وُلدت بدوية أو كما نعرفها نحن باسم "تحية كاريوكا" في 22 فبراير سنة 1919 في محافظة الإسماعيلية لأسرة تعاني من الفقر والحاجة، وما من سبيل للحصول على النقود سوى تعليم تلك الطفلة فن الرقص الشرقي، فبدأت في ممارسته وهي صغيرة في الأفراح الشعبية والموالد أحيانا، حتى رأتها في إحدى المرات الراقصة المعروفة وقتها محاسن محمد، فضمّتها إلى فرقتها حتى اشتد عودها، فانتقلت للعمل في أهم مسرح استعراضي في مصر وقتها، وهو مسرح وفرقة بديعة مصابني.
في فرقة بديعة، زاملت تحية كاريوكا عددا كبيرا من الفنانين العظماء، فهناك تعرفت على نجيب الريحاني زوج بديعة مصابني، وفريد الأطرش الذي كان يعمل ملحنا ومطرب مع الفرقة، وإسماعيل ياسين الذي كان مونولوجيست الفرقة، ومؤلف الفرقة الخاص أبو السعود الإبياري، وأيضا محمد فوزي الذي عمل لفترة في فرقة بديعة مصابني، والراقصة سامية جمال وغيرهم من النجوم الذين بدأوا حياتهم من مسرح بديعة.
حصلت تحية على لقب "كاريوكا" عندما قدمت رقصة "الكاريوكا"، وهي رقصة مكسيكية شهيرة على مسرح دار الأوبرا المصرية ضمن إحدى الحفلات التي كان ينظمها مدير الأوبرا وقتها سليمان بك نجيب، وظل اللقب ملاصقا لها طوال حياتها.
سرعان ما خطفت السينما "فتاة بديعة" الجديدة، فظهرت كراقصة في مشاهد قصيرة في عدد من الأفلام، ثم مُنحت أدوارا صغيرة نسبيا، وبدأت مساحة الأدوار تكبر، حتى فيلم "خلف الحبايب" في سنة 1939، الذي يعد نقله كبيرة لها في تلك الفترة، والتي أهلتها لأن تقدم منذ سنة 1944 بطولات مطلقة في أفلام مثل "نادوجا" و"أحب البلدي" في سنة 1945، و"ماقدرش" بسنة 1946، حتى حصلت على شهادة فنية معتمدة من نجيب الريحاني عندما قرر أن تشاركه بطولة فيلم "لعبة الست" في سنة 1946.
بعدها انطلقت تحية كاريوكا في السينما لتشارك البطولة نجوم تلك الفترة، ومنهم حسين صدقي، ومحمد فوزي، وأنور وجدي، وإسماعيل ياسين وغيرهم، حتى اعتزلت الرقص الشرقي بشكل كامل في منتصف الخمسينيات وتفرغت للتمثيل.
وقدمت كاريوكا عددا كبيرا من الأفلام تجاوز الـ 150 فيلما، إضافة إلى المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية، من بينها دُرر خالدة في تاريخ السينما المصرية، كأفلام "شباب إمرأة"، و"الفتوة"، و"سمارة"، و"احنا التلامذة"، و"واإسلاماه"، و"شفيقة القبطية"، و"أم العروسة"، و"الطريق"، و"السراب"، و"خلي بالك من زوزو"، و"السكرية"، و"زائر الفجر"، و"الكرنك"، و"السقا مات"، و"الوادع بونابرت"، و"الصبر في الملاحات"، و"للحب قصة أخيرة"، و"التعويذة"، و"اسكندرية كمان وكمان"، و"مرسيدس"، و"سوق النساء"، و"الجراج".
كما شكّلت تحية كاريوكا هي وزوجها فايز حلاوة فرقة مسرحية قدمت العديد من الأعمال، والتي اتسمت جميعها بالنقد السياسي المباشر والواضح والجرئ، ما جعلها عُرضة لمضايقات من أجهزة الدولة في أحيان كثيرة.
وتحية كاريوكا صاحبة رقم قياسي في الزيجات بين فنانات الوسط الفني؛ إذ تزوجت 14 مرة، وكانت أولى زيجاتها من أنطوان عيسى إبن شقيقة بديعة مصابني، والتي لم تدوم سوى عام واحد، ثم تزوجت من بعده من أحد الباشوات ويدعي محمد سلطان باشا، الذي انفصلت عنه بعد 6 أشهر بسبب مطالبته لها باعتزال الفن، وبعدها يقال إنها تزوجت من ضابط أميركي يدعى ليفي كان يهودي الديانة وأسلم، وسافرت معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لفترة ثم انفصلت عنه و عادت إلى مصر، ثم بعد ذلك من المخرج فطين عبدالوهاب وانفصلت عنه بسبب غيرته الشديدة عليها، ثم بعدها تزوجت من المخرج والممثل أحمد سالم، وهو بحسب كلامها في أكثر من مناسبة فهو كان أكثر من أحبت من أزواجها.
وسافرت تحية كاريوكا مع فطين عبد الوهاب رحلة إلى فلسطين، وكانت تغار عليه كثيرا، فانفصلت عنه قبل عودتهما للقاهرة بسبب شائعات حول علاقته بالمطربة أسمهان.
