الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

غناء الأطفال.. نجاح أم "خيبة"؟

صراحة، لن أخجل لو قلت إنني إعتقدت في البداية أن موضوع "أولاد سليم اللبنانين" مجرد خناقة كبيرة بالأسلحة النارية والسنج والسيوف في الشارع، بين طرفين تم تصويرها بالفيديو، وسط موضة تصوير خناقات البلطجية وعرضها على YouTube.

لكن بعدما مرت أخبار وتعليقات أخرى عن نفس "أولاد اللبانين"، ولكن هذه المرة عن استضافة الإعلامي خيري رمضان لهم، في برنامجه "ممكن" على قناة CBC، قلت مش معقول أصحاب الخناقة أصبحوا نجومًا مثل أحمد التباع الذي تلاحقه البرامج الفضائية أكثر من أي "تباع" أخر! وهنا قررت أعرف قصة "أولاد سليم اللبانين" التي أصبحت قضية الساعة الآن، وكنت أنا أخر من يسمع مهرجانهم "مافيش صاحب يتصاحب".

شاب صغير عمره 21 عاما اسمه حسن البرنس من منطقة شعبية في الأسكندرية يكتب ويلحن ويغني أغاني "مهرجانات".. أقنع طفلين من منطقته هما ناصر غاندي 13 سنة وفارس حميدة 11 سنة، أن يكونوا فرقة على غرار فرق المهرجانات المنتشرة في السنوات الأخيرة، أطلقوا عليها اسم "شبيك لبيك" وفجأة أصبحت أغنيتهم "توب توكتوك"، بمعنى أنها الأكثر سماعا وتشغيلا في "التكاتك".. ومعروف طبعاُ أن "التكاتك" في مصر ليست فقط وسيلة للمواصلات، ولكنها أيضا مقياس لبورصة الغناء في مصر.. فالمطرب اللي أمه داعياله هو اللي أغنيته تعجب سائقي "تكاتك" مصر.

طالع أيضا
حماقي وعمرو دياب V.S ولاد سليم اللبانين
السبكي يتعاقد مع "ولاد سليم اللبانين" للمشاركة في "عيال حريفة"
أبطال "عيال حريفة" بالثياب الرياضية على الملصق الدعائي للفيلم

لم أعرف حتى بعد سماع "أولاد سليم" و مشاهدة حلقتهم مع خيري رمضان لماذا كل تلك الزيطة؟ هل لأنهم يغنون مهرجانات، وهو نوع الأغاني السائد منذ سنوات ونال من المدح والزم ما يكفيه؟ أم كما سمعت من بعض المعترضين من المتصلين بالبرنامج إننا شعب مؤدب وخايف العيال دي تبوظ أخلاقه بألفاظهم ومصطلحاتهم وطريقة كلامهم البيئة دي في الأغاني؟ ولا ننسى طبعاً قصة شعر أصغرهم فارس التي في مقدورها إفساد جيل بأكمله.


" frameborder="0">

كذلك لم أعرف سر نجاحهم الساحق هذا، رغم أن نجوم أغاني المهرجانات الكبار، مثل "أوكا" و"أورتيجا" و"حاحا" و"شحته" لسه بيغنوا ومكسرين الدنيا.. يمكن الجديد في الموضوع هذه المرة، سواء في النجاح أو في الهجوم عليهم إنهم "أطفال"؟! وإحنا شعب يحب المبالغة في كل ما يخص مشاعرنا خصوصاً بالنسبة لموضوعين، أولهما طبعا مصر وكذلك الأطفال.. اللي هما ولاد مصر.. فالطفل الذي يحقق أولى خطوات النجاح نطلق عليه فورا "الطفل المعجزة"، فما بالكم بأطفال يغنون مهرجانات وكلام فارغ، حسب رأي المعترضين؟!

