في بيتنا ....... رمضان
(1 ) الحلقة الأولى
عائلة أبو أحمد عائلة متوسطة الحال تقطن في شارع برنية في دمشق العاصمة الشارع القريب من حي الميسات وركن الدين ... تتألف الأسرة من الأب أبو أحمد وزوجته أم أحمد وثلاثة شقيقات بنات أم أحمد وهن على التوالي غادة ( ثلاث وعشرون عاماً ) ولينا ( عشرون عاماً) وهبة ( تسعة أعوام )..... وأحمد ( خمسة عشرة عاماً ) ومهند ( خمسة أعوام ) هم أولاد أم أحمد وأبو أحمد الذكور .... أما الحكاية تبدأ وتنتهي مع الشقيقتين غادة ولينا ... غادة تخرجت للتو من كلية الآداب قسم اللغة العربية ... وأما لينا فهي تدرس في كلية الاقتصاد سنة ثانية .... غادة هي البنت البكر للعائلة ولينا هي البنت الثانية بعد غادة وكثيراً ما تلازمت هاتين الشقيقتين لقرب أعمارهما وترتيبهما في العائلة. لم تكونا أختين فحسب بل كانتا صديقتين متلازمتين تقريباً في كل شيء إن كان داخل البيت أو خارجه ... كانتا حنونتين على أمهما وأبيهما كثيراً ...بل على كل العائلة ... وتُعتبران اليد اليمنى لأم أحمد في الأعمال والمهام المنزلية التي لا تنتهي .... تساعدانها في كل شيء منذ نعومة أظافرهما حتى باتتا ربات منزل من الدرجة الأولى وأمهات للعائلة في الدرجة الثانية، اعتادت الأختان في كل رمضان السهر حتى الفجر ... حيث يتسامران ويصليان ويقرأن القرآن ويتبادلان الحديث حتى يحين موعد السحور فيحضرانه للعائلة ويوقظون أهلهم لتناول وجبة البركة كما قال رسولنا الكريم : تسحروا ففي السحور بركة.
سابقاً.. وعندما كان رمضان يأتي في الشتاء ... كانت الأختين تدرسان وتسهران مع بعضهما حتى يحين موعد السحور ... وكم كانت لهما ذكريات كثيرة وجميلة ومشتركة في سهراتهما الشتائية الرمضانية .....أما اليوم ...فقد اختلف كثيراً عن الماضي .... أصبح رمضان يأتي في الصيف ... واختلف الحال كثيراً .... وكثيراً جداً ... فنحن في صيف خمسة عشرة بعد الألفان .... وسورية ودمشق لم تعد سورية ودمشق .... ورمضان لم يعد كما كان ... نعم بقي شهر فضيل وكريم ولكن سُحبت منه البهجة والفرحة ... ففي كل بيت غصة أو مأساة... وسورية في حرب قذرة ... غيرت الكثير من معالم البلد .... ومعالم نفسيات أهل البلد لم يعد يشعر الناس بجمال وفضائل الشهر .... ومع ذلك كانوا أقرب فيه إلى الله من أي موسم رمضاني مضى ؟... فالناس تلهج ألسنتها بالدعاء ليلاً نهاراً يتلمسون الفرج به من رب كريم ... للخروج من هذه الحرب والمصيبة التي هبطت على السوريين كلهم بدون استثناء ... وكثرت الصدقات وكثر العطاء في الحقيقة ... فبالرغم من كل هذا القتل والدم الغير مبرر وضيق الحال والغلاء أصبح الناس يشعرون ببعضهم أكثر وأكثر .... المهم أن رمضان هذا العام جاء والناس في منتهى الحزن والتعب والألم على بلادهم ووضعها الذي لا يسر احد ....وكانت عائلة أبو أحمد من هؤلاء الناس الذين لا حول لهم ولا قوة وبالكاد يدبرون أمور معيشتهم ... ويتعايشون مع الوضع وضمن الإمكانيات المتاحة ... فالحال أصبح ضيقاً ولم يعد كما كان ... فأبو أحمد موظف في مؤسسة الكهرباء وهو يشكر ربه ليلاً نهاراً على أن راتبه مستمراً بالرغم من الأزمة الخانقة للبلد صحيح أن الراتب تقلصت قدرته الشرائية كثيراً ... ولكن لا بأس طالما مستمراً فالرمد خير من العمى كما يقولون .... والله لا ينسى أحد ... وبقليل من التدبير وحسن التصرف والصبر يمشي الحال ....
مضت أيام من رمضان والعائلة تسير على نظامها المعتاد ولكن بأقل التكاليف ... كانت أم أحمد وبناتها غادة ولينا من أهم أفراد هذه الأسرة البسيطة ... بحثت غادة ومازالت تبحث على عمل ...بعد تخرجها ولم تأتيها أية فرصة بعد ولذلك هي متفرغة تماماً لمساعدة والدتها ... وكذلك لينا فهي في العطلة الصيفية ولا دراسة لديها الآن .... ولو أنها تحمل بعض المواد ... ولكنها مؤجلة للموسم الدراسي القادم في الشهر الأول من العام المقبل .... اعتادت الشقيقتان غادة ولينا السهر يومياً على شرفة منزلهما طوال الليل وحتى يحين موعد السحور يتسامران كصديقتين ويبوحان بمكنونات نفسهما لبعض مهما كان الطقس والجو حولهما ... ومهما كانت أصوات القذائف عالية وقوية ... قريبة أم بعيدة فهذا شيء اعتادت عليه الأسرة فمنطقتهما قريبة من الأماكن الساخنة ... ويستمعون فيها كثيراً لأصوات القصف وغيره حتى بات ذلك أمر يومي عادي لا يفرق بين ليل أو نهار ... بين رمضان وغيره من الشهور .....
أخذت كل واحدة منهما مكانها المعتاد على كرسيها الذي بات مطوب باسمها تقريبا على الشرفة ...والليل والظلام مخيم تماماً ولا يظهر غير رأسين قريبين من بعضهما يتهامسان ...رأس غادة الغير محجب ....ورأس لينا الذي يعلوه غطى الصلاة ....ولتبدأ السهرة ...وقد وضعت كل واحدة منهما صحن صغير حضرته مسبقا خلال النهار لهذه السهرة الصباحية واليومية ...غادة تحب البطيخ والفواكه وما وجد منها ...أما لينا فهي تحب بعض الأكلات الطيبة مثل الشوكولا والسكاكر ...وبدأ الرأسان يتهامسان وكل قليل تصدر من إحداهما ضحكة خافتة ومكتومة حتى لا توقظ أحد من العائلة ...ويستمر الهمس ....
قالت غادة : ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يتبع