لهذا الشهر الفضيل وقعٌ خاص في نفس المغترب..
فهو يشعل الحنين .. و يضرم الشوق .. و يتفنن في تعذيبنا بإطلاق الذكريات الدفينة..... ينشّط الذاكرة.... ليُخرج كل التفاصيل الدقيقة ... فنجد أنفسنا نتذكر أدق الأمور التي حرمتنا منها الغربة ..
نشتاق و بقوة لكل الأناس الذين ابتعدنا عنهم .... نستذكر أحاديثهم ... و سماحة وجوههم.... و طيب لقائهم ....
نشتهي كل أنواع الطعام الذي كان على تلك المائدة .... المائدة البعيدة التي تفصلنا عنها الجبال و البحار.... و لكنها حاضرةٌ و قريبة جداً هنا .... في قلبنا و عقلنا.. حتى إننا نستطيع شم رائحتها..
تلك الرائحة الزكية .... الممزوجة بكل ذكريات الاجتماعات العائلية..... و الإفطارات الجماعية..... و متعة الانتظار.... و سماع مدفع الإفطار..... و صوت الجوامع التي تصدح بالآذان ... و طقطقة صحون الجيران .... و الشوارع المزيّنة بالأضواء الزاخرة بالألوان..... فكل شيء أُعدَّ لرمضان ....
نتنهد الآن بقوة أمام مائدتنا الغنية بالطعام ...... و الفقيرة بالصحبة....متأمّلين المقاعد الخاوية...... نسمع الآذان الإلكتروني ..... و نباشر الطعام ... طعام بارد لا روح فيه ........ ليتكرر هذا الشعور الثقيل.......... ثلاثين مرة...........