ناتالي دورمر المشهورة بأدوارها في مسلسل "صراع العروش" (Game of Thrones) وMockingjay بجزئيه من سلسلة الأفلام التي حطمت شباك التذاكر عالميا "ألعاب الجوع" (The Hunger Games)، وقد أذهلت أوساط الموضة عندما أطلت على السجادة الحمراء في حفل Screen Actors Guild Awards عام 2014 وقد حلقت نصف رأسها.
وهكذا كانت جانيت جرجس فغالي أو كما عرفها العالم العربي كله صباح، ليست فقط أنيقة ولكن مغامرة من الدرجة الأولى. حياتها كلها مغامرة طويلة لامرأة تحب الحياة فبادلتها الحب.
في أكثر من مجلة موضة عالمية مثال Marie Claire و Harper’s Bazaar، تحدث الخبراء عن مدى التشابه بين النجمة الراحلة ذات العيون البنفسجية إليزابيث تايلور ونجمة تليفزيون الواقع كيم كارداشيان، فالاثنتان امرأتان صنعتا نفسهما من اللاشيء، وحظيتا على نجاح وانتقادات لا حصر لها، هذا غير افتتان كلاً منهما بالمجوهرات والرجال والملابس، وكونهما على عكس طبيعة المرأة التي دوماً ما تشعر بأن ما حصدته من نجاح ومتعة أكثر مما تستحق، فإنهما لا تعتذران عما وصلتا إليه من مكانة عالية ولا تخجلان من الحديث عن الحياة التي عاشتها كل منهما كما يحلو لها.
لكنني الآن حينما أقارن إليزابيث تايلور بفنانتنا العربية صباح، أجد أن الشحرورة تستحق لقب "إليزابيث تايلور العرب"، صحيح أنها لم تحصد يوما جائزة الأوسكار، لكنها منحت جوائز وأوسمة من معظم رؤساء وملوك البلدان العربية، كما منحت الجنسية المصرية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات تكريماً لمسيرتها الفنية، وحب ملايين القلوب المصرية لها. غير أنها أيضاً محبة للحياة بكل متعها من رجال وملابس وحفلات وسهرات، ويوماً لم تدع الندم على الحياة الصاخبة التي عاشتها.
عندما يأتي ذكر صباح والموضة، تتدافع إلى الذهن آلاف الفساتين والإطلالات التي اتسمت بالجنون و"الطرقعة" وعدم التقيد بالسن، فصباح ظلت حتى آخر لحظة في عمرها محتفظة بأناقتها الشابة، وإكسسواراتها البراقة، وألوانها الزاهية، مما جعلها بالتأكيد مثار للجدل من شعوب اعتادت على اتهام المرأة بـ"الناقصة" و "المتصابية" لمجرد أنها مازالت تضع ماكياج بعد أن أتمت عامها الخمسين.
جرأة صباح وعدم مبالاتها بردود الأفعال التي كانت تقابل تصريحاتها سر من أسرار جمالها الدائم وأيضاً بقاءها في قلوب الناس، فعلى الرغم من الانتقادات إلا أن الجماهير العربية –ولو سراً- تقدر الفنان الجريء اللامبالي، مثلما تقدر الفنان المحتشم الذي يحب دوماً الظهور بمظهر الوقور راعي الفضيلة. إنه جزء من التناقض الكبير الذي يعيش داخل شعوبنا العربية بجميع أطوارها، وهو ما يبرر مكانة فيروز العظيمة وصباح الدلوعة في القلوب، وإمكانية حب نفس الشخص لكلتا الفنانتين على الرغم من الخطين المختلفين اللتين اختارتاه لحياتيهما وفنيهما.
