من منا لم يشاهد فيلم التايتانيك الشهير .. و يتأثر بمشهد غرق ركابها.. و لكن السؤال الأهم هنا من منّا تخيل و لو للحظة واحدة أن تتكرر هذه المأساة الآن و في القرن الواحد والعشرين، مع المفارقة الكبيرة و الشاسعة بين فخامة سفينة التايتانيك و حقارة قوارب الموت، و بين شرف و نبل طاقمها و طمع و جشع المهربين..
فـهؤلاء المساكين الفارّين من الموت إلى الموت نفسه، يدفعون حياتهم ثمناً لمماتهم .. يجمعون ما يحبون و من يحبون معاً في هذا القارب المطاطي الصغير و يسلّمون أقدارهم لرجل تجرّد من كل معاني الإنسانية و الرحمة.. ليبدؤا رحلتهم المجنونة المحفوفة بالمخاطر و الموعودة بالنعيم و رغد العيش.. و لكن ما تلبث أن تتبدّل الأحوال لتبدأ الأمواج بضرب قاربهم الصغير و تتلاعب بمصائرهم تماماً كلعبة الروليت الشهيرة ليبدأ المقطع المرعب و المرتقب من النسخة الحديثة لفيلم التايتانيك، فتجدهم شاخصي الأبصار.. مرتعدي الفرائس .. متشبثين بأطراف أكثر ركن آمن بنظرهم في هذا القارب الهزيل .. تلهج ألسنتهم بالدعاء.. رافعين أكفهم إلى السماء... منتظرين معجزة إلهية تنتشلهم من عرض البحر.. لحظات هي فقط حتى يتحطم هذا القارب البائس ليس إلى نصفين كما في الفيلم المزعوم فهو هشٌّ لدرجة الذوبان لا يبقى له أثر أبداً ..
و هنا تبدأ المأساة لتعلو معه صرخات الكبار و الصغار معاً فالكل ضائع.. يبحث عن قشة تبقيه على قيد الحياة .. متمسّكاً بأي شيء يعوم أمامه.. يسبح متخبطاً مشلول الذهن و الجسم.. لحظات هي فقط حتى تبدأ الأصوات بالإنخفاض رويداً رويداً.. ليس لأن الليل قد حلّ .. بل لأن الركاب وصلوا أخيراً إلى نهاية رحلتهم .. إلى النعيم الموعود و الراحة الأبدية.