أنت ما تريد أن تكونه فقد إختصرت الكثير من سنوات البحث، ولكن ان تصر على حلمك ليصير واقعا ملموسا ملئ السمع والأبصار، هو أمر يحتاج إلى أكثر من الحلم بكثير، هاني المصري كان أحد اللذين حلموا و أصروا على تحقيق حملهم فمنذ أن قرر أن يضع خطة "للتزويغ" من المدرسة لمشاهدة فيلم الرسوم المتحركة Jungle Book عام 1967 وكان وقتها طالبا بالمرحلة الثانوية بمدرسة الجيزويت، ولان النظام في تلك المدرسة كان صارما فكانت فكرة الهروب أو التزويغ مستحيلة فخطط هاني أن يقوم بتمثيل أنه مريض وأن "حشو" أحد اسنانه قد وقع وانه يحتاج فورا إلى مراجعة الطبيب و بدلا من القفز من على السور وتعريض نفسه للعقوبة فتحت أمامه أبواب المدرسة ليخرج وعلى وجهه نظرات الألم لتتحول بعد خطوات إلى نظرة إنتصار وسعادة لينطلق بعدها إلى أحد سينمات القاهرة التي تعرض فيلم Jungle Book ويشاهد الفيلم خمس مرت ممتالية من الساعة العاشرة والربع صباحا، وحتى الواحدة و النصف مساءا، ليكون عقابه قاسيا من والده ولكنه كان قد تمنى أن يكون واحدا من فناني ديزني.
وبعد الثانوية العامة دخل هاني في معركة أخرى حينما قرر تحويل دراسته من الهندسة إلى الفنون الجميلة وهي المعرك التي أستمرت مع بيروقراطية موظفي الجامعة لمدة 7 أشهر أقتحم فيها هاني المصري مكتب وزير التعليم العالي 4 مرات إلى أن حصل على قرار وزاري منه بأن يؤدي إختبارات القدرات مع الطلبة الوافدين وقد كان ليفوز هاني مرة أخرى بمعركته ويصبح واحدا من طلاب قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة.
ولأنه أدرك حلمه في وقت مبكر فقد استعد لكل خطواته وعرف ان العمل فقط هو السبيل لتحقيق حلمه و العمل في ستديوهات ديزني، لذلك كان المصري يسافر في كل إجازة جامعية إلى فرنسا ليعمل في شهور الصيف ، حتى تخرج من الكلية وبدء العمل في الديكور فصمم ديكورات عدد من المسرحيات من بينها العيال كبرت، وإنها حقا عائلة محترمة وشاهد ماشفش حاجة وإيزيس، إلى استقر به المقام في شركة Impact للدعاية، ولأنه فنان بالفطرة فإن روتين العمل في المؤسسات في مصر قد يصيبه بالملل وحينما كان على حافة إتخاذ قراره بالخروج من الشركة والعودة للعمل الحر، تقابل مع الخواجة "بيانكي" وريث عائلة جروبي و التي تمتلك محلات جروبي الشهيرة، ولأسباب كثيرة كان الخواجة بيانكي يرغم في فصل مصنع الأيس كريم تمهيدا لبيعه لمستثمر جديد، ولكنهم بحاجة إلى دعاية مختلفة قبل الفصل لضمان إستمرار المنتج في السوق، وبدء هاني العمل على تصميم شخصية جديدة تصلح أن تكون ماركة مسجلة لهذا المنتج.
ولأن المستهلك الأعظم للأيس كريم في هذا الوقت هم الأطفال، إتجه هاني بعقله إلى الطفل وما يحبه فقرر أن تكون الشخصية الجديدة شخصية حيوان، فجرب أن يصمم شكل أرنب، أو قرد أو دولفين،ولكنه تذكر انه حينما كان طفلا كان يسمونه الدب الأزرق لبدانته ولأن والدنه كان كثيرا ما تلبسه ملابس زرقاء اللون فقرر أن يضع تصميم على شكل دب أزرق، ليخرج الدب الأزرق لأول مرة، ويكتسح أمامه كل التصميمات الأخرى التي أعدها هاني ليصبح هو الماركة الجديدة لأيس كريم جروبي.
وبعد فترة بيع مصنع الأيس كريم بالفعل وكان هاني قد ترك الشركة وإلتحق بشركة طارق نور للدعاية والإعلان ، ليقابل بعدها "جميل سعد" صاحب مصنع الأيس كريم الجديد ويسأله إن كان يستطيع إكمال العمل على شخصية الدب الأزرق التي أخترعها فنان مجهول - حسب قول جميل- أم لا، ليفاجئ هاني جميل أنه مخترع تلك الشخصية لتبدء رحلة البحث عن إسم لها.