أي مغامرات صباح في الموضة أكثر ثباتاً في الذهن؟ هل هي إطلالاتها الجذابة الأنيقة أم تقليعاتها الجنونية الأبدية التي لا تعرف عمراً ولا زمناً؟
حاولنا استقراء أي المرات التي كسرت فيها صباح قواعد الموضة، فأسست هويتها كفاشيونيستا جريئة، أنيقة، ومحبة للحياة:
مما لا شك فيه أن ارتداء المرأة لزي الرجال يمثل ثورة مجتمعية على صعيد الموضة والتقاليد. امرأة مصرية تدعى نعيمة الأيوبي، أثارت الدنيا ولم تقعدها عندما تخرجت في كلية الحقوق وارتدت روب المحاماة، والذي كان حكرا على الرجال مهنة ورداء في العشرينيات من القرن الماضي. على صعيد فن مثل "الرقص الشرقي" والذي يتمتع بحسية عالية وتعمل فيه المرأة على إبراز أنوثتها قدر المستطاع، قامت اثنتان من رواده –فيفي عبده ونجوى فؤاد- بكسر قاعدة بذلة الرقص المكشوفة وارتدت كل منهما جلباب رجالي في واحدة من رقصاتها، فألهبت القلوب وأشعلت الحواس أكثر فأكثر.
فيلم "توبة" هو فيلم ميلودرامي من النوعية التي احترف إخراجها محمود ذو الفقار في الخمسينيات والستينيات. نفس القصة التي قد تجدها في كثير من الأفلام المصرية الكلاسيكية في هذه المرحلة. ما يميز هذا الفيلم هي إطلالات صباح كالعادة. الشحرورة كانت امرأة شديدة الاعتناء بأنوثتها والوعي العميق بكيفية إبرازها والاحتفاء بها. إطلالاتها مهما كانت غريبة أو مختلفة كانت دوماً تليق بها، بطبيعة جسدها وهيئتها، وعلى الرغم من أن كثير من إطلالاتها كانت في أفلام شاهدناها بالأبيض والأسود، إلا أنها مع فيلم "الأيدي الناعمة" وضح أيضاً اهتمامها بالألوان وكيفية تناسقها مع لون بشرتها وتسريحة شعرها.
في فيلم "توبة" تقوم صباح بدور مطربة موالد تدعى وداد، وبغض النظر عن هزلية هذا الافتراض، فإن أول إطلالة لصباح بجلباب رجالي وطاقية زاداها توهجاً وأنوثة، خاصة مع نبرة صوتها الغارقة في الإحساس والدلال.
ربما أول جملة لفتت انتباهي في هذا الفيلم الطريف رغم محتواه السياسي الفج والمستفز بدرجة كبيرة، هي ثاني إطلالة لصباح. بفستان أسود بسيط غاية في الشياكة، تخيط وتطرز فستانيها بنفسها لأنها –كما قالت لوالدها- تعيش مع برنسيسات. الكوميدي أن الفيلم رغم تنوع الفنانات الجميلات فيه، إلا أن ومع احترامي للجميع، صباح هي التي تبرز أميرة حقيقية بأناقة الليدي سواء فساتين أو تايورات أو البنطلون السترتش –كانوا يطلقون عليه فيما مضى الهيلانكا- الذهبي الذي ترتديه بينما تغني أحد أشهر أغانيها "الدوامة" والتي تعد من أكثر الأغاني المعشوقة لدى الفتيات المعتدات بأنفسهن.
من الطرائف أيضاً، هو ما صرحت به النجمة شديدة الجاذبية ليلى طاهر في أحد الأحاديث التليفزيونية، عن كونها كانت تخشى المقارنة بصباح في هذا الفيلم، مما دفعها للعناية الشديدة باختيار ملابسها والاهتمام بأناقتها وقتها.
ربما يخفى على البعض الدور الذي لعبته صباح في تغيير جلد المسرح الغنائي اللبناني. فقد أعادت مسرحياتها له الحيوية والجماهير الغفيرة، التي كانت تلقي بالورود أسفل قدميها، وتصفق لأكثر من نصف ساعة بعد ساعات من المتعة قضوها يشاهدون الصبوحة تشدو بألحان الطرب اللبناني الأصيل من مواويل العتابا والميجانا وترقص الدبكة فتشعل المسرح وهجاً وتألقاً.
في مسرحية ست الكل، تبرز إطلالتها الأشهر بفستان أزرق أسطوري، يلتمع فيه التطريز حتى يكاد يبدو مضاء بالكهرباء وهي تغني للمتفرجين "مسيناكم مسونا، وإن صقفتوا كتير كتير بتكونوا بتحبونا".
على الرغم من أن خصوصية الفنان حق لا جدال عليه، إلا أن الفنانين الذين تطعم حياتهم بنكهة الصراع والجرأة يزدادون إكبارا في أعين محبيهم، نظرا لشعورهم باقترابهم منهم حتى وإن بدوا محلقين في الفضاء البعيد.
صباح في فيلم "ليلة بكى فيها القمر" قامت ببطولة فيلم يقترب من جزء هام للغاية في حياتها، وكان بمثابة تنبؤ لما ستؤول عليها حياتها فيما بعد. لكن، كعادة الشحرورة، لم تأخذ الأمور على محمل الجدية والكآبة، فعلى الرغم من تأديتها لدور فنانة تتقدم في العمر وتتزوج من شاب صغير يستغلها ماديا وفنيا، إلا أنها تصعد بالفيلم لذروة مجدها الفني عندما تغني الأغنية الأكثر تعبيراً عنها في تاريخها "ساعات..ساعات" من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان جمال سلامة.
في كتابه إديث Edith، يتحدث الصحفي جان نولي عن الفنانة الفرنسية العظيمة إديث بياف، وكيف أنها عندما سمعت أغنية "Non, je ne regrette rien" لأول مرة صرخت وقالت، "Formidable، هذه هي الأغنية التي كنت أنتظرها طوال حياتي" نظراً كونها تعبر عن فلسفة إديث في الحياة بصورة عامة. لا أعرف كيف استقبلت صباح أغنية "ساعات...ساعات" عندما سمعتها لأول مرة، لكنني لا أتخيل رد فعل مغاير. فالأغنية لسان حال شحرورة الوادي وتعبر أيضاً عن فلسفتها الخاصة في الحياة، وبداية تصوير الأغنية في الفيلم، تطل الشحرورة مرتدية فستان وردي صيفي شديد الجمال والحيوية، وقد زينت شعرها بوردتين، وبدت في قمة التصالح مع نفسها وفنها.
يعد هذا الفيلم من بدايات صباح الفنية والغنائية، ويعتبر من كلاسيكيات الكوميديا الغنائية المصرية، نظراً لأن من يلعب البطولة أمامها هو الساحر خفيف الدم محمد فوزي. تقوم صباح بدور نمرة، فتاة تحلم بالغناء وتضطر للتنكر في زي خادمة، وتذهب لتعمل في بيت محبوبها المطرب الشهير منير. وبينما الإذاعة تذيع أغنية لمطربة تدعى جمالات كفتة، تغني نمرة بدلاً منها، بصوت عذب قوي، مما يبهر منير الذي كان يستمع للراديو من غرفته. الرائع في الأمر هو مدى شياكة البيريه الذي ترتديه الخادمة نمرة، ومدى ملائمته للبلوزة والجيبة اللتين ترتديهما، هذا غير أن تبعات الموقف الدرامية المضحكة تعد من أكثر الاسكتشات الطريفة في تاريخ السينما المصرية الكلاسيكية.
ليس هناك ما هو أكثر إثارة للسخرية من أن تقوم صباح بدور زوجة يتجاهلها زوجها لانغماسه في العمل. فهل من الممكن أن تغفل عين رجل عن كل هذا الجمال والسحر؟
هذه هي أحداث فيلم "مجرم في إجازة" الدراميدي من إخراج صلاح أبو سيف. ليس الفيلم من أفضل ما قدمته الصبوحة، لكن المشهد الذي تحاول فيه إغواء فريد شوقي وقد ظنته زوجها، يجعلنا نرى صباح كأيقونة أنثوية كاملة، ودون حتى اعتمادها على الملابس أو التسريحات والاكسسوار الملفت.
من الممتع مشاهدة صباح تمزج بين الفرانكوفونية والطرب اللبناني الأصيل، وزيها الوطني أخضر اللون الذي يبرز جمالها خير دليل على قدرتها على التلون والتشكل كيفما تشاء، ما بين مصرية في "عدى عليا وسلم" إلى لبنانية بنكهة فرنسية في "عالندّى الندّى". كل هذا في فيلم حاولت فيه صباح صناعة نجمة جديدة من ابنتها هويدا، لكن روح الصبوحة الحلوة من المستحيل أن تستنسخ، حتى وإن كانت في "أمورتها الحلوة" هويدا.
يمكن القول أن فيلم "ليلة بكى فيها القمر" هو مغامرة كبيرة لصباح، ففيه صدحت بأغنيتها الأثيرة، ومثلت شبه سيرتها الذاتية semi-autobiography قبل أن تعايشها في الواقع، وأطلت فيه لأول مرة في تاريخها الفني بالمايوه. صحيح أنه مايوه عتيق، موديل ينتمي للأربعينيات أو أواخر الخمسينيات، إلا أنه كان مغامرة منها، خاصة والكثير قد همسوا بأنها "كبرت" ولم يعد من اللائق ما فعلت. لكن الشحرورة كعادتها لم تلتزم بتقيدات السن والشكليات المجتمعية وبدت في غاية الصبا والجمال بينما هي تمثل دور الفنانة الغارقة في عشق شاب يصغرها في السن.
من المعروف عن الصبوحة أنها لم تفكر أبداً في اعتزال الفن، بل على العكس، ظلت حتى آخر لحظة تحلم بالأضواء وإحياء الحفلات والغناء. وعلى الرغم من أن هذه المسرحية –من إخراج زوجها وقتها فادي لبنان- في أواخر مراحل نشاط صباح الفني إلا أنها لم تفقد بريقها ولا طلتها المسرحية المميزة، والتي دائماً ما تفتتحها بفستان شديد الإبهار والجاذبية، كما في فستان الطاووس الذهبي الذي ظهرت به في بداية المسرحية.
من بين الثنائيات الفنية التي تبدو غير متكافأة، يبدو أحياناً بعضهم كتنويعة على مقولة "الأضداد تتجاذب"، وعلى الرغم من أن الكيمياء التي بين فريد شوقي وحش الشاشة وهند رستم أو هدى سلطان لا منافس لها، إلا أن مشاهدته مع ممثلات مختلفات عنه جملة وتفصيلاً، ولا يمثلن أمامه دور بنت البلد، يبدو شديد الثراء من حيث الصراع الدرامي أو حتى اللعب على وتر عدم التكافئ الرومانسي وما قد يخلقه من جاذبية وشبق. صباح في فيلم "جوز مراتي"، تغني أغنية في غاية الشبق والدلع "الغاوي ينقط بطاقيته". وفي مقطع قيل وقتها أنه أقام الدنيا ولم يقعدها عندما رددته صباح أكثر من مرة على المسرح "حسونة ما تحن عليا، حسونة أنا جاياك غاوية"، تحاول ليلى إغراء الأسطى حسن –فريد شوقي في الفيلم- وتعترف أخيراً بأنها اختارته بعد أن كانت في حيرة بينه وبين زوجها الأصلي الذي كثيراً ما طلقها.
الفستان الذي ترتديه صباح في الأغنية بسيط للغاية، أنيق، ومحتشم، يبدو أن هذا جزء من قواعد زوجها في هذا الوقت المذيع المحافظ أحمد فراج، لكن الفستان المقفول لم يمنع صوت صباح السحر من أن يلهب مشاعر المستمعين، ومن قبلهم الأسطى حسن.
Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by