كما تزوجت تحية كاريوكا من أحمد عاكف، وهو الطيار الخاص بالملك فاروق، وانفصلت عنه بعد شهرين، ثم تزوجت من الفنان رشدي أباظة، ولكنها انفصلت عنه لخيانته لها عندما كانوا في رحلة إلى لبنان، وبحسب ما صرحت به تحية في أكثر من حديث صحفي، وبعده مباشرا تزوجت من الضابط مصطفى كمال صدقي، والذي اعتُقل عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952، وانفصلت عنه في وقتها، وبعدها تزوجت الشاب عبدالمنعم الخادم وهو أحد الشباب الذين كان يطلق عليهم حينها لقب "الوجية الأمثل"، واستمر زواجهما لمدة 5 سنوات ولكنهما انفصلا عندما طلب منها اعتزال الفن، وبعدها وقعت تحية في غرام الطبيب الضابط بالقوات المسلحة حسن حسين وتزوجته، ولكنها انفصلت عنه بسبب شائعات حول علاقة تربطة بالمطربة صباح، ووقتها حاولت تحية الانتحار في سنة 1956، ولكن تم إنقاذها لتضرب عن الزواج لمدة 3 سنوات وتتزوج في سنة 1959 من المطرب الصاعد وقتها محرم فؤاد، والذي انفصلت قبل نهاية العام نفسه.
بعدها تزوجت تحية من رجل يدعى أحمد ذو الفقار صبري، ولم تستمر زيجتهما سوى عام، لتتزوج بعدها من الكاتب والممثل فايز حلاوة، والذي كان شريكا لها في فرقتها المسرحية، واستمر زواجهما لمدة 18 عاما، إلا أن هذا الزواج الطويل انتهى بخلافات عاصفة وصلت إلى حد المحاكم، وسط اتهامات بالنصب والسرقة والاستيلاء على الأموال، لتتزوج من بعدها من المخرج المسرحي حسن عبدالسلام وتظل معه حتى وفاته.
كان لتحية كاريوكا دورا في الحركة الوطنية المصرية، فعملت على توصيل السلاح والذخيرة للفدائيين في منطقة القناة عقب إلغاء معاهدة سنة 1935، خصوصا وأن تحية ابنة محافظة الإسماعيلية كانت عضوا في العديد من التنظيمات السرية والحركات الوطنية التي كانت تقاوم الاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت، وكانت عضوا في تنظيم "حدتو" الشيوعي الشهير.
وفي أحد الايام وعندما كانت تؤدي رقصتها في كازينو "الأوبرج" شاهدت الملك فاروق في الصالة، وبعد أن انتهت من رقصتها سخرت منه قائلة: "مكانك مش هنا جلالتك"، فنهض غاضبا وانصرف من المكان سريعا.
ورفضت تحية أن ترقص أمام الرئيس التركي ومؤسس العلمانية التركية كمال أتاتورك، وذلك بعدما أهان السفير المصري عندما كانت في جولة فنية في بيروت، فرد أتاتورك بمنعها من دخول تركيا.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952، كان لتحية كاريوكا العديد من المواقف السياسية، بل أنها تعرضت للاعتقال على يد الرئيس جمال عبدالناصر مرتين، الأولى عندما داهم البوليس الحربي منزلها، والذي كانت تقيم فيه مع الضابط كمال صدقي، وكان معاديا لثورة يوليو سنة 1954، ليخرج البوليس الحربي من منزلها منشورات ضد الثورة، وعلى الرغم من إعتراف زوجها بأنها لا تعلم شيء عن المنشورات، إلا أنه تم اعتقالها لمدة 100 يوما، عانت خلالها من معاملة غير إنسانية. أما المرة الثانية التي تم اعتقالها فيها فكانت مع عدد من أعضاء الحزب الشيوعي المصري لانتقادهم أداء حكومة جمال عبدالناصر، والتي وصفتها بأنها لم تختلف عن الملك فاروق في شيء، كما هاجمت النظام الناصري مرة أخرى من داخل المعتقل عندما قالت: "فاروق مشي وجاب فواريق".
كما لا ننسى موقف تحية كريوكا في مهرجان "كان" بسنة 1956، عندما كانت تشارك بفيلم "شباب امرأة"، وهاجمت الوفد الإسرائيلي في المهرجانات، وفتحت النار على الممثلة العالمية ريتا هيوراث بسبب مدحها للوفد الإسرائيلي، والغريب أنها هاجمتها بانجليزية سليمة دفعت ريتا للفرار من كلمات تحية.
وقبل ذلك، كانت تحية كاريوكا أخفت الضابط محمد أنور السادات في منزل شقيقتها قبل إبان مقاومته للاحتلال البريطاني في العصر الملكي، كما أخفت المناضل اليساري الشهير صلاح حافظ في منزلها من قوات النظام الناصري، كما شاركت تحية في مظاهرات الطلبة التي شهدتها مصر في العهدين الناصري والساداتي، وشاركت في اعتصام الفنانين في سنة 1987 اعتراضا على قانون النقابات، والذي تم فضه بأمر مباشر من رئيس الجمهورية بسبب حالة تحية كاريوكا التي ساءت، وتم تعديل القانون والاستجابة لمطالب الفنانين.
ورغم موقفها من النظام الناصري إلا أنها قادت حملة لجمع التبرعات للجيش المصري عقب نكسة 1967، بل وساهمت في نقل الأسلحة للجيش في حرب الاستنزاف، لدرجة جعلت الرئيس جمال عبدالناصر يمتدحها قائلا: "إنتي ست بألف راجل يا تحية".
كانت تحية كاريوكا من أول الفنانين الذين ذهبوا إلى بيروت إبان الحصار الإسرائيلي للقوات الفلسطينة هناك في أواخر السبعينيات، كما زارت قبرص كضيفة في الحفل الذي أقامته منظمة التحرير الفلسطينية لدعم الانتفاضة.
وفي مثل هذا اليوم 20 سبتمبر عام 1999، توفيت تحية كاريوكا إثر إصابتها بالتهاب رئوي حاد نُقلت على إثره إلى مستشفي معهد ناصر الطبي بشبرا، لتنتهي حياة فنانة وإنسانة من الطراز النادر، ولتبقى أعمالها وسيرتها خالدين إلى الأبد.