وقتها كانت هناك شركتان فرنسيتان من شركات الأيس كريم يحاولان دخول السوق المصرية، وهما miko، eskimo، ليقترح " جميل سعد" أن يكون إسم الدب الأزرق هو "كيمو" وبذلك اغلق جميل سعد وكيمو الطريق أمام الشركتان الفرنسيتان وظلت علاقة هاني المصري بكيمو ممتدة منذ مارس 1980، وحتى أوائل عام 1985 حينما قرر أن يهاجر إلى أمريكا لتحقيق حلمه.
كان من أهم اسباب هجرة هاني المصري هو قيام بعض الجماعات المتطرفة بجميع جميع طبعات كتاب ألف ليلة وليلة الموجودة في السوق وقتها وكانت من رسومات هاني المصري وحرقها في ميدان الحسين إضافة إلى وفاة عدد من أصدقاءه مثل شادي عبدالسلام وصلاح جاهين ويوسف إدريس، فقرر هاني الهجرة وبالفعل وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1986 بصحبه زوجته وإبنه وسكن بمدينة أقرب للقرية بعيدا عن نيويورك وعمل بالقطعة في شركة والد ديزني لمدة 3 سنوات قبل أن يتم ضمه بشكل نهائى إلى فريق والت ديزني ليتحقق حلم هاني أخيرا، ليكون أحد أهم عناصر ديزني في تصميم المدينة الساحرة التي تعد أهم المعالم السياحية في العالم كما ساهم في تصميم مدينة ديزني بطوكيو.
وفي عام 1995 وتحديدا في اغسطس كان المخرج الأمريكي ستيفين سبيلبيرج قد أنشأ شركة إنتاج جديدة بالاشتراك مع ديفيد جيفن وأسموها DreamWorks، وكانوا بصدد عمل فيلم كارتون عن رحلة خروج نبي الله موسى من مصر بعنوان The Prince of Egypt، فتقدم هاني للإنضمام لفريق عمل الشركة ولكن المديرة الفنية كاثي التييري ومنتجة الفيلم ساندي رابينز قالوا أنه لم يعد هناك مكان له في العمل ولكن هاني قبل رحيله دار الحوار التالي معهن "سألتهم:
"طيب.. انتو عارفين بالتة الكاتب المصري شكلها ايه ؟".. فردت كاثي : "لا..!" طب اسلحة الجيش المصري..؟ طب.. أواني الطبيخ عند الشعب المصري ..؟ طب انواع الموبيليا في القصر الملكي..؟ طب قوانين رسم الجداريات في المعابد..؟" و كانت إجاباتهم بشكل منتظم : " لا.. لا.. لا..!" و لما حسيت إن "السنارة غمزت " قلت لهم و انا بالم رسوماتي عشان امشي : "و عاوزين تعملوا الفيلم من غيري ؟… Good luck ..! فردت ساندي علي طول: "طب.. تقدر تبتدي معانا إمتي ؟"
وبعد شهر من العمل المتواصل ظهرت في الشركة مقولة " الجميع هنا يعمل على prince، بينما يعمل هاني على egypt"، وفي احد الأيام قرر سبيلبيرج أن يزور الإستديوهات للإطمئنان على سير العمل فإندهش من روعة العمل الذي قام به هاني وسأله عن كيفية درايته بكل هذه الامور وتأكده من صحتها فأجابه أنه مصري، فرد سبيبلرج قائلا "لكن هذا كان منذ 4 ألالاف عام، فأجابه هاني ضاحكا، "انا أيضا كنت هناك" وأخرج صورة له على نفس هيئة شيخ البلد الفرعوني في المتحف المصري، فمد سبيلبيرج يده وتحسس ذراع هنا وقال " أنا عمري ما شوفت موميا محفوظة بالجودة دي" وضحك وكانت هذه علامة على رضاءه عن العمل، ولكن كانت لهاني معاركه داخل الشركة حينما رفض ان يصمم حورس بأجنحه شبيه بأجنحه نسر النازية او تكون المشية العسكرية للجنود الفراعنة على طريقة الخطوة العسكرية النازية وهدد هاني بترك العمل و الشركة وأنتصر مرة أخرى في معركته.
بعدها قدم هاني مع الشركة The Road To El Dorado عام 2000 وفيلم Osmosis Jones عام 2001، وفيلم Spirit: Stallion Of the Cimarron عام 2002، ليختار هاني العودي إلى مصر ويحاول إنشاء ستديو للرسوم المتحركة ولكن هذه المرة تهزمه البيروقراطية المصرية ويفشل هاني في تحقيق حلمه الأخير، ليخوض معركته الاخيرة مع مرض سرطان الدم لنخسرها جميعا بوفاة واحد من أصحاب الموهبة الكبيرة والإرادة الصلبة.
Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by