع أن يتحمّل خبر فقدان الأمانة .... أرجوك بل أتوسّل إليك ...... أخفض أبو عمر رأسه نحو الأرض .... فلم تعد تشاهد أم زهير من وجهه شيء .... إلا نقاط من الماء تتساقط على الأرض من ذقنه ..... هذا الوجه الذي حاول صاحبه إخفاءه تماماً ...

 

 

مرّت لحظات من السكون المطبق و الاثنان يبكيان .... ثم مسح أبو عمر وجهه بحركة سريعة من يده ... و قال :.... سامحك الله يا أم زهير .... أهذا هو ظنك بي .... أبو زهير غالي علي جداً و هو مثل أخي، و قد تربّيت أنا و هو بنفس الحارة و درست معه بنفس المدرسة و نشأنا سوية بنفس الأخلاق، هل تعتقدين أنه أفضل مني ... سامحك الله ... و ما أبكاني إلا حزني و خوفي عليه .... و أما الأمانة فلا تهتمي، فالله أعطى و الله أخذ ... و إن لم يكن لي نصيب بهذا الرزق... فلم يكن ليصل إلي أبداً إن كان عن طريق أبو زهير أو غيره.... هوّني عليك ... و لا أريد منكم شيئاً .... و عوضي على الله الذي لا يضيع عنده شيء، بل أنا الآن أسألك ما تحتاجين له و أنت في هذه المحنة، بل كل حاجياتكم أنا المسؤول عنها حتى يخرج أبو زهير بالسلامة .... و سأقوم فوراً الآن لموافاته في المشفى و الاطمئنان عليه .... و على صحته ... و سأقول له أنك أديت الأمانة و أعطيتني إياها و أخبرتني بأنه في المشفى ... و انتهى الموضوع ... و نهض واقفاً .... لم تصدّق أم زهير ما سمعته أذناها .... و لم تعرف ماذا تفعل .... و تذكرت على الفور الآية الكريمة ... و من يتق الله يجعل له مخرجا .... و استمر لسانها بالحمد و الشكر لله كما عودته دائماً، و شعرت و كأن حمل كبير كحمل الجبال قد نزل عن كاهلها الضعيف ... و بالإمتنان و العرفان لله أولاً و لهذا الرجل الذي يقف أمامها و التي شاهدت هامته قد وصلت لسقف الغرفة من رجولته و شهامته .....

 

 

و ذهب أبو عمر إلى المشفى فوراً، و اصطحب معه أم زهير و أولادها موفق و سامر ليعودوا إلى المشفى بسيارته .... و دخل أبو عمر لوحده إلى غرفة العناية المشددة كما هو النظام، فلا يُسمح إلا لشخص واحد بالدخول ليطمئن على صاحبه و صديق عمره ..... و بقيت أم زهير واقفة عند باب العناية المشددة هي و أولادها تنتظر دورها بالدخول .... و إذ .... تجد أحد الشابين اللذان أنقذا زوجها البارحة يهرع نحوها بخطى متسارعة .... و يحمل بيده كيس أسود ..... و يقول و هو يلهث من عجلته .... يا أختي لا تواخذوني، البارحة نقلت زوجك إلى هذا المشفى ... في سيارتي و وضعته أنا و صديقي في المقعد الخلفي من السيارة ... مضّجعاً ... و أسرعنا إلى المشفى و لم أنتبه ماذا يحمل زوجك بيده .... و اليوم و عند الظهر أرجعت أولادي من المدرسة فوجدوا هذا الكيس ملقى على أرض السيارة، و لم يركب سيارتي من البارحة منذ وقت أن أوصلت زوجك إلى هنا إلا هو .... ألديك فكرة عن الموضوع ؟؟؟؟ .... قالت أم زهير طبعاً ... ففي داخل الكيس نصف مليون ليرة كان يحملها زوجي أمانة ليوصلها لصاحبها و هي ليست له ... هنا تأكّد الشاب أن الكيس يعود لأبو زهير، فهو قد فتحه و شاهد ما فيه و عرف أن المبلغ نصف مليون كما قالت له أم زهير ... فسلّمها الكيس الأسود ... و سألها عن حالة الحاج و يقصد أبو زهير، و ناجية بقمّة الذهول .... و غادر المشفى ... بلا كيس أسود .... و لكن بكيس أبيض من الحسنات و الأجر..... كانت الفرحة كبيرة .... كبيرة جداً التي شعرت بها أم زهير.... و هي تردد ... يا سبحان الله .... لسه الشام بخير ... لسه الشام بخير .... لسه الشام بخير..............................

 

يتبع 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا