للأسف لا تزال تفصلنا أيام عن وصول بعض الأفلام المهمة من ٢٠١٥ لقاعات السينما، أفلام ربما تُغير ترتيب قوائم (الأفضل) في كثير من العناصر، وعلى رأسها فيلم المخرج كوينتن تارنتينو الجديد The Hateful Eight وفيلم The Revenant الذي يشهد أول تعاون بين المخرج أليخاندور إناريتو والنجم ليوناردو دي كابريو. لكن لدينا حاليا بالتأكيد حصاد سنوي ممتاز وكافي لكتابة حصاد العام.
نبدأ بقائمة الشخصيات العزيزة التي تعرفنا عليها، وأراها تستحق الانضمام للشخصيات الخالدة في عالم السينما.
نجم الأكشن الشهير في دور عميل سري وسط فيلم جاسوسية كوميدي، يسخر فيه من نفسه، ومن تاريخه الطويل في أفلام الأكشن ومبالغاتها، لدرجة أنه يسرد في أحد الحوارات، وصف هزلي لمغامرات ومواقف سابقة لشخصيته في الفيلم. والطريف أن كل موقف يسرده رغم هزليته وابتذاله على كل المستويات، يطابق بالفعل مشهد أكشن قدمه سابقا في أحد أفلامه!
شخصية العميل الواثق جدا من قدراته الفذّة ومن ضحالة الآخرين بالمقارنة، تتشابه إلى حد كبير مع شخصية المفتش كلوزو في أفلام بيتر سيلرز القديمة. الدور كتبه السيناريست والمخرج بول فيج خصيصا لـ ستاثام بإحكام، وغالبا سيلفت تألقه فيه آخرين مستقبلا، لتوظيفه في الكوميديا.
ريك فورد علامة من علامات الكوميديا هذا العام، وشخصية تقدم درسا مهما جدا، لكيفية الاستفادة من تاريخ ممثل، بحيث يصبح هذا التاريخ نقطة تواصل مع الجمهور.
صامويل إل جاكسون ترك بصمة في عشرات الأدوار الجادة، لكن لا تزال جيناته تعمل في أفضل حالاتها، عندما تختلط بشخصية عبثية، خصوصا اذا كانت شخصية تنطق هذا العبث، بمنتهى الجدية والصرامة!
لا عجب أنه وجد ضالته في دور فالنتين (لاحظ الاسم)، الشرير والملياردير الذي يخطط لإنقاذ العالم، بتقليل عدد السكان!.. الرجل الذي ينوي قتل ملايين، لكن يفرغ ما في معدته فورا إذا شاهد نقطة دم واحدة!.. الرجل الذي يدعو ضيوفه لتناول سندوتشات ماكدونالدز، مع أفخر أنواع الخمور!
اختيار موفق من ماثيو فون المخرج والسيناريست، لشرير في فيلم مختلف، فيلم يسير أغلب الوقت على خطى أفلام بوند القديمة بطريقة ساخرة، قريبا سنعرف الى أى مدى سيكرر جاكسون نجاحاته مع تميمة الحظ في مستقبله الفني (تارنتينو)، عندما يبدأ عرض The Hateful Eight.
الكمبيوتر أو الروبوت الخصم للإنسان، كان محور أفلام مهمة عديدة، قبل فيلم المخرج ألكس جارلاند مثل The Matrix - 2001: A Space Odyssey - Blade Runner - The Terminator.
ما يميز آفا هنا، هو قدرتها على كسب دعمنا كمتفرجين، آفا بذرة مستقبل أكثر جودة من البشر، وأكثر جدارة بالتعاطف والتشجيع. ولعلك لاحظت تشابه Ava مع Eve (حواء بالإنجليزية)، والشىء المرعب جدا بخصوصها، هو كونها على مشارف الظهور فعليا في عالمنا، إن لم تكن موجودة بالفعل حاليا في مركز أبحاث ما.
أداء وصوت أليسيا فيكاندير، الذي يجمع بين الجانب البشري الأنثوي، والجانب الآلي، بالإضافة للتصميم الشكلي الماكر، الذي يفرض على المُشاهد التركيز في تعبيرات الوجه البشرية، دون أن ينسى لحظة أصلها كروبوت، بفضل استخدام تصميم مختلف لباقي الجسم، عناصر جعلت الشخصية من علامات العام التي لا تنسى.
قبل أن يشتهر مركز التجارة العالمي بكارثة هجمات ١١ سبتمبر، ويرتبط اسمه للأبد باسم إرهابي من نوعية بن لادن، ظل هذا المبنى مشهور بواقعة لطيفة أخرى في ٧ أغسطس ١٩٧٤. عندما قرر المُغامر والفنان الفرنسي فيليب بيتيت، التسلل سرا إلى المبنى قبل انتهاء مراحل بنائه، وتعليق كابل بين البرجين، لتقديم فقرة السير على حبل من ارتفاع مرعب يتجاوز الـ ١٠٠ طابق!
ليفيت صاحب حضور جذاب، يتمتع بوجه وسيم، وروح تمزج بين الرجل المثابر، والصبي المراهق المتهور، مع قوام رياضي وخفة ظل واضحة، ازدادات قوتها بلكنة فرنسية لا أستطيع تقييم درجة دقتها لغويا، لكن ساهمت بالتأكيد في منح الشخصية طابعا كوميديا.
والشىء المهم جدا بخصوص فيليب بيتيت سواء في الواقع أو في الفيلم، هو كونه فنانا حقيقيا، لم يدّعِ وقتها أن مغامرته من أجل نصرة السلام العالمي، أو أي غرض إنشائي بائس من هذا النوع، لاكتساب معنى ووزن إعلاميا، فعلها لأنه استمتع وهو يفعلها، تماما مثلما استمتعنا معه طوال الفيلم.
من الصعب جدا أن تسرق الأضواء من نجم موهوب صاحب تاريخ طويل مع الجمهور، البريطاني مارك ريلانس الذي قام بدور الجاسوس السوفيتي في فيلم سبيلبرج الأخير، لم يسرق الأضواء من أى نجم، بل سرقها من هرم النجومية في عالمنا المعاصر، من توم هانكس.
درجة السكون والتركيز في أدائه في مشاهد البداية، التي تتكفل بدون حوار، بإمدادنا بالكثير والكثير عن الشخصية وطباعها، من حيث الصلابة والولاء، يعقبها لمسات خفة ظل بسيطة لا تفسد أو تمحو الطباع السابقة، وعندما يسأله بطل الفيلم (توم هانكس) باستمرار عن أسباب عدم قلقه، رغم صعوبة موقفه كجاسوس مسجون، يُكرر دوما إجابة واحدة. وفي كل مرة يزداد تأثيرها مرح وفاعلية عما قبلها.
مارك ريلانس صاحب تاريخ مسرحي طويل وسينمائي بسيط، لكن هذا على وشك التغيير بعد هذا الدور الذي سينال عنه ترشيح أوسكار غالبا. مؤخرا انتهى من تصوير The BFG فيلمه الثاني مع سبيلبرج، المنتظر عرضه في صيف ٢٠١٦. ويقال أنه وسط مفاوضات حاليا مع المخرج كريستوفر نولان، للظهور في فيلمه الحربي الجديد Dunkirk المقرر عرضه في صيف ٢٠١٧.
اقرأ أيضا- أهم ٢٥ فيلم مغامرات وفانتازيا في ٢٠١٦
للمرة الأولى والأخيرة سأكسر القواعد في هذا المقال. الفيلم مجرد عمل قصير مستقل، لا تزيد مدته عن نصف ساعة، لهاوي سويدي اسمه ديفيد ساندبيرج، ينحصر تاريخه في إخراج بعض الفيديو كليب والإعلانات المتواضعة. هذا من حيث الانتاج. لكن من حيث الجينات هذا فيلم هوليوودي قلبا وقالبا.
كونج فيري ضابط الشرطة المتخصص في مكافحة الجريمة، رسالة تحيةً إلى كل ما أحببناه في حقبة الثمانينات. فترة أفلام المغامرات والأكشن الدرجة الثانية الموجهة مباشرة لسوق شرائط الفيديو.. الكونج فو.. الحوارات الساذجة الرخيصة.. الملابس وتسريحات الشعر.. القسوة المفتعلة والصوت الذكوري الخشن.. القدرات البدنية المبالغ فيها التي تنافي أي منطق.. الخ.
الشخصية امتداد ساخر لشخصيات نجوم أفلام الأكشن الدرجة الثانية من أمثال شاك نوريس - فان دام - دولف لندجرين - ستيفن سيجال. مع طابع صبياني تم تتويجه بربطة رأس وشعر منسدل، للتذكير بشخصيات مثل Ninja Turtles - Karate Kid. أداء ساندبيرج الصلب مصدر كوميديا ممتاز، خصوصا عندما يصطدم دقيقة بدقيقة بشخصية أكثر عبثية منه، وهو ما يحدث طوال الفيلم تقريبا.
بينج بونج هو صديق الطفولة الخيالي، للطفلة رايلي بطلة فيلم بيكسار الأخير، الذي تدور أغلب أحداثه داخل العقل. وكعادة الأطفال اختارت له شكل لطيف، يمزج بين الفيل والانسان، مع لون محبب جدا للبنات.
ما يجعل بونج شخصية مؤثرة، هو كونه كيان مترابط جدا مع ذكريات طفولتنا، مهما اختلف الشكل والاسم. اللعبة التي تخيلناها حية يوما ما.. أو الشخصية التي رسمناها باستمرار في هامش الورق، في سن البراءة.
بونج لا يظهر كثيرا في الفيلم، لكن صوت ريتشارد كايند الدافىء الأبوي، كفيل بترك بصمة في كل مشهد. والأهم من هذا أن بونج الخيالي سيتصرف كصديق حقيقي، ويضع سعادة صديقته التي نسته تماما، فوق أى اعتبار في مشهد من أفضل مشاهد العام. أو لمزيد من الدقة: في مشهد أبكاني فعلا داخل قاعة السينما.
الملايين تعرف الكثير والكثير عن حياة ستيف جوبز، مؤسس شركة Apple الراحل، والفيلم ليس أول عمل عنه. لكن جوبز الذي عرفناه في البورترية الذي أبدعه السيناريست أرون سوركين، وأخرجه داني بويل، أكثر اثارة من كل المعالجات السابقة، سواء الروائية أو التسجيلية.
أيا كان تصنيفك لـ جوبز: عبقري.. وغد أناني.. مصاب بجنون العظمة.. مريض نفسيا.. عصامي مكافح.. مدير استثنائي.. شخص صاحب رؤية.. دجال لا يجيد إلا اللعب على الإعلام.. دكتاتور يرى المحيطين مجرد عبيد.. انسان طيب لكن غير قادر على التواصل مع الأخرين.. ستجد في الفيلم ما يدعم تصنيفك.
فاسبندر بلسانه الحاد وحيويته التي لا تتوقف لحظة طول الفيلم، اختيار مغناطيسي أكثر من ممتاز للدور، رغم ضعف الشبة شكلا. على ضوء مشاهداتي حتى لحظة كتابة هذة السطور، أراه الأقرب للأوسكار هذا العام.
BB-8 إمتداد للروبوت القديم R2-D2 في سلسلة حرب النجوم. كيان مادي ملموس متواجد أمام الممثلين أغلب الوقت في الأستوديو، بدون ألاعيب جرافيك أو خلافه. شخصية لطيفة تراها على الشاشة، وترغب في احتضانها وامتلاكها!
طالع أيضا- Star Wars: The Force Awakens.. صحوة القوة أم استنساخها
سيناريو جي جي أبرامز يمنحه الكثير من المرح والأهمية في الأحداث، ويمكن اعتباره موجز لأهداف الفيلم ككل إنتاجيا. أولا إشباع نوستالجيا الجمهور (ولاحظ هنا طبيعته الصوتية وتصميمه وألوانه وردود أفعاله، القريبة من الروبوت القديم). ثانيا تقديم نسخة أحدث، على ضوء القدرات التكنولوجية المسموح بها في 2015 (ولاحظ مرونته الحركية التي تسمح مثلا بالجري). وأخيرا توظيف ارتباط ملايين المتفرجين عاطفيا به أثناء المشاهدة، لبيع موديلات أصغر، يمكن تحريك بعضها بالتابليت والموبيل!
لدى شبة يقين أن ألاف الأباء والأمهات، اشتروا مؤخرا النسخة الأخيرة التي تتكلف ١٥٠ دولار، متعللين برغبة أطفالهم، رغم أن الصفقة تمت بناء على رغبتهم هم بالأساس!.. BB-8 عودة مجيدة لفن الدُمى والمجسمات، في عصر سطوة الجرافيك. والشىء المؤكد مع مبيعاته الحالية، أن هذا الفن الذي أوشك على الانقراض، وجد بفضله طوق نجاة مهم في هوليوود ٢٠١٥.
عضو عصابة (جوو الخالد Immortan Joe) يستحق المركز الأول عن جدارة، رغم صغر مساحة ظهوره زمنيا، وحقيقة أنه لا ينطق كلمة واحدة أبدا خلال الفيلم!.. وبالمناسبة يلعب دوره عازف جيتار استرالي حقيقي (آيوتا).
جورج ميللر السيناريست والمخرج، أبدع ميثولوجيا هوليوودية متكاملة، لعالم ما بعد الخراب المستقبلي (دستوبيا). في هذا العالم امتداد لكل ما نعرفه عن عالم الأساطير القديمة. عازف الجيتار هو نسخة هذا العالم الدستوبي، التي تعادل قارعي الطبول وعازفي البوق، في الحروب التاريخية.
وظيفته نفس الشىء. نقل أوامر القائد الأعلى لباقي الجيش عن طريق نغمات الموسيقى. ورغم أننا لا نعرف أى شىء عن ماضيه خلال الفيلم نفسه - وغموضه عنصر رفع وزن الشخصية بالمناسبة - صرح جورج ميللر بأنه كتب قصته كاملة، مثل باقي الشخصيات، على مدار أكثر من ٢٠ عاما أمضاها في اعداد الفيلم!
قصة عازف الجيتار أنه وُلد لأم عازفة موسيقى، في أسرة سعيدة. لاحقا تم قتل الأسرة وهو طفل، وألقى القاتل رأس الأم المقطوع في حجره. الطفل ظل محتفظا بالرأس وهو يبكي، الى أن وجده (جوو الخالد) نفسه.
روايتان لم يحسمهما ميللر في باقي وصفه. الأولى أن الطفل صنع لنفسه هذا القناع الذي يرتديه في الفيلم، من وجة أمه الذي سلخه من الرأس. والثانية أن جوو الخالد نفسه، هو الذي قام بهذة المهمة!
وبالطبع لا نعرف الى الأن لماذا هو أعمى؟. ستلاحظ في آخر مشاهده في الفيلم أثناء العراك الأخير، أن القناع يسقط تاركا خلفه وجة أبيض شاحب، وعينان تم انتزاعهما.
على كل السبب الرئيسي الذي وضع عازف الجيتار الأعمى في صدارة القائمة، هو درجة امتزاجه بالجو العام نفسه. درجة الجنون التي يضيفها بملامحه ووجهه وجيتاره، الذي يصدر نار!.. درجة تداخل كل ما سبق بفضل المونتاج والمكساج الدقيق، مع الموسيقى التصويرية العنيفة لـ جانكي إكس، لتقديم تجربة سينمائية جنونية فريدة، لا يمكن مقارنتها بأى عمل أخر في ٢٠١٥. وربما في العقد ككل.
عازف الجيتار الأعمى هو التفصيلة الصغيرة البارعة جدا جدا، التي يمكن أن تضيف حدة وقوة على عمل أكبر منها بكثير. أو بطريقة أخرى للتبسيط، الشطة التي تكفل نقاط قليلة منها، لتحويل طبق الكشري الى وجبة نارية!
جورج ميللر الذي احتفل بعيد ميلاده الـ ٧٠ في مارس الماضي، يعرف ما يفعله. ربما سيتكفل الزمن بتغيير وتعديل الكثير من الانطباعات والأراء السابقة، لكن حاليا بمجرد أن يذكر أحدهم جملة (أفلام ٢٠١٥)، يقفز لذاكرتي فورا أولا وقبل أى شىء، هذا العازف المجنون ومشاهده الجهنمية.
شارك برأيك- ما هي أكثر شخصية سينمائية علقت في ذاكرتك من كل أفلام ٢٠١٥؟