حكاية غناء الأطفال ليست بدعة، ولا تحقيق هؤلاء "العيال" النجومية جديد.. من أيام "أمان يا لالالي" وجمهور السميعة يحبون غناء الأطفال. أم كلثوم بذات شخصها غنت ورتلت القرآن وهي طفلة.. ما هو مش معقول يعني يكون طفل صوته وحش و يحلو بعد ما يكبر.. لكن العكس هو الصحيح.. فكم واحد من الأطفال اللي غنوا أصبحوا نجوماٌ بالفعل، واستمرت نجوميتهم بعد البلوغ. ولم يقفوا عند لقب "الطفل المعجزة".. كم طفل معجزة مر على تاريخ الغناء واستمرت معجزته؟

من حققوا المعجزات في الغناء وهم "كبار" في السن لم يفعلوا المعجزات في طفولتهم.. وكأن النجومية تختارك في ميعادها.. إما أن تكون طفلاُ معجزة وتخيب لما تكبر.. أو تحقق نجوميتك بعد البلوغ.

لكن لو نظرت للغرب لوجدت أن أغلب من حققوا نجوميتهم وهم "عيال" استمروا في ا لنجومية، مثل جستين تيمبرلك، وبريتني سبيرز، ومايلي سايرس وغيرهم.. لأنهم في الغرب يهتمون بهذه المواهب ولا يحرقون نجوميتهم ولا يرهقون أحبالهم الصوتية الضعيفة بالغناء في الأفراح والحفلات الخاصة كما يحدث عندنا.

لقب "الطفل المعجزة" في تاريخ مصر الحديث ارتبط طوال الوقت بالطفلة المعجزة فيروز، التي ظهرت في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي واستحقت بالفعل اللقب عن جدارة.. فيروز ربك كرمها بفنان في ذكاء وجرأة أنور وجدي جعل منها أسطورة خالدة في السينما المصرية.. لكن تلك النجومية الفظيعة التي حققتها فيروز وهي طفلة، اختفت تمامًا مع بلوغها سن المراهقة، وفشل آخر أفلامها مع اسماعيل يس "اسماعيل يس طرازان" فشلاً يضاهي نجاحها الساحق في فيلمي "ياسمين" و "دهب".

فيروز كانت أول "طفلة معجزة" في مصر.. لكن نجوميتها لم تتجاوز خمسة أعوام

ومن بعدها اعتزلت فيروز الفن، والعجيب أن التي استمرت وحققت نجومية كبيرة في الاستعراض بعدما كبرت هي بنت خالتها نيللي التي بدأت في نفس فترة بداية فيروز أو بعدها بقليل.. النجومية نصيب فعلاُ.


من أيام فيروز وأنور وجدي تقريبا وطوال جيل كامل لم نسمع عن طفل غنى وحقق ولو بعض النجومية.. لكن في التسعينيات، وبعد رحيل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، صحيت مصر كلها على صوت طفل يغني "من غير ليه" بصوت جميل وشجي وبأداء العمالقة، وفجأة أصبح كل بيت فيكي يا مصر عنده شريط كاسيت عليه صورة طفل كفيف يرتدي نظارة سوداء ومكتوب على الغلاف، الطفل المعجزة طاهر مصطفى، يغني " من غير ليه" و "فكروني" لأم كلثوم.. وذاع صيت الفتى في كل قنوات مصر (ماكنش فيه غير الأولى والثانية أصلاُ).. وكتبت عنه الصحف والمجلات.. وقالوا إنه ابن شقيق الفنان الشعبي الراحل شفيق جلال، وتم حرق الصوت المعجزة في كباريهات شارع الهرم والأفراح، في فترة المراهقة والبلوغ، وعرفنا بعدها أنه كان من المفترض عدم استهلاك صوت الفتى في هذه المرحلة العمرية إن أراد الحفاظ على جمال صوته.. لكن مين يفهم؟!

