الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

أفلام حرب أكتوبر.. بين الفقر والضعف الفني

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

في سنة 2014، قدمت السينما الأمريكية فيلم Fury للمخرج ديفيد آير، والذي استند على واقعة ذُكرت في سطور قليلة، ليخرج منها فيلما جيدا يضاف إلى أرشيف كبير من الأفلام الحربية الأمريكية، والتي تباينت بين الجيد والمتوسط والرديء.

بينما نحن في مثل هذا اليوم من كل عام، تمطرنا القنوات بأفلام باتت محفوظة كاحتفاء منها بذكرى انتصار السادس من أكتوبر 1973، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أننا نعاني من فقر مشين في الأفلام التي تناولت هذا الانتصار العظيم، وليت الأمر توقف عند فقر الإنتاجية، ولكن أيضا عند كون أن تلك الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر أو تحديدا تلك التي تناولت الفترة من 1967 وحتى 1973 وأحداثها العسكرية جاء معظمها رديء وضعيف فنيا بشكل مخزي.


لتكن البداية بسؤال تم طرحة كثيرا طوال أعوام عدة: هل استطاعت السينما المصرية أن تقدم فيلما روائيا يمكن أن يجسد انتصار أكتوبر؟ الإجابة القاطعة الشافية هي "لا"، واستكمالا لها لن تقدم السينما المصرية فيلما روائيا أو حتى مجموعة أفلام تستطيع أن توفي هذا الانتصار حقه.

وقبل أن يستل البعض سكاكينهم ويمزقون في لحم السينما المصرية، أحب أن أضيف أن السينما المصرية ليست الوحيدة التي يشوبها ذلك العيب، بل أيضا السينما الروائية على مستوى العالم، التي لم ولن تستطع أن تقدم فيلما أو حتى مجموعة من الأفلام عن أي حرب عسكرية كبرى، بما في ذلك الحرب العالمية الثانية، والتي قُتلت سينمائيا على مستوى العالم، فكل تلك الأفلام لا يمكن أن نضعها بجوار بعضها لنقول إنها قدمت صورة سينمائية متكاملة عن الحرب العالمية الثانية، بصفتها الحدث الحربي الأكبر في القرن الماضي، والأكبر من حيث التناول السينمائي.

السينما الروائية مهما بلغت من تطورها، ومهما زاد عدد أفلامها عن الحروب، فلا يمكن لفيلم أن يتناول مسار حرب كاملة، بل من الممكن أن يكون كل حدث فيها فيلما أو سلسلة أفلام مستقلة بذاتها، الحدث في هذه اللحظة أكبر من السينما، وكل ما يستطيع المبدع السينمائي فعله هو تقديم فكره ووجهة نظره في الحدث وفلسفته الخاصة عن طريق توجيه إبداعه تجاه حادثة معينة أو خط درامي واضح ومحدد، حتى وإن تشعّب فهو لن يضم كل الأحداث.

وقياسا على ذلك، فكل الأفلام التي ضمّت مشاهد حربية وعسكرية ضمن أحداثها الدرامية هي مقصرة تاريخيا في حق هذه المعارك، ولكن من قال إن التاريخ يمكن أن تحصل عليه من السينما الروائية؟ هذه مغالطة يمكن الرد عليها وتفنيدها في حديث آخر، ولكن بإيجاز شديد السينما الروائية إذا تناولت حدث تاريخي أصبح من حق المبدع أن يغيّر ويطوّع الحدث التاريخي لخدمة الدراما، والتي هي في الأساس تخدم وجهة نظره وفلسفته، وليس من المقبول تطويع الدراما لتخدم الحدث التاريخ، وإذا أردت التاريخ من السينما فعليك بالسينما الوثائقية.


