الجدل معتاد.. أتذكر أن أحدهن قد كتبت يوما ما مقال بعنوان "ده ألبوم إعتزال يا هضبة" أظن أنها كانت تتحدث عن "بناديك تعالى"، فتخيلت وقتها أن أحدهم أخيرا قد قرر توجيه سهام النقد لعمرو، لكنها كانت تتحدث عن أنه ألبوم عظيم لا يمكن أن يتكرر ويصعب المهمة على عمرو أن يصنع عمل في مثل جماله.
أظن أن كاتبة الكلمات هي واحدة من أبناء شعار "عمرو لو نزل شريط فاضي هينجح برضو"، ويبدو أنها تتبع ذلك المنهج بقوة، حسنا لك كل الحق في أن تطير بأعمال عمرو دياب إلى السماء السابعة، كما يجب أن تحتفظ بحقي في الاستماع إلى ألبوم جيد، على الأٌقل أن ألا تكون الموسيقى به من خلال "الكيبورد" فقط، في عام 2014، بعد كل هذا المشوار الطويل لأهم مغني في الوطن العربي، استطاع أن يكون جريء بما فيه الكفاية لطرح ألبوم بلا خط وتريات واحد، وهو أمر يستحق أن نقف بحثا عن عمرو دياب، وأظن أن أنسب طريقة هي تذكيره بأعماله الجيدة.
المقصود بالحيادية هنا أنك لن تجد ما تستطيع تقليده عند رؤيتك للغلاف، لا يوجد "بلوفر" أو "سكسوكة" تملي معاك، لا تظهر عضلات "ليلي نهاري"، يظهر عمرو مرتدي بدلة سوداء وملامه وجهه جامدة مع قصة شعر معتادة جدا.
يمكن اعتبار ما تلى عام 2004 من أعوام هو بداية انهيار صناعة الموسيقى مع زيادة القرصنة عبر الإنترنت، ما جعل عدد كبير من المنتجين يتراجعون عن الغزارة الإنتاجية الحادثة في سنوات التسعينات وأوائل الألفية الثانية، لذلك طرح ألبوم في ذلك التوقيت كان مغامرة حتى لنجم بحجم عمرو دياب في ظل تراجع المبيعات الملحوظ.
تعاقدت أحد شركات الإتصالات مع شركة "روتانا" للحصول على الـ "رينج تون" الخاصة بأغاني ألبوم "كمل كلامك"، وكانت الفكرة هي موضة تلك السنة، فكثرت إعلانات شركة الإتصالات بمقاطع من أغاني الألبوم مما سبب رواج إضافي.
عمرو دياب الذي احتل الصيف بأغانيه، قرر للمرة الثانية بعد "علم قلبي" أن يطرح الألبوم في الشتاء، فبداية من ألبوم "نور العين حتى ألبوم "ليلي نهاري" لم يحاول عمرو طرح ألبوماته في شتاء سوى مرة واحدة، 7 ألبومات حاول فيهم عمرو مرة واحدة فقط أن يغامر بألبومه في الشتاء، وها هو يعيد التجربة مرة أخرى، وهو ما يعني إستراتجية مختلفة تماما، لأن الأمر سيتطلب أن تميل كافة الأغاني نحو الأغاني الهادئة، وأن تتراجع الأغاني الصيفية الصاخبة، وهو ما يعني بالضرورة الإعتماد على الكلمات الجيدة بصورة كبيرة، لذلك كان التعاون مع عدد من الشعراء المتميزين وقتها للوصول إلى توليفة ليس بها تكرار أو تشابه، فكان الإعتماد على أمير طعيمة، خالد تاج الدين، أيمن بهجت قمر وبهاء الدين محمد بحسب ترتيب ظهورهم في الألبوم.
بعد اللجوء إلى نادر حمدي (الذي يظهر في هذا الألبوم كعازف بيانو في أغنية "وماله") وطارق توكل وفهد وهاني يعقوب، يعود عمرو للتعاون مع مدكور أكثر المترددين على عمرو، مدكور الذي تعاون مع عمرو في بدايات مشاور عمرو الغنائي، والذي عاد إليه بعد انقطاع سنوات، يعود مرة أخرى بعد أخر انقطاع ليكمل مشاورهما الطويل، بجانبه يشترك عادل حقي بأغنيتي "قدام عيونك" و"أغيب أغيب" وفهد بأغنية واحدة "أيوة أنا عارف"، ومشاركة يحيى الموجي في توزيع وتريات عدة أغان وهي "وحكايتك إيه، أيام وبنعيشها، الله لا يحرمني منك، معاك بجد".
أهم من تعاون معهم عمرو في مشواره كملحنين سجلوا حضورهم في ذلك الألبوم، لا ينقصهم سوى خالد عز وشريف تاج، لكن الحضور بمساعدة عمرو استطاعوا تقديم ما يكفي من الألحان الجيدة، حيث أعتمد عمرو على ناصر المزداوي، عمرو مصطفى، محمد رحيم، محمد يحيي، وأخيرا عمرو دياب الملحن.
من الأمور الهامة جدا هو كيفية عرض الألبوم على المستمع أول مرة، فبرغم كل ما يقال حول أن أعمال عمرو تحتاج إلى أكثر من مرة استماع حتى تحبها، وهو أمر أجد فيه كثير من الادعاء، إلا إن هذا الألبوم أنتهج فيه عمرو نفس منهجه في ألبوم "تملي معاك" حيث الإعتماد على أغنية صاخبة في البداية تليها أغنية رومانسية ثم أغنية تعتمد على الإيقاع المقسوم الخفيف، ذلك الترتيب لم يتبعه عمرو في ألبومات مثل "قمرين"، "أكتر واحد"، "علم قلبي" وهي جميعا ألبومات ناجحة، لكن للشتاء حسابات أخرى، ومن بعد الدخول غير المغامر، يبدأ عمرو في تقديم وجبته الأدسم على الإطلاق، خاصة وأن هذا الألبوم تم ترتيبه مع الأخذ في الاعتبار أن سيطرح كـ "شريط كاسيت" بالإضافة إلى طرحه كأسطوانة.
بجانب جملة "جميع أصوات الكورال: عمرو دياب" أجد أن جملة الجملة "رؤية فنية: عمرو دياب" أكثر غرابة على أغلفته، يصر "الهضبة" على ذكرها كل مرة، لو افترضنا أن هناك من لا يستطع تمييز أصوات الكورال، ما الحاجة إلى ذكر أن الرؤية الفنية تخص عمرو، لكن في هذا الألبوم تحديدا لم يكن وجودها غريب، فهذا الألبوم يستحق فعلا أن يفخر عمرو برؤيته الفنية.