نجومية طاهر مصطفى لم تتعد الثلاثة شرائط كاسيت، جميعها إعادة لأغاني كبار المطربين، وتحيدًا أم كلثوم التي غنى لها أكثر من أغنية مثل "الأطلال" و"عودت عيني" و"لسه فاكر" وغيرها من الأغاني.. بعدها اختفى اسم وصوت طاهر مصطفى، وانتشرت شائعة وقتها عن وفاته في حادث سيارة. ولأن المعلومات في تلك الفترة لم تكن بسهولة عصر الإنترنت، فلم يهتم أحد إن كان الخبر حقيقي أم لا؟.. أنا شخصيًا كنت أحد الذين صدقوا الشائعة، إلي أن بحثت عن اسم طاهر مصطفى على YouTube فعرفت أنه على قيد الحياة وبخير، ولسه بيغني لأم كلثوم، لكن في القنوات الإقليمية المصرية وفعاليات الموسيقى والغناء الفقيرة تكلفة ودعاية.

"الطفل المعجزة" طاهر مصطفى صوته "كسر الدنيا" في التسعينيات و أهلكه الغناء في الملاهي الليلية

بنهاية أسطورة طاهر مصطفى بحث المنتجون عن "طفل معجزة" أخر.. لكن يبدو أن ذوق المصريين في الغناء كان تغير سريعا لمنطقة تانية خالص يمكن هي التي أوصلتنا للمهرجانات الآن.. فظهر طفل نجم أخر يغني اسمه مصطفى حميدة، لكن منتجه لم يختر هذه المرة حرق صوت الطفل بأغاني لأم كلثوم وعبد الوهاب والكلام القديم ده، فسمعنا لأول مرة طفل ينوح على "باباه" في ثنائية النكد التسعينية الشعبية "بكتبلك يا بابا"، و "علمني يابا". ثم أعقبه بألبوم آخر (نكد برضه ماتفرحش قوي) اسمه "ذكريات".. وبعدها كبر مصطفى ولم نسمع عنه أو منه أي شيء.
مصطفى حميدة وضياء أول الأطفال الذين غنوا "شعبي"

في نفس تلك الفترة بدأت ماسورة غناء الأطفال تضرب، فظهر طفل أخر اسمه ضياء يغني أغاني شعبية أيضًا نفس بها مصطفى حميدة في الميكروباصات. وفي أواخر التسعينيات ظهر طفل جديد اسمه حمادة هلال وهو الوحيد من بين هؤلاء الأطفال الذي حقق النجومية وهو شاب، بينما لازال مصطفى حميدة وضياء يغنيان أيضًا ولكن في الأفراح الشعبية لا أكثر في منطقتهم التي يعيشون فيها.


قبل نهاية التسعينيات عادت أغاني أم كلثوم بصوت طفلة جديدة موهوبة هي شيماء الشايب ابنة الفنانة الشعبية فاطمة عيد.. بنت فاطمة عيد هاتغني إيه يعني غير لأم كلثوم؟!.. وحصل ما حصل مع طاهر مصطفى في بداية ظهوره، وما ساعد شيماء وهي طفلة، بخلاف قدراتها الصوتية، هو أنها ابنة فاطمة عيد فإهتمت بها وسائل الإعلام وقتها، إلا أنها اختفت بعد ذلك لسنوات، لتعود العام الماضي شابة دارسة للموسيقى وتغني أغانٍ كتبت لها خصيصاُ، وننتظر الأيام لتثبت لنا حجم نجاحها وهي شابة مقارنة بأيام ما غنت "غنيلي شوي شوي".


" frameborder="0">

مع بداية الألفية الجديدة، نجحت أغنية أخرى غناها مجموعة أطفال هذه المرة، وهي أغنية "بابا فين؟"التي أحدثت ضجة وقتها، خصوصا مع بداية عمل القنوات الفضائية الخاصة. لكن أين هؤلاء الأطفال الآن؟ ولا حتى أعرف أسمائهم.. تعرف أنت أسمائهم؟


" frameborder="0">

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى