محسن محي الدين، لا يُقال اسمه إلا ويتبعه أو يسبقه اسم مفجر موهبته المخرج يوسف شاهين، وشارك في أعمال فنية قبل العمل مع شاهين، مثل مسرحية "مظهر بيه" مع محمد صبحي، أو "أفواه وأرنب" مع فاتن حمامة، وأعمال أخرى كثيرة قبل لقائه الأول بشاهين في فيلم "إسكندرية ليه".
قدم أيضا في أثناء العمل مع شاهين، دوره الأهم في المسرح، مع فؤاد المهندس، في مسرحية "سك على بناتك"، الشخصية التي حملت نفس اسمه الحقيقي، تأكيدا على أنه يمثل بكل عفوية، كوميديا بسيطة وجميلة ومبهجة، راقب وهو يرقص مع شريهان، شريهان أعظم من قدم الاستعراضات والفوازير الرمضانية بعد نيلي، راقب تركيزها في الحركة والرقصة، أوقات قليلة تفقد شريهان قدرتها على التعبير وتركز مع حركة الرقص السريعة والصعبة، وفي المقابل يرقص محسن ويمثل بكل تلقائية، كأنه لا يقف على مسرح ولا أمام جمهور، كأنه يرقص لمتعته الشخصية فقط لا غير.
" frameborder="0">
قدم أيضا فيلم "الاحتياط واجب"، وفيلم "ليلة القبض على فاطمة"، ورغم كثرة أعماله بعيدا عن شاهين وأفلامه، إلا أن شاهين الوحيد الذي استطاع تفجير هذه الموهبة بكل ما تحمل من طاقة وشمولية، بداية من "إسكندرية ليه"، ومرورا بـ "حدوتة مصرية"، ثم"الوداع يا بونابرت"، وكانت النهاية في التحفة الفنية "اليوم السادس"، وما يحمله من استعراضات قدمها محسن وهو في قمة موهبته وإبداعه، ليقرر عدم العمل مع شاهين مرة ثانية، ويقدم فيلم "شباب على كف عفريت"، من تأليفه وبطولته وإخراجه، وهو فيلم لم ينجح لأسباب عديدة، كان من أهمها، حرب الخليج.
محسن، كان نموذج للشاب المقبل على الحياة، الحالم بالهجرة لأوروبا، كي يرى العالم ويتشابك معه، طاقة شبابية كبيرة، ولكنه تخلى عن كل ذلك، فاختفى تماما من الساحة الفنية بداية من التسعينيات، وباع حلم الهجرة وقرر أن يكبت الموهبة.
كانت البداية بقرار عدم العمل مرة ثانية مع شاهين، مرة لأنه يسيطر عليه في شكل أدائه التمثيلي، ومرة لأن شاهين كان بمثابة الجامعة، وأنه حان وقت التخرج منها، ولكنه تخرّج ولم يجد ما يقدمه في الساحة الفنية، فقرر الاعتزال ليتجه مع شركته الخاصة للإنتاج من أجل تقديم برامج دينية، وكارتون للأطفال من اتجاه ديني.
اختفى عن الساحة كأنه سافر إلى الخليج، أصبحت أقواله متناقضة، ولسانه مقيّد، تارة يصرح بأنه لم يعتزل التمثيل والإخراج، وأن إخراجه للبرامج الدينية كان يتطلب منه توجيه المذيع لتقديم أفضل أداء، هكذا أصبح التمثيل والإخراج عند محسن، من أهم ممثلي جيله لمخرج برامج دينية غير معروفة.
يعلم أن شاهين طلب منه حضور جنازته، وأنه كان متخوفا من عدم حضور محسن في مراسم الجنازة، ولكن يفاجئنا جميعا عند وفاة شاهين ويتغيّب عن الجنازة، كما كان يتوقع شاهين، مصرحا إن وجود الكاميرات والمصورين لا يتماشى مع مهابة الموت واحتراما له.
" frameborder="0">
يستضيف الشيخ محمد حسان في أحد برامجه الدينية، وعند نشوب الأزمة بين الدين والسياسة والإخوان المسلمين، يصرح أنه لا يميل إلى الشيخ حسان، وأن كل ما بينهم كانت هذه الحلقة فقط، مراوغة وتناقض غريب ومستمر، يرى أن محمد مرسي لم يكن انتصارا للثورة ولكنه يرى أيضا أن السيسي رجل المرحلة، يعلن تأييده لثورة 25 يناير، وأنه يحضّر لفيلم عن ما بعد الخطاب الأخير، ولكنك تجده يعود للساحة الفنية في رمضان السابق في مسلسل من تأليف جاره وصديقه تامر عبد المنعم، الفنان الأشهر في تأييده للرئيس المعزول مبارك، وأهم الفنانين هجوما على ثورة يناير بكل ما فيها.
يعود بعد غياب أكثر من 15 عاما ليقدم مسلسلين، وليقوم في أحدهما بالتعاون مع المطرب تامر حسني، محسن محي الدين، أحد أهم الطاقات التمثيلية، يعود ليقف أمام تامر حسني، المطرب المتواضع تمثيليا، في مسلسل ضعيف على مستوى الأعمال التلفزيونية في هذه السنة، أو على المستوى العام، عاد محسن وكأنه موظفا عائدا من الخليج، يبحث عن طرق جديدة للحياة وسط كل هذه الضغوط المالية والاجتماعية التي اصابت المجتمع بأجمعه، يعود بشكل لا يليق به بما قدمه من قبل، هل هذا هو من رقص وغنى ومثل بكل طاقة وحيوية وموهبة في "اليوم السادس"؟!
" frameborder="0">
ويحكي يوسف شاهين أن محسن كان يملأ الشاشة بمفرده من فرط الحيوية والموهبة، ولا يحتاج بجانبه راقصات أو استعراضات، فهو وحده فرقة استعراض كاملة، ولم يدرك محسن كل ذلك، أو قرر أن يتحايل على جمهوره، حتى أنه عندما سُئل عن أعظم أدواره لم يرد ردا واضحا، ولكنه كان رد من يتنصل من أدواره، ولكن لا يملك رصيد غيره عند الجمهور، ورد بأن لكل وقت أدواره ولكل دور حالته. حتى أنه يرى أن عودته في التلفزيون كان بداية لما سيقدمه من أفلام، وأنه عاد في التلفزيون ليعرفه الجيل الجديد، محسن حتى لا يعرف قيمته الفنية، لا يعرف أننا نعرفه أكثر منه، وأن الجيل الجديد يحفظ حواراته وأغانيه مع يوسف شاهين.
محسن تحول من شاب يحلم بالسفر لأوروبا، إلى رجل عائد من الخليج يبحث عن فرصة لاستثمار ما تبقى له من عمر ومال.. بكل ما يحمل من ضعف في الرئوية ونقص في الجمال والموهبة والحيوية والإبداع، ولكن رغم كل ذلك فتبقى أعماله الفنية القليلة القديمة نقطة مهمة في تاريخ السينما المصرية.