ولكن هل معني هذا أنني برّأت السينما المصرية من عدم استغلال حدث بعظمة وجلال انتصار أكتوبر سينمائيا؟ قطعا لا، فالسينما مقصرة من ناحيتي الكم والكيف في تناول هذا الانتصار، وربما كان من الضروري أن أبدأ بهذه المقدمة الطويلة قبل الدخول في صلب الموضوع عن الأفلام التي يتم تصنيفها على أنها أفلام حربية - لم ولن أفهم هذا التصنيف أبدا - وتذيعها القنوات في مناسبات كذكرى نصر أكتوبر أو عيد تحرير سيناء، والتي تنحصر في عدد محدود جدا من الأفلام، وليست جميعها أفلام ذات قيمة فنية عالية، فأغلبها متوسط القيمة أو الضعيف وقلة قليلة يمكن اعتبارها أفلاما جيدة.

5 أفلام فقط لا غير هي التي تناولت في جزء منها معارك حرب أكتوبر، وهي "الرصاصة لا تزال في جيبي" من إنتاج 1974، ومن إخراج حسام الدين مصطفى، وعن قصة إحسان عبدالقدوس، وسيناريو وحوار رأفت الميهي، و"بدور" من إنتاج 1974، ومن تأليف وإخراج نادر جلال، و"الوفاء العظيم" من إنتاج 1974، ومن إخراج حلمي رفلة، ومن تأليف فيصل ندا، و"حتى آخر العمر" من إنتاج 1975، ومن إخراج أشرف فهمي، ومن تأليف نينا الرحباني ويوسف السباعي، و"العمر لحظة" من إنتاج 1978، ومن تأليف وجية نجيب، ومن إخراج محمد راضي، ويمكن أيضا إضافة فيلم "أبناء الصمت" من إنتاج 1974، وهو من تأليف مجيد طوبيا ومن إخراج محمد راضي، والذي لم يتناول حرب أكتوبر طوال أحداثه، ولكنه للإنصاف عرض في دقائقه الأخيرة اللحظات الأولى من العبور.


إذا فالمحصلة النهائية هي 6 أفلام فقط تناولت بشكل أو بآخر أجزاء وشظايا من انتصار أكتوبر داخل أحداثها الدرامية، ولنضيف عليها أيضا أفلام "أغنية على الممر" في سنة 1972، وهو من تأليف علي سالم ومن إخراج علي عبد الخالق، وفيلم "الطريق إلى إيلات" في سنة 1993، وهو من تأليف محفوظ عبد الرحمن، ومن إخراج إنعام محمد علي، وفيلم "يوم الكرامة" من إنتاج 2004، وهو من تأليف جمال الدين حسين، ومن إخراج علي عبد الخالق، و"حائط البطولات"، والذي تم الإفراج عنه في سنة 2014، وهو من تأليف مصطفى بدر وإبراهيم رشاد، ومن إخراج محمد راضي، وبذلك تنتهي الأفلام التي تناولت أحداث حربية في الفترة من 1967 وحتى 1973، ويضاف إليها الفيلم الإنساني جدا "حكايات الغريب" الذي عُرض في 1992، وهو سيناريو وحوار محمد حلمي هلال، ومن إخراج إنعام محمد علي، ليكتمل بذلك أرشيف السينما المصرية من الأفلام التي يتم تصنيفها على أنها أفلام حرب.

بعض هذه الأفلام اتخذت حرب أكتوبر كمجرد حدث عابر داخل فيلم تقوم قصته على قصة حب بين شاب وفتاة، وتعترضهما معوقات كغريم للشاب على قلب الفتاة، أو أب يرفض زواج ابنته من ابن قاتل حبيبته، وأشياء من هذا القبيل، الغريب في تلك الأفلام مثلا أن في فيلم "الوفاء العظيم" يصبح محمود ياسين ضابطا في الجيش، على الرغم من أن والده قاتل، وهو ما يتنافى مع المنطق تماما، أو مثلا في فيلم "حتى آخر العمر"، والذي يدور حول الزوجة المخلصة التي ترفض كل الإغراءات التي تتعرض لها بعد عودة زوجها قعيدا من الحرب، نعم عاد قعيدا من الحرب، فهل كان من الضروري أن تندلع حرب أكتوبر؟ فكان من الممكن أن تكون النكسة أو حرب اليمن أو "العدوان الثلاثي"، أو تعرّضه لحادث سير يصبح على إثره قعيدا، هنا نرى "الحشر" واضحا ومباشر لحرب أكتوبر في الأحداث، وإذا أفردنا الحديث عن تلك الأمور في الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر تحديدا فسنجد أن الخمسة أفلام فيهما ما يكفي ويفيض من "الحشر" الدرامي لانتصار أكتوبرـ دون أن يقدم فيلم يمكن أن نقول إنه تناول جانب من هذا الانتصار.


أما الأفلام الأعلى قيمة في رأيي، فهي الأفلام التي اتخذت من الحرب "حالة الفيلم"، وبالمصادفة هي أيضا الأفلام التي ضمّت مشاهدها العدد الأقل للمشاهد الحربية، فمثلا فيلم "حكايات الغريب" والذي لم يقترب لحظة من خط النار إلا في مشاهد يمكن أن تعد على أصابع اليد الواحدة، والذي يعد في رأيي الشخصي واحد من أفضل تلك الأفلام، وتناول الحرب من منظور إنساني، بل من الممكن اعتباره العمل السينمائي الذي تعامل مع متغيرات المجتمع المصري منذ 1967 وحتى ما بعد انتصار 1973.

أما فيلم "أغنية على الممر"، والذي أعتبره واحدا من أفضل تلك الأفلام، ومن أفضل أفلام السينما المصرية على الإطلاق، فكان هو الآخر "شحيح" في مشاهده الحربية، ليطلق العنان في المقابل لإنسانيات الحالة، واستعراض أسباب الهزيمة الفردية التي عانى منها المواطن نفسه، قبل أن تتحول إلى قنبلة تنفجر في وجوه الجميع تسمى "نكسة 67".

ويلي تلك الأفلام "أبناء الصمت"، والذي أعتبره واحد من أهم الأفلام التي تناولت بشكل متميز الحالة العامة في فترة حرب الاستنزاف، وتباينها بين حالة المقاتلين، سواء على الجبهة أو في الداخل، وحالة شريحة استسلمت للهزيمة فزادت انهزاما، وهو فيلم استخدم الحرب لكشف حالة تفسخ وتحلل عانت منها فئات في المجتمع بعد النكسة، بل وهاجم سياسات أدت للحرب وأدت لشل حياة جيل كامل من الشباب فقد عمره وأحلامه في أتون الحرب، وهو الخط الشائك الذي تعداه محمد راضي، ليكون فيلمه واحدا من أقل الأفلام عرضا رغم قيمته وجودة صنعه.


أما باقي الأفلام، فهي ما بين المتوسط والرديء -على الرغم من المجهود المبذولة في تلك الأفلام - وربما يستثنى منها مشاهد المعارك الحربية التي صُورت في فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"، لتكون المحصلة النهائية تعامل جاحد من المبدعين تجاه انتصار أكتوبر.

ربما يكون الرد الجاهز هو أن تلك النوعية من الأفلام تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، ولكن هذا الرد يمكن تفنيده، إذ أنه من الممكن أن تحصد تلك الأفلام إيرادات أكبر من ميزانيتها إذا تم تقديمها بشكل فني جيد يرضي جماهير السينما، ويبتعد بهم عن "الإكليشيهات" المحفوظة، سواء في الجمل الحوارية أو التناول البصري للمشاهد.

ولا أطالب كما يطالب البعض بفيلم سينمائي يتناول انتصار أكتوبر كوحدة واحدة بشكل جيد، ولكني أطالب بأفلام سينمائية تستغل هذا الحدث بشكل سينمائي فني راقِ وجاد، وتعيد تقديمه للجمهور، صدقا في دفاتر هذا الانتصار العديد من المعارك والبطولات ما يكفي ويفيض لتغذية السينما المصرية بأفلام تضاف إلى أرشيفها، ربما آن الأوان أن نتعلم من السينما الأمريكية على سبيل المثال، وتعاملها مع قصص الحروب ومعاركها وتقديمها لأفلام ذات قيمة فنية جيدة.

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى