الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

لماذا سقطت الأفلام الدينية؟‎ (رأي)

دائما ما تمطرنا القنوات التلفزيونية في كل المناسبات الدينية بأفلام بات أغلبها محفوظا من قبل الجمهور بسبب مشاهدتهم لها مئات المرات، فبعد عقود طويلة من السينما لا يوجد في أرشيف السينما المصرية أفلاما تاريخية تناقش بداية الإسلام وظهوره وانتشاره إلا ما يقرب من 10 أفلام فقط لا غير.

الغريب أنه على رغم من ندرة تلك الأفلام، والتي تصنّف على أنها دينية، إلا أن كثيرا منها أقل بكثير من المستوى المطلوب على المستوى الفني، ويُستثنى منها عدد محدود للغاية من الأفلام.


ربما يكمن الضعف الأساسي في الأفلام المصنفة على أنها أفلام دينية في القصة، فعلى سبيل المثال الفيلم الأفشل إن جاز التعبير من بين تلك القائمة هو "الله أكبر" من إنتاج سنة 1959، وهو للمخرج حسام الدين مصطفى، وسيناريو نجيب محفوظ، وقصة وحوار فؤاد الطوخي، ومن بطولة محمد الدفراوي، وزهرة العلا، وعبد الوارث عسر، والذي يحكى قصة حب بين شاب مشرك وفتاة مسلمة، يرفض أهلها تزويجها له لأنه غير مسلم، كما يعرض الفيلم اضطهاد المسلمين الأوائل والتعذيب الذي لاقوه، وهي قصة مستهلكة يمكن أن تتم في أي زمان ومكان، وكأنها تذكرك بـ "ثيمة" حب الشاب الثري للفتاة الفقيرة، واضطهاد الطبقات الفقيرة، فهي قصة لم تحاول استثمار الصراع الدائر بين المشركين والمسلمين الأوائل، وحرب الأفكار والمعتقدات التي كانت دائرة وقتها.

أيضا تجد قصة مشابهة لتلك القصة في فيلم "انتصار الإسلام" في سنة 1952، وهو من تأليف أحمد الطوخي، وإمام الصفطاوي، ومن إخراج أحمد الطوخي، ومن بطولة محسن سرحان، وماجدة، وعباس فارس، وفريد شوقي، ويروي حكاية شاب من شبه الجزيرة العربية يعتنق الإسلام، ويحاول أن يهدي أصدقائه للدين الجديد، ولكن يثور أحدهم عليه ويرفض، فيتزوج الشاب المسلم من فتاة أسرها صديقه، والتي تعتنق الإسلام، ليصبح بذلك هو انتصار الإسلام في شبة الجزيرة العربية!

وبالمناسبة فلا يخلو فيلما دينيا من قصة حب عدا أفلام "ظهور الإسلام"، و"عظماء الإسلام"، و"حملة أبرهة على بيت الله الحرام"، و"الرسالة" أما البقية فتجد أن قصة الحب هي القاسم المشترك فيها.


من الممكن اعتبار أن اختيار الممثلين وأدائهم إلى جانب القصة المليئة بالثغرات من أسباب ضعف الفيلم الديني، كما هو الحال في فيلم "هجرة الرسول" في سنة 1964، وهو من تأليف حسين حلمي المهندس، وعبدالمنعم شميس، ومن إخراج إبراهيم عمارة، ويروي قصة الأمة حبيبة والعبد فارس الذين يعاملون بشكل سيء بصفتهم عبيد، حتى يأتي الإسلام ليخلص حبيبة من العبودية، فتتعرض للاضطهاد على يد مالكها، بينما يظل فارس على شركه، وتدور قصة حب بين حبيبة وفارس، والذي يعتنق الإسلام بعد ذلك، لتنتهى أحداث الفيلم بتلاقي الحبيبن في المدينة، بعدما دخلا في الإسلام وأمرهم النبي بالهجرة.

لك أن تتخيل ماجدة وهي تؤدي مشاهد التعذيب، وبينما يقدم إيهاب نافع دور العبد المضطهد.. حالة تامة من الانفصال بين الممثل والشخصية التي يؤديها، فالشخصيات في الجاهلية وبدايات البعثة تحتاج للكثير والكثير، ناهيك الحديث باللغة العربية الفصحى السليمة، وافتعال الآهات في مشاهد التعذيب، أو الشرود في مشاهد الإيمان.

كذلك الحال مع فيلم "بلال مؤذن الرسول" في سنة 1953، من بطولة يحيى شاهين، وماجدة، وهو من تأليف فؤاد الطوخي، ومن إخراج أحمد الطوخي، والذي يعاني من نفس المشكلة، وهي انفصال الممثلين عن الشخصيات التي يؤدونها، إضافة إلى الافتعال الشديد في التمثيل، وكأنما الكفار في الفيلم يحاولون بكل الوسائل أن يثبتوا أنهم كفار بأصواتهم الغليظة وحواجبهم الكثة وعنفهم وشرههم الشديد، بينما المسلمون أصحاب اصوات رقيقة ونظرات حالمة شاردة.


أو أن تكون نقطة ضعف الفيلم هي تعامل سيء من المخرج مع الفيلم، كما هو الحال مع فيلم "الشيماء"، والذي ربما كان بحاجة إلى مخرج آخر غير حسام الدين مصطفى، أو يحتاج إلى حسام الدين مصطفى في مرحلة أخرى لكي يخرج بصورة جيدة.

والفيلم الذي أنتج في سنة 1972 يتناول قصة النبوة، وأحداث بدايات البعثة والهجرة حتى فتح مكة، عن طريق تتبع قصة الشيماء ابنة حليمة السعدية، والفيلم سيناريو وحوار عبد السلام موسى، عن رواية على أحمد باكثير، ومن إخراج حسام الدين مصطفي، والذي تعامل مع الفيلم تعامله مع أفلام الحركة والتشويق، التي اشتهر من تقديمها، وهو ما أفقد الفيلم الكثير من قيمته الفنية المنتظرة من مخرج بحجم حسام الدين مصطفى، وأيضا مشاهد التآمر تم تنفيذها وكأنه تآمر بين عصابة ضد آخرون، وليست مؤامرة للتخلص من فكر يهدد فكر ساد قرون، كمشهد التآمر على قبيلة خزاعة مثلا، والذي أصبح تميمة للسخرية، وأحد "إفيهات" الشارع المصري.


وعلى العكس، كانت هناك أفلاما جيدة جدا على المستوى الفني، ويأتي في مقدمتهم فيلم "فجر الإسلام" في سنة 1971 للمخرج صلاح أبو سيف، والمؤلف عبدالحميد جودة السحار وأبو سيف، وهو من بطولة محمود مرسي، وسميحة ايوب، ويحيى شاهين، وعبدالرحمن علي، ونجوى إبراهيم، وحمدي أحمد، ومحمد فرج وآخرون.

وعلى الرغم من أن الفيلم قائم أيضا على قصة حب بين جارية وابن زعيم القبيلة، وهي "الثيمة" المكررة في أغلب الأفلام كما قلنا، إلا أن الفيلم ابتعد عن كثير من السلبيات التي كانت تحتل الأفلام الأخرى، وإن لم يستطع تجاوز النظرة المسطحة للكفار في الملامح الغليطة والشره والشهوانية، والرائحة الكريهة، والوجوة المكفهرة، ولكن الفيلم أفرد مساحات كبيرة لحوارات بين فكرتين، حتى وإن كان بعضا منها مغلفا بالسطحية، كالحوار بين البطل وإحدى صاحبات الريات الحُمر، ولكن كان هناك في المقابل حوار من أفضل الحوارات التي قُدمت في الأفلام بين البطل ووالده زعيم القبيلة، عندما يعترض على دين وفكر كفيل بأن يفقده مكانته وزعامته، ليصبح "فجر الإسلام" محاولة جادة وجيدة لإنتاج وتنفيذ فيلم يحمل الصفة الدينية بمستوى جيد، وطبعا قدرة صلاح أبو سيف كمخرج وتطويع الكاميرا لإبراز الشخصيات وتحولاتها وصراعاتها الداخلية، كحيرة البطل في اختيار إله بين الآلهة المتعددة، والتي تتناص مع حيرة خليل الله إبراهيم عليه السلام قبل النبوة والوحي.

وأيضا يأتي الفيلم الملحمي "الرسالة" ليكون واحدا من أفضل الأفلام التي قدمت بشكل متميز للغاية عن الإسلام من بدايته وحتى فتح مكة وما تلاه، وإن كان يؤخذ على الفيلم اعتماده طيلة الوقت على أحداث حقيقة حدثت، مما أعطاه صبغة وثائقية نوعا ما، ولكنه بالفعل يعد الإنتاج الأضخم من بين كل الأفلام الدينية الناطقة بالعربية.

وأيضا قد يأتي النجاح بسبب تقديم ذلك النوع للمرة الأولى وأنت مستند على نص أدبي قوي كرواية "الوعد الحق" لطه حسين، والتي قُدمت في فيلم "ظهور الإسلام"، أو جاء النجاح بسبب البُعد عن النبوة والبعث، والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، لتعرض محاولة أبرهة الحبشي لهدم بيت الله الحرام في فيلم "حملة أبرهة لهدم بيت الله الحرام"، أو أنك تقدم عدد من الأفلام القصيرة في فيلم واحد مثل فيلم "عظماء الإسلام" لنيازي مصطفى.

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى