الجمهور الذي يقبل بجعل رأسه في مستوى أرجل الممثلين ينتظر من الممثل أن يرتقي بذوقه وفكره، الضحك وحده لن يكون الغاية لو نظرنا للمسرح من هذا المنظور، فبإمكانك أن تسخر من أي شيء ولا شك ستنتزع الضحكات من قلوب الجماهير.
تجربة "مسرح مصر" على الرغم من تحقيقها نجاحًا جماهيريا كبيرا إلا أنها وقعت في فخ السخرية من فئات بعينها لتحقيق أكبر قدر من الضحك أو ما يسمى في لغة المسرحيين بـ"السوكسيه"، العديد من الإفيهات تم رسمها بعناية أحيانًا أو ارتجلها الممثلون أحيانًا أخرى إلا أن الأكيد أنه في كثير من الأحيان طاشت منهم هذه الإفيهات ليتم وضعها تحت بند العنصرية التي طالت عددًا لا بأس به من الفئات.
مفهوم العنصرية في العالم حتى فترة قريبة عرف على أنه سوء معاملة ذوي البشرة السمراء، سواء بضربهم أو بالسخرية منهم، التاريخ العالمي يشهد على حوادث كثيرة كانت ضحاياها سمر البشرة، خلال الثلاثة عقود الأخيرة حاول العالم التكفير عن جرائمه ضد الزنوج بحملات دعائية كبيرة، وبرز شعار "No For Racism"، وتعني "لا للعنصرية" في المنافسات الرياضية ذات الصبغة العالمية مثل كأس العالم وكأس أبطال أوروبا.
الأمر مختلف في مصر وتحديدًا حين تتابع عروض مسرح مصر فالعنصرية ضد ذوي البشرة السمراء لا تخلو منها أية حلقة من حلقات العرض، ففي حلقة "كي جي تو" من الموسم الثاني للبرنامج، حينما قام محمد أسامة "أوس أوس" بتجسد شخصية "حبيشة" -محمد رمضان في مسلسل ابن حلال- قال لأمه: لوا عليا أسود يا ما وشبه الميكروباص المحروق، ليه ياما خلفتيني أسود"، الأمر أيضًا تكرر في حلقة "إيه اللي جابني هنا" بالموسم الثالث وسخر أحد أعضاء الفرقة من عمر مصطفى متولي بعبارة "يا سودة يا كودة يا حوق الهباب"، ما يعد إهانة جارحة لكل ذوي البشرة السمراء.
ظهور الكوميديان الصاعد حمدي ميرغني على خشبة مسرح مصر، يعني لكل المشاهدين أن يجب انتظار خروج إفيه سواء منه أو من أحد الزملاء يسخر فيه من خلقته، مشاهد عديدة كانت فيها السخرية من قسمات وجه حمدي الفخراني وإحدى أسنانه المكسورة سببًا لإضحاك الجمهور منها أحد مشاهد حلقة "إيه اللي جابني هنا"، يسعى فيها ميرغني للتعرف على فتاتين فيبادره صديقه بعبارة "أبوس ايدك وشك مينفعش يظهر ف الموضوع دا، هظبطهم وانت تعالى بالليل مش هياخدوا بالهم من وشك"، وبعد شد وجذب بين الشابين والفتاتين تقول له إحداهما "وشك شبه وش رجلي".
الحول مادة لسخرية المصريين منذ سينما الأبيض والأسود، ولكن هذا لا ينفي صفة العنصرية عن أي عمل فني يسخر ممن هم مصابون بتلك العاهة، الأحول ظهر في حلقة "فرصة تانية" في شخصية العريس غير المرغوب فيه دميم الخلقة، حوالي ربع ساعة من وقت حلقة البرنامج البالغ ساعة وربع كانت مخصصة لفصل يسخر من ذلك العريس الأحول الذي تارة يرى شقيق العروس وصديقه أربعة أفراد، ويرى عروسه أكثر من فرد ويظن أنها أتت بصديقاتها ليجلسوا معه.
يلازم كل ظهور للكوميدية الصاعدة دينا محسن الشهيرة بـ"ويزو" على خشبة "مسرح مصر"، سخرية لاذعة من وزنها الزائد، "ويزو" لديها حضور طاغِ وخفة ظل لا يختلف عليها اثنان، لكن على مدار موسمين من تياترو مصر ما تم عرضه من الموسم الثالث "مسرح مصر"، كل حلقة ظهرت فيها ويزو حفلت بإفيهات تتمحور حول وزنها الزائد، هذا بالإضافة إلى المواقف التي تسقط فيها ويزو مستخدمة وزنها الزائد أحد زملائها بالفرقة، مثلما حدث في حلقة "داعش"، و"كي جي تو".
عشرات الإفيهات تم "رميها" على ثقل وزن ويزو، ما بين اعتبارها "اوتوبيس"، أو تسبب حركتها في رجة بالمسرح، أو سؤالها المتكرر عما إذا ما كانت تحمل تصريحا ببروز وأطوال، واعتبارها تأكل أكل الفرقة كله، أو سخريتها هي من نفسها في مواقف كثيرة من بينها حلقة "داعش" بالموسم الثاني، حينما افترضت أن بإمكانها أن تأكل "غوريللا".
قائمة طويلة من الإفيهات لا شك في أنها كتبت بإتقان شديد وألقيت بإتقان أشد، لكن هل فكر كاتبو النص ماذا سيترك كل إفيه متقن من هؤلاء في نفس أصحاب الوزن الزائد؟
نصف نكات المصريين تبدأ بعبارة "مرة واحد صعيدي"، أصحاب أرض الجنوب سيرتهم باتت على لسان كل من يريد أن يرمي نكتة ليضحك من حوله.
وبرغم السعي الحثيث من بعض صناع الدراما في مصر خلال السنوات الأخيرة في إخراج الصعيدي من هذا القالب الذي تم وضعه فيه عنوة، بتجسيد شخصيات صعيدية مرموقة ولها شأن عظيم وتتمتع بذكاء ربما أكثر ممن سواهم من أبناء المحافظات الأخرى.
مسرح مصر زاد السخرية التي لحقت بالصعايدة من الشعر بيتا، لنجد في حلقة "إيه اللي جابني هنا" من الموسم الثالث نكتة يلقيها "كريم عفيفي" على مصطفى خاطر تقول "مرة عشرة صعايدة غواصين ماتوا غرقانين عشان الغواصة عطلت نزلوا يزقوها"، لسنا بالطبع بصدد الحديث عن جودة النكتة وكونها مضحكة أو لا، ولكنها استمرار لمسلسل الإهانات المتكررة في حق الصعايدة من أرباب الفنون.
سقطة أخرى لمسرح مصر في حق الصعايدة كانت تتمثل في شخصية أبو الليل التي ظهرت في حلقة "حبوب هلوسة"، محدود الذكاء الذي يقبل على نفسه القيام بأعمال مقرفة كرفع المخلفات الآدمية من أجل كسب لقمة العيش، بل وطريقته الفظة في التعبير عن فخره بتنظيف "الطرنشات" بيده.
محدودي الذكاء "البلهاء" نالوا نصيبا كبيرا من السخرية في الأعمال الفنية سواء كانت محلية أو عالمية، مسرح مصر في تجسيده لشخصية الحارس "مان" بحلقة "حاجة صيني"، استعان بنفس ملامح شخصية "سلطان" التي جسدها هاني رمزي في فيلم "غبي منه فيه"، الأسنان الأمامية البارزة والوجه المرتخ، والشعر المصفف للأمام، رؤيتك لملامح هذه الشخصية تجعلك تشعر وكأن تلك الأسنان والوجه وتصفيف الشعر علامات على غباء الشخص الذي أمامك.
ويظهر غباء مان في الحوار الذي دار بينه وبين كبير حرس قصر الامبراطور، حينما حاول الأخير تهيئته لخيانة الامبراطور وتسهيل مهمة من يرغبون في قتله لدخول القصر، خوف مان ورد فعله المبالغ فيه تجاه كل جملة يقولها قائد الحرس، أضحك المشاهدين كثيرًا ولا شك أنهم سيتذكرون تفاصيل هذا الحوار كلما رؤوا شخصًا ذو أسنان أمامية بارزة وشعره مصفف للأمام.
خلط السياسة بالفن أصبح أمرًا واقعًا، الإدارة المصرية تنتج أغنيات مدعمة لتحريك الرأي العام في اتجاه ما، فنانون متطوعون يصدرون أغنيات لتأييد مواقف سياسية، أحزاب تستعين بفنانين في حملاتها الانتخابية مثلما حدث في الحملة الانتخابية الأخيرة لقائمة "في حب مصر" البرلمانية والتي ظهر فيها فنانون مثل شريف منير وداليا البحيري وأميرة فتحي، مسرح مصر -تطوعًا- أخذ على عاتقه مهاجمة كل من ينتمي لتيار الإسلام السياسي.
ففي حلقة "كي جي تو" ظهر عمر متولي بشخصية طفل ابن رجل منتمي لهذا التيار، يصف كل شيئ وكل فعل بأنه "حرام"، يقتل "دودوب" لأنه حرام، إلى أن يصل به خط سير المسرحية ليحاكم ويكون القاضي أشرف عبد الباقي الذي يأمر بإعدامه مرددًا عبارة "شوفوا هتقتلوه ازاي"، ثم يخفف الحكم لطرده خارج الفصل "روح تركيا روح قطر أي حتة سيبنا هنا احنا مش عاوزينك يا سيدي".
لم ترد إهانة حراس العقارات صريحة على لسان أبطال مسرح مصر، ولكن حلقة "إيه اللي جابني هنا"، احتوت على رقصة على أنغام أغنية "سيب إيدي"، التي احتوت على عبارة "انت آخرك بواب"، إغفال القائمين على العرض لهذه الجملة يعني عدم اكتراثهم بما تحمله من إهانة لأرباب مهنة حراس العقارات.
علينا في هذه الحالة بالذات أن ننحي الشعور الشخصي تجاه مثليي الجنس جانبًا، فدعم حقوق مثليي الجنس أو التعاطف معهم لا يعني أبدًا الانتماء لهم، لذلك فور صدور الحكم بالسماح لمثليي الجنس بالزواج في جميع أرجاء الولايات المتحدة، بادر عدد غير قليل من نجوم هليوود بالتغريد في هاشتاج lovewins#، ونشروا صورًا لهم بخلفية ألوان قوس قرح التي هي رمز المثليين جنسيًا، وكان من أبرز هؤلاء النجوم ليوناردو دي كابريو وكيت هدسون والكاتب ومذيع سي إن إن الشهير آندرسون كوبر.
السابقة أسماؤهم ليسوا بمثليي الجنس ولكنهم فقط دعموا حقوق المثليين وهذا معروف، لكن في مصر الأمر اختلف، فمجرد الإعجاب بشكل قوس قرح وألوانه هذا يعني أنك -لا مؤاخذه- مثلي، هذا ما ظهر في الحلقة الأولى من الموسم الجديد لمسرح مصر "طابور عرض"، حينما دخل أحد ممثلي الفرقة "بيشوي طاهر" إلى القسم ليحرر محضرًا وهو يرتدي "تي شيرت" عليه ألوان قوس قزح، ليعامله أمين الشرطة "محمد أنور" على أنه مثلي الجنس، ويمطر القاعة بسلسلة من الإفيهات "انت مينفعش تبقى متهم في اغتصاب انت فوق مستوى الشبهات"، "ابعد عني عشان انا متوضي"، "مبتحسش بنظرة الناس ليك ف الشارع"، وكأن من يرتدي تلك الألوان سواء بالإشارة إلى دعمه للمثليين أو بعدم الإشارة، لا بد وأن يكون محط أنظار ومثار للسخرية.
فئة كبيرة من المصريين بعد الثورة تكن عداءً غير مبرر للناشطين في مجال حقوق الإنسان، ربما لا يرضيهم رفض الحقوقيين للإجراءات المقيدة للحريات التي تتخذ من قبل الدولة المصرية بدعوى الحرب على الإرهاب.
وبعيدًا عن الإسقاطات السياسية المتكررة التي تبرز في حلقات مسرح مصر، فإن تناول شخصية الناشط الحقوقي الذي جسده مصطفى خاطر في حلقة "طابور عرض"، لم يكن منصفًا على الإطلاق، فالناشط كان في مهمة لتفقد أحد أقسام الشرطة، يقوم بأداء حركات وتشنجات عجيبة كلما ذكر التعذيب في أقسام الشرطة -الذي بالمناسبة لا يستطيع عاقل مصري واحد نكرانه- بل ويعرض رشوة على أحد النزلاء ليعدد أوجه معاناة المحجوزين في القسم.
ويظهر الناشط الحقوقي في المسرحية غير متسق مع مبادئه إذ أنه حينما وقع ضحية افتراء "ويزو" بادعائها أنه اغتصبها، طلب من مأمور القسم "أشرف عبد الباقي"، أن يعذبها ويصعقها حتى تعترف بادعائها.
وفي نهاية العرض وخلال فقرة "حكمة اليوم" آخر مشهد في كل حلقات مسرح مصر ومن قبله تياترو مصر، يعنق الضابط الناشط الحقوقي ويدعوه ألا يضغط عليه بالتركيز على السلبيات ومراعاة أن الضباط بشر يصيبون ويخطؤون، لتنتهي الحفلة بذلك وسط تصفيق حاد من الحضور.
ربما لم يكن حظ الهنود من كرباج سخرية مسرح مصر كبيرا ولكنه موجود، ففي حلقة "بنات بشنبات" من الموسم الثاني، جملة واحدة للممثلة "إسراء عبد الفتاح" التي كانت تمثل دور جارية هندية في حرملك السلطان سليمان القانوني، قالت فيها إنها ظلت "حامل" لمدة ثلاث سنوات، لأنها هندية.
تكررت السخرية من الهنود في حلقة "إيه اللي جابني هنا" في الموسم الثالث، ومشهد كامل يسخر فيه حمدي ميرغني ومحمد انور من ملابس غاندي الذي ارتداها متنكرًا "محمد السيد" أحد أعضاء الفريق، لتتكرر الإفيهات الساخرة من الرمز الهندي "حاسس بطراوة كده"، "لابس مناديل"، "رجليك دي بجد ولا رجلين كنب"، بالإضافة إلى السخرية من مقولات المهاتما غاندي المأثورة مثل: "كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن"، و"يمكنك ان تقيدني، يمكنك تعذيبي يمكنك تدمير هذا الجسد لكنك لن تستطيع ان تسجن عقلي"، بالتأكيد لن يسعد الهنود بإهانة رمز نضالهم ضد المستعمر الإنجليزي وأيقونة الحضارة الهندية المعاصرة.