وللحقيقة فإن جميع الأسماء باستثناء مات ديمون يمكن اعتبارهم ضيوف شرف في الفيلم وذلك لتركيز الفيلم الشديد على حالة مات ديمون أو شخصية مارك واتني رائد الفضاء الذي يجد نفسه وحيدا في المريخ ومحاولات استعادته للأرض في محاولة لخلق ملحمة فضائية جديدة تؤكد فكرة وقيمة الحياة الإنسانية وان الفرد الواحد حياته لا تساوي كل أموال الدنيا، وهي فكرة قتلتها السينما ولاسيما الأمريكية.
الغريب أن فيلم The Martian لا يحمل من ريدلي سكوت سوى الاسم فقط وعدد من اللقطات التي تحمل سمات الواقعية التي يعشقها سكوت، ويبدو أننا أمام حالة جديدة من حالات عدم التوفيق والإخفاقات المتوالية التي يعاني منها عدد من المخرجين أصحاب الأسماء الكبيرة في السينما الأمريكية فبعد فيلمه السيء Exodus: Gods and Kings و الذي أثار ضجة كبيرة لتعرضه إلى قصة نبي الله موسي، يأتي سكوت بإخفاق جديد في "الفيلم المريخي".
سكوت الذي أثر استخدام أدواته كمخرج ولا سيما توجيه الممثلين في جعل مات ديمون يصلح أن يكون مارك واتني وبسخريته من واقعه وإصراره على النجاة، بدلا من استخدمها في تشكيل تكوينات بصرية جيدة، إضافة إلى حالة "الإستسهال" التي أصابت رايدلي سكوت في الفيلم فلم يكلف نفسه عناء استخدام العديد من الشخصيات التي يمكن تسميتها مفاتيح أخرى للفيلم كالصراع المستتر الذي بدأ بين جيف دانييلز (تيدي ساندرز) وتشاويتل إيجوفور (فينسينت كابوور) والذي أثر إنهائه مبكرا في ميل غير مفهوم للمثالية وان يرضخ تيدي بعد مشهدين لفكرة إنقاذ مارك، بدلا من المجادلات السياسية و محاولات التغطية على أن ناسا تركت رجلها وحيدا في المريخ مما كان سيعطي الفيلم حالة صراع جديدة يمكن ان تساعد في موازنة إيقاع الفيلم السيء غير حالة الصراع النفسي الذي عانى منه البطل في وحدته والصراع بين أمور قدرية كفشل رحلة الإنقاذ الأولي والمحاولة الثانية، تلك المثالية التي انتهجها سكوت في فيلمه كانت طعنة اخرى قتلت الفيلم.
بينما جاء السيناريو جيدا في الحبكة ومراعاة التفاصيل العلمية في محاولات مارك التكيف على مصيره كوحيد على سطح الكوكب الأحمر، وقع السناريو في خطايا كثيرة ويمكن أكثرها حدة هي التركيز على نجاة البطل دون التركيز الكافي على محاولات إنقاذه، إضافة إلى تهميش الأدوار الأخرى في الفيلم دون خلق حالة من التعاطف الحقيقي بين الجمهور وأفراد فريق واتني الذين تركوه خلفه ليظهر مرة أخرى المبدأ الأمريكي المفضل لهوليوود اننا لا نترك أحد رجالنا خلفنا أبدا فجميع أفراد فريق واتني مستعدون للقيام بمغامرة كبرى والتضحية بحاتهم من أجل عودته دون حتى النظر إلى حيواتهم الخاصة فكل منهم يحمل على كاهله أهل وأحلام وطموحات تكفي أن يتوقف للحظات يفكر فيها.
الأغرب هو تقبل عائلة أحد افراد فريق واتني لفكرة غيابه في الفضاء مدة زمانية أطول من المعتاد، وهذا يناقض فكرة "قيمة وقدسية الحياة" التي يحاول الفيلم تأكيدها فها هي خمس حيوات على المحك في مغامرة لإنقاذ حياة رجل واحد فقط.
ويبقى السؤال مطروحا: لماذا تصر هوليوود على إنقاذ مات ديمون؟ ففي عام 1998 قدم ستيفين سبيلبيرج رائعته Saving Private Ryan بطولة توم هانكس والتي تدور حول بعثة إنقاذ لجندي أمريكي وهو جيمس رايان من خطوط المواجهة بين الحلفاء والنازي وكان السبب الإنساني هو أن أشقائه جميعا ماتوا في الحرب، افتراض ومبرر مقبولين جدا ناهيك عن قيمة الفيلم الفنية و بالمصادفة فإن الممثل الذي قدم شخصية جيمس رايان هو مات ديمون، و في العام الماضي عرض فيلم Interstellar وفيه ايضا محاولة لإنقاذ "مان" إلا أنه يموت في النهاية فتتحول مهمة الإنقاذ "كوبر" ماثيو ماكونهي، وربما هذا الإستثناء في رحلة انقاذ مات ديمون أنه يموت في أحداث الفيلم.
ولكن بعيدا عن محاولات إنقاذه في الأفلام، لماذا تصر هوليود على إنقاذه بأفلام ذات ميزانية ضخمة وبمعاونة أسماء لامعة ورنانة لمخرجين و أبطال؟ فمات ديمون من وجهة نظري الشخصية ممثل عادي أو اقل من العادي لا يملك تلك الموهبة أو الطاقة الفنية التي تؤهله لأن يكون نجما من نجوم الصف الأول في هولييود والعالم أجمع، وفعليا هذا هو اللغز الذي يحيط دائما بكل ظهور لمات ديمون الذي دائما ما يظهر ضعف مستواه بجوار كل الممثلين المشاركين به في العمل؛ فمثلا فيلم The Departed لمارتن سكورسيزي والذي كان مات ديمون على موعد مع مواجهة جاك نيكلسون وليوناردو دي كابريو ومارك والبيرج ورغم أن جاك نيكليسون لم يكن بلياقته الفنية المعهودة إلا أن المواجهة حسمت لصالح نيكلسون ودي كابريو، وقياسا على ذلك أغلب أفلام مات ديمون يكون هو الحلقة الأضعف في الفيلم.
وهل محاولة إنقاذ مات ديمون تجعل سكوت يضحي بطاقة فنية مميزة مثل شين بين أو جيف دانييلز أو كريستين وايج أو كاتي مارا؟ ما يحصرهم في أدوار مكتوبة بشكل ضعيف وسطحي، وعدم إطلاق العنان لقدراتهم التمثيلية التي وان اهتزت ستظل أعلى بكثير من قدرات مات ديمون المحدودة للغاية.
ولكن يبدو أن The Martian كان محاولة إنقاذ فاشلة لا لمات ديمون فحسب ولكن لإنقاذ رايدلي سكوت نفسه والذي خانته قدراته للمرة الثانية على التوالي في تحقيق معادلته المحببة في تقديم فيلم جيد يرضي الجماهير والنقاد، وليس الإقبال الجماهيري والإيرادات العالية التي حقهها The Martian في بداية عرضه مؤشر لقيمة الفيلم، ولن تكون الإيرادات مؤشر لقيمة وقوة اي فيلم في اي سينما في العالم، فقط قيمته هي التي تضمن إستمراريته و بقاءه خالدا في ذاكرة محبي السينما.
اعرف أماكن ومواعيد عرض The Marian في مصر عبر دليل السينما المقدم من FilFan.com