الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

علي سالم مؤلف "مدرسة المشاغبين".. بدأ حياته "كمساري" وأيّد "التطبيع" فمنحته إسرائيل الدكتوراه‎

  • 1/2
  • 2/2

شهدت ليلة 24 أكتوبر سنة 1973 العرض الأول لواحدة من "أيقونات" المسرح المصري والعربي "مدرسة المشاغبين"، المصريون يضحكون على المفارقات التي تقع بين ناظر المدرسة وطلابه بعد أيام قليلة من حرب أكتوبر، المسرحية هي نسخة ممصرة من الفيلم البريطاني To Sir, with love، كتبها علي سالم الذي كان كاتبا شابا وقتها تاريخه الفني ككاتب مسرحي لم يتعدَ السبع سنوات.

وفي عصر الثلاثاء 22 سبتمبر 2015، غيّب الموت مؤلف هذه المسرحية الخالدة علي سالم عن عمر ناهز 79 عاما، تاركا وراءه إرثا كوميديا يضم 15 كتابا ورواية و27 مسرحية، صُدرت أولها في سنة 1966، وحملت عنوان "والناس اللي في السماء الثامنة"، وأشهرها "مدرسة المشاغبين".

وُلد علي سالم في مدينة دمياط الواقعة على ساحل البحر المتوسط شمالي مصر عام 1936 لأب يعمل شرطيا، والشرطي وقتها كان لا يكسب إلا ما يكفي بالكاد إعالة الأسرة، لذا كان من الغريب أن يحصل الصغير على تعليم جيد أهّله للدراسة الجيدة للأدب العربي والعالمي، وبدأ بعد ذلك بالتمثيل في عروض بشوارع دمياط، ثم اتجه للعمل بعدة فرق صغيرة.

بدأ سالم حياته عصاميا، فعمل "كمساري" محصلا للأجرة في شركة النقل العام وسائق "طفطف"، قبل أن يعين في مسرح العرائس ويتولى مسؤولية فرقة المدارس ثم فرقة الفلاحين.

وعلى الرغم من أن مسرحية "مدرسة المشاغبين" حققت نجاحا كبيرا، وخُلدت في أذهان أجيال من المشاهدين، وكانت نقطة انطلاق لكل الشباب المشاركين فيها: سعيد صالح وعادل إمام وأحمد زكي وهادي الجيار ويونس شلبي، بالإضافة إلى معلمتهم سهير البابلي، وناظر المدرسة حسن مصطفى، إلا أن عاصفة حادة من الانتقاد وجهها علماء الاجتماع والمثقفون للمسرحية ومؤلفها علي سالم، معتبرين أنها تسخر من رموز السلطة التي تتمثل في ناظر المدرسة، وتحتقر القيم والمثل العليا، مما أدى إلى شعور عام بقبول الفوضى وانحطاط مستوى الأدب العام، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بأنها كانت سببا في إفساد المنظومة التعليمية في مصر، بسبب حالات التطاول المتكررة من طلاب المدرسة في حق معلمتهم وناظر المدرسة ووكيل المدرسة الذي جسّد دوره الفنان عبد الله فرغلي.

هذه الانتقادات والاتهامات دفعت علي سالم للدفاع عن مسرحيته بقوله إن "المسرحية كانت انعكاسا لفترة انهارت فيها القيم التقليدية للمجتمع المصري والعربي بشكل عام، والمعروفة باسم فترة ما بعد نكسة يونيو 1967، وما بعد الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، إذ تحولت قيم كثيرة إلى مثار للسخرية".

شاهد مقطع من مسرحية "مدرسة المشاغبين"

" frameborder="0">


شغف علي سالم وولعه كان مركزا بشدة على الكوميديا الجريئة التي تكسر كل القواعد والحواجز المجتمعية وحتى الدينية، ففي مسرحيته الأولى "الناس اللي في السماء الثامنة"، يروي حكاية كوكب يخضع لسيطرة ملك وطاقم من العلماء الذين يؤمنون بأن الحب مرض يجب علاجه بإزالة "غدد الحب" من أجسام الأطفال، ويقوم الواقعون بالحب بانقلاب على الملك برئاسة وزير الطب لتلك المملكة.

