ولد حمدي أحمد في 9 نوفمبر 1933 بمركز المنشأة بمحافظة سوهاج، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية سنة 1961، وكان يدرس التجارة بجوار دراسته للمسرح، ولكنه هجرها دون أن يتم دراسته فيها، وتفرغ للدراسة بالمعهد، وجاءت انطلاقته الأولى في السينما في 1966، إذ قدم خلال هذا العام 3 أفلام هي "وداعا أيها الليل، و"هو والنساء" ولكن الانطلاقة الحقيقة جاءت مع المخرج صلاح أبو سيف
في سنة 1966 قدم صلاح أبو سيف "رائعته" السينمائية "القاهرة 30"، عن رواية نجيب محفوظ "القاهرة الجديدة"، وسيناريو على الزرقاني، ووفية خيري، وصلاح أبو سيف، وحوار لطفي الخولي، ومنح أبو سيف دور البطولة لحمدي أحمد أمام "السندريلا" سعاد حسني، وأحمد مظهر، وعبدالمنعم إبراهيم، وكان حمدي وقتها واحدا من مجموعة من الوجوه الشابة التي قدمها صلاح أبو سيف للسينما، من بينهم الممثل والمخرج التلفزيوني المميز أحمد توفيق، والفنان رؤوف مصطفى، والفنان أشرف عبد الغفور، والفنان عبد العزيز ميكوي وغيرهم.
في "القاهرة 30"، قدم حمدي أحمد أول بطولة سينمائية له في دور "محجوب عبد الدايم"، الطالب الوصولي الذي كانت معاناته سببا في تحوله لشخص فاسد، وقدم حمدي تطلعات وتقلبات شخصية محجوب ببراعة أنستنا أننا أمام وجه جديد، فكان خصما شرسا في معركة تمثيلية متقنة بين جميع أبطال الفيلم، خرج فيها "الوجه الجديد" حمدي أحمد منتصرا، ومثبتا صحة رأي ووجهة نظر صلاح أبو سيف.
ومن بعد "القاهرة 30" انطلق حمدي أحمد إلى السينما، وقدم أفلاما اتسمت بالتجريب السينمائي كفيلم "ثلاث قصص" (1968) ومن إخراج إبراهيم الصحن، والذي قُدم في أحداثه ثلاثة قصص: الأولى هي "دنيا الله" للكاتب نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار عبد الرحمن فهمي، والثانية "5 ساعات" للكاتب يوسف إدريس وسيناريو وحوار بكر الشرقاوي، والثالثة هي "إفلاس خاطبة" سيناريو وحوار إسماعيل القاضي"، وفيلم "واحد في المليون" (1970) ومن إخراج أشرف فهمي، وقصة وسيناريو وحوار مصطفى محرم، وفيلم "صور ممنوعة" (1972) ومن إخراج أشرف فهمي، وقصة وسيناريو وحوار رأفت الميهي.
دخل حمدي أحمد دنيا المخرج يوسف شاهين من الباب الواسع لها، فأسند له دور الضابط المنافق الوصولي في فيلم "العصفور"، والذي تم إنتاجه في سنة 1968، وعُرض في 1972، ولكن عرض التعاون الثاني بين حمدي أحمد وشاهين أولا؛ إذ عُرضت "رائعة" يوسف شاهين "الأرض" عن سيناريو وحوار حسن فؤاد، وعن قصة عبدالرحمن الشرقاوي في سنة 1970، والتي قدم حمدي أحمد فيها واحدا من أجمل أدواره، وهو "محمد أفندي" الفلاح المتعلم المتعالي على أهل قريته، وينافس "عبد الهادي" على حب "وصيفة"، ليخسر قلبها مثلما خسر هيبته في عيون أهل القرية عندما وقع ضحية خديعة الباشا، ويمكن القول إن حمدي أحمد تفوق على نفسه في هذا الدور، إذ كان يسيطر على موهبته كل السيطرة، حتى لا تفلت الشخصية المعقدة من بين يديه.
أما التعاون الثالث فكان في فيلم "اليوم السادس" (1986)، في دور أثبت فيه حمدي أحمد أنه ممثل متمكن من أدواته، فكانت أغلب جمله الحوارية عن طريق ملامحة لا عن طريق لسانه.
تعاون حمدي أحمد أيضا مع المخرج الفذ توفيق صالح في فيلم واحد، وهو "المتمردون" في سنة 1968، وفي سنة 1974 يقدم حمدي أحمد مع المخرج محمد راضي واحدا من أفضل الأفلام التي ناقشت فترة حرب الاستنزاف من المنظور الاجتماعي، وهو فيلم "أبناء الصمت".
وتستمر أفلام حمدي أحمد، ولكن لا بد من التوقف أمام محطتين مهمتين في مسيرته السينمائية، الأولى في سنة 1986 مع صلاح أبو سيف مرة أخرى في فيلم "البداية"، والذي قدم حمدي فيه دور الفلاح البسيط الساذج، وهو الدور الذي حاول المخرجون من بعدها حصره فيه، بسبب تألقه الواضح في الفيلم، والذي شهد مباراة تمثيل بين جميل راتب، وأحمد زكي، وحمدي أحمد، وصبري عبد المنعم وآخرون، والمحطة الثانية دوره المختلف في فيلم "عرق البلح" (1999) للراحل رضوان الكاشف، والذي يعد قمة النضوج الفني لحمدي أحمد، والتأكيد على أننا أمام فنان يعرف ماهية أدواته بدقة، ويستطيع السيطرة عليها والتحكم فيها بشكل يذهلك ويجعلك تتساءل لماذا هذه الموهبة شحيحة الإنتاج؟ ولكن إجابة السؤال ليست لدى حمدي أحمد ولكن إجابتها عند السُلطة.
في سنة 1949، تعرّض الفنان حمدي أحمد للاعتقال على يد قوات الاحتلال الإنجليزي، بسبب اشتراكه في إحدى المظاهرات المناهضة للاحتلال في ذلك الوقت، وتلقي هذه الحادثة الضوء على الجانب الآخر السياسي لدى حمدي الذي طالما كان انحيازه التام للفقراء والبسطاء، ويذكر أن حمدي أحمد انتخب عضوا لمجلس الشعب في سنة 1979، وعُرف بفكره اليساري، وكانت مواقفه السياسية ومقالاته التي أعلن فيها أفكاره بوضوح عبر صفحات جرائد مثل "الأهالي" و"الشعب" و"الأحرار" و"الميدان" و"الخميس" و"الأسبوع" عائقا أمام موهبته الفنية، بأوامر وتوجيهات سلطوية بمنع "هذا المشاغب من العمل"، وتضييق الفرص المتاحة أمامة عله يتوقف عن انتقاده ومعارضة السُلطة، وتكرر الأمر مع فنان آخر، وهو القدير عبد العزيز مخيون ولكن للأمر قصة أخرى.
إذا كانت حصيلة حمدي أحمد في السينما هي 25 فيلما فقط، وهو رقم هزيل بالنسبة لموهبة بحجم موهبته، فإن حصيلته من الأعمال الدرامية في التلفزيون كبيرة؛ إذ بلغت أعماله على الشاشة الصغيرة 89 عملا، منها أدوار لا تنسي مثل دوره في مسلسل "شارع المواردي" بجزأيه، و"جمهورية زفتى"، و"وادي فيران"، و"إمام الدعاة"، و"علي الزيبق"، و"السمان والخريف"، و"قال البحر"، و"بوابة المتولي"، ويمكن القول إن الشاشة الصغيرة استطاعت احتواء قدراته التمثيلية في ظل التضييق السلطوي الذي واجهه في السنيما.
ورغم أن بدايته كانت في المسرح، إذ انضم إلى فرقة التلفزيون في سنة 1961، إلا أن إنتاجه المسرحي قليل جدا، فاشترك في 3 مسرحيات فقط هي "حرم جناب الوزير"، و"إزي الصحة"، و"ريا وسكينة"، والتي قدم فيها دور "عبد العال" زوج سكينة "سهير البابلي".
إلا أن الفنانة شادية كانت السبب وراء رحيل حمدي أحمد من العرض، بعدما اشتكت مرارا وتكرارا من سوء معاملته، وعدم ارتياحها في العمل معه، ما اضطر المنتج سمير خفاجي والمخرج حسين كمال باستبداله بالفنان أحمد بدير.
وفي سنة 2015، وتحديدا في شهر مارس أعلن حمدي أحمد قراره باعتزال التمثيل نهائيا، في حوار أجراه مع صحيفة "الرأي" الكويتية، أرجع أسباب قراره إلى أنه اكتفى بما قدمه في مشواره، وأن احترام الفنانين الكبار اختفي تماما، ليصبح فيلم "صرخة نملة" والذي قدمه في 2011 هو آخر أعماله السينمائية، بينما آخر أعماله في التلفزيون هو مسلسل "في غمضة عين" من إنتاج 2013.
Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by