وفي في سنة 1966 قدم سالم ثانِ مسرحياته "الرجل اللي ضحك على الملايكة"، والتي تخيّل فيها أن رجلا مزورا نام قليلا فحلم أنه مات وأتت الملائكة لمحاسبته لتقع معهم مشكلة حسابية، فطلب منهم إعادة الحساب مرة أخرى، مع احتساب ساعات نومه من ضمن رصيد حسناته على اعتبار أن "نوم الظالم عبادة"، فما كان من الرقابة وقتها إلا أن اعترضت على هذه الحبكة لتطلب منه تغييرها، فوافق على أن يحول الملائكة لشياطين يتخفون في مظهر الملائكة، وتغير اسم العمل إلى "الرجل اللي ضحك على الأبالسة".

شاهد مقطع من مسرحية "طبيخ الملايكة"

" frameborder="0">


بعد انتصار مصر في حرب أكتوبر عام 1973، وتحديدا في نوفمبر عام 1977 بادر الرئيس الراحل أنور السادات بالسعي لعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل تم توقيعها بالفعل في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية في السادس والعشرين من مارس عام 1979، قبل ذلك التاريخ وحتى وفاته دعم سالم هذه المبادرة بكل ما أوتي من قوة، فصار أكثر من أيّدوا التطبيع مع إسرائيل بين الأدباء العرب، ولم تثنه الإدانات المتكررة التي واجهها عن موقفه، فوصل الأمر إلى محاولة طرده من جمعية الأدباء المصرية تلك المحاولة التي فشلت بعدما رفضت دعوى تطالب بطرده من الجمعية.

وعلى الرغم من تأييد علي سالم للتطبيع إلا أن اسمه ارتبط رسميا بإسرائيل، وفي 1994 ذلك العام الذي شهد أولى زياراته للدولة العبرية بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو الأولى، سرد سالم أحداث رحلته ولقاءاته مع إسرائيليين في كتاب "رحلة إلى إسرائيل"، الذي صدر في مصر وترجم إلى العبرية والإنجليزية، وصدر بعد ذلك في إسرائيل وبلدان أخرى، وفي يونيو 2005، قررت جامعة بن جوريون في النقب، الواقعة في مدينة بئر سبع، منحه دكتوراه فخرية، الأمر الذي رفضته السلطات المصرية ومنعت سالم من الخروج من مصر لحضور حفل منحه الدكتوراه في بئر سبع.


قبل وفاة علي سالم بيومين، وفي تصريحات أدلاها خلال حوار ببرنامج "مانشيت" المذاع على فضائية ON Tv، قال إن إسرائيل ليست عدوا لمصر، هم أشرار ليسوا بلهاء أو حمقى ومن مصلحتهم أن تظل مصر قوية، مضيفا أن "الشعب اليهودي على وعي أن نبيه موسى عليه السلام مصري وليس يهوديا.

شاهد حوار علي سالم الذي أجراه قبل وفاته بيومين

" frameborder="0">

وأكد سالم أن "الأزمة الفلسطينية لن يجري حلها إلا بعلاقات مصرية-إسرائيلية، وأن إسرائيل لا تمثل تهديدا للأمن القومي المصري".

ويُعرف عن علي سالم عداؤه الشديد لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إذ اعتبرها خلال حوار سابق مع ببرنامج "الحدث المصري"، الذي كان يذاع على فضائية "العربية"، بأنها أخطر على مصر من إسرائيل، وتتساوى في خطورتها مع تنظيم داعش الإرهابي.

ظل علي سالم عاشقا للكتابة طوال أيام حياته، ورغم معاناته أمراض الشيخوخة التزم بكتابة مقال في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، حتى أن آخر مقال نشره له في الصحيفة كان الأحد الموافق 21 سبتمبر 2015، أي قبل وفاته بيوم واحد، ويحمل عنوان "حركة تبادل العقول العالمية"، والذي تحدث فيه عن فشل مبدأ رضا الناس عن عقولهم لأن هذا - بحسب المقال - يسد باب التغيير، وعلى العالم أن يسمح للحالمين أصحاب العقول القوية ويقوموا بعمل التغيير المطلوب خاصة في مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني بشدة احتياجها لمثل أصحاب تلك العقول.

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى