الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

١٠ أغنيات للرجل الذي هبط على الأرض ديفيد بوي: "يا غرباء العالم اتحدوا"

عندما يتحدث المرء عن الغرابة والغرائبيات، فإن ذكر رموز الروك أند رول والهيفي ميتال يأتي دوماً في المخيلة، كون هؤلاء هم الذين تحدوا العالم، وخلقوا أراض من الغرابة والريبة، ضموا إليها كثير من الوحيدين والمحرومين والمنبوذين.

استيقظ العالم اليوم على خبر موت نجم الروك البريطاني، القادم من كوكب آخر، ديفيد بوي David Bowie، بعد صراع مع مرض السرطان، موتة هادئة لرجل طالما عاش حياة صاخبة، كسر فيها قواعد الجندرية والذكورة وخلق لنفسه اسماً، نجح به في أن يكون أيقونة لكل مراهق أو مراهقة شعرا يوماً بالاغتراب في عالم مألوف زيادة عن اللزوم.

الحرباء، المتحول Shape shifter، والكائن الفضائي ديفيد بوي لم يتوان عن أي شيء. من ارتداء فستان على المسرح، لتصفيف شعره وصبغ ال mullet بالألوان الزاهية الفاقعة، مروراً بالماكياج وإشعال المسرح بحركاته الصاخبة الماجنة، جرب كل الأنماط الموسيقية وحطم أرقام المبيعات بأغنية تلو أغنية، وخلد في القلوب بجسده الواهن النحيل والذي حمل طاقة جبارة، عكستها نظرات عينيه التي تحمل غموض وعبث الدنيا كلها.

نحن نتكلم عن رجل أصبح أيقونة في عالم الموضة، والجنس، والموسيقى، والفن بصورة عامة، حتى التمثيل، ترك عليه بصمته من دوره في علامته السينمائية The Man who Fell to Earth (١٩٧٦)، إلى أدواره المميزة في أفلام (١٩٨٣) The Hunger، (١٩٨٦) Labyrinth ، (١٩٨٨) The Last Temptation of Christ، (٢٠٠٠) Zoolander و The Prestige (٢٠٠٥) الذي قام فيه بدور نيكولا تسلا عالم الفيزياء الشهير.

تكلمت أغاني بوي عن معنى الوحدة والاغتراب، عن المغامر بجنسانيته وجسده، عن رائد الفضاء بعيداً عن الأرض، عن المجانين والمنبوذين والمضطربين نفسياً. إطلالاته على المسرح تنوعت ما بين الشطط والتجريب، بعيداً عن الصورة النمطية الذكورية حتى على صعيد نجوم الروك، فوقتها، في السبعينيات كان من الصعب أن تجد رجلاً يرتدي ملابس غير مجنسنة، لا توحي بجندره أو تلقي إحالة على نوعه، بينما اليوم هذا أصبح طبيعياً. وعلى صعيد عارضات وعارضي الأزياء الآن أمثال روبي روز وجادن سميث، يمكنك أن تلمح ملامح من الـ Androgyny ولي عنق الجندرية في ارتداء الملابس التي بدأها بوي منذ أكثر من أربعين عاماً فظهر في وقت لم يكن مدعوماً فيه من أي جهة، كسر القيود والقواعد فألهب قلوب المعجبين وأثار عواصف من الانتقادات والجدل أينما رحل ليحيي حفلات حول العالم.

عاش بوي أكثر من حياة، من خلال شخصيات الأنا الأخرى Alter-ego القرائن التي دأب على التعايش من خلالها مع العالم. فمن Ziggy Stardust المبهرج المفرط في الأنثوية، إلى Thin White Duke الغارق في الاعتيادية والسوداوية، والذي أطل على العالم أثناء ذروة صراع بوي مع إدمان الكوكايين، إضافة إلى Major Tom المتحرر من قيود الأرضية والذي لفظ به بوي آخر رابط يربطه للأرض، الانتماء للكوكب ذاته، فكأنما تمرد بوي تخطى حدود الجسد والنوع إلى كيانه المادي ذاته.

لا يمكن حصر أغنية أو اثنتين مفضلين لبووي، لكن هذه الأغاني العشر –في نظر كاتبة السطور- قد محاولة لاكتشاف أبرز ما قدم من حيث تحطيم قيود النوع والشكل، والاعتماد على كونه الوعاء الذي يستطيع من خلاله إبهار المشاهد، والتوحد مع المستمع:


" frameborder="0">
هذه الأغنية قد تكون أكثر أغاني بوي شهرة للجيل الحالي، نظراً كونها ساوندتراك محوري لأحداث فيلم ال coming-of-age الأمريكي الشهير The Perks of Being a Wallflower، في مشهد الطيران عبر النفق في سيارة باتريك وسام مع صديقهما توم، حينما ترفرف سام بذراعيها كأنما تطير بينما تعلو بجسدها خارج السيارة، عندها يقول تشارلي أشهر جملة في الفيلم "أشعر أنني بلا قيود" I feel I am infinite.

هذا هو ما تجعلك أغنية Heroes تشعر به؛ الحرية، اللانهائية، القوة التي تكتسبها من كونك أنت. يمكننا أن نكون أبطال، ليوم واحد فقط. يمكننا أن نكون نحن، ليوم واحد فقط. وفي تمسكنا بذاتيتنا، نجد الخلود.

الغريب أن هذه الأغنية لم تنجح وقت صدورها، لكنها أصبحت من علامات مشوار ديفيد بوي، خصوصا مع مطلع التسعينيات. وهي تتكلم عن حبيبين، يفرقهما سور برلين. على الرغم من أن كلمات الأغنية غارقة في الانتصار والرومانسية، إلا أن بوي وضع العنوان بين علامات تنصيص لإضفاء سخرية على الموضوع وعلى كون الحبيبين بطلين من أساسه، مطلقاً العنان لروح الكائن الفضائي العابث داخله.


" frameborder="0">
الظهور الأول لشخصية ماجور توم Major Tom وبداية نجاحات بوي المدوية. هي علامة فارقة في مشواره الفني، كونها أيضاً أول أغنية يتم تصوير cover لها في الفضاء الخارجي عام 2013 على يد رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد.

ليس غريباً اكتشاف تأثير فيلم أوديسا الفضاء: 2001 لستانلي كوبريك على هذه الأغنية، سواء في التصوير أو حتى المقدمة للحن والتي تستلهم من "هكذا تكلم زرادشت" مقطوعة ريتشارد شتراوس الساحرة عنواناً لها. من اللافت للنظر أيضاً مدى ملائمة تاريخ إصدار هذه الأغنية لأول هبوط على القمر من الرحلة أبولو 11، فقد أصدرت قبل الهبوط بخمس أيام، مما يدل على بصيرة بوي التنبؤية في أي أمر يتعلق بالفضاء الخارجي.

تلك الأغنية الغارقة في الوحدة والانعزالية، والتي تمثل في نفس الوقت حلم البشر التواق لمغادرة الأرض، والبحث عن وطن خارج الحدود الكوكبية، هي النغمة التي قد يتخيل معشوقي بوي أنه يرحل بها لمكان آخر بعد أن غادر عالمنا. هناك حيث الشمس والقمر والكواكب والنجوم، يمكنك تخيل ماجور توم وحيداً، يسبح في الفضاء، رحلته مزيج من توهان وانبهار، يشعر بضآلته وتفوقه حتى على القيادة التي يرسل لها التقارير الصوتية. من الذي قد يستمع إلى هذه الأغنية ولا يشعر بروعة الوحدة، ومدى قدرتها على العبث في مكامن الاكتشاف لدى الغريب المعلق على الأرض؟ كلنا أبناء الوحدة المحبوسين في هذا الكوكب البالي ندين بالفضل لماجور توم أينما كان.


" frameborder="0">
أكد مطرب الهيفي ميتال والروك المثير للجدل مارلين مانسون، أن هذه الأغنية بالذات لبوي هي التي جعلته يدرك أنه أكثر من مجرد أيقونة في عالم موسيقى الروك. وصرح في تعليق له على موت بوي في مجلة الرولينج ستون الشهيرة "لقد كان يستخدم القصص كقناع ليعري روحه لنا، هذا الاكتشاف غير حياتي للأبد."

غلاف الألبوم الذي تحمل الأغنية عنوانه، أظهر بوي عاريًا، بنصف جسد انسان، ونصف كلب، بريشة الفنان البلجيكي Guy Peellaert وقد تبدى شعره الأحمر الناري وماكياجه الصارخ، بمثابة احتجاج على النمط، وتمهيد لشخصية Halloween Jack التي اتخذها بوي في هذه المرحلة.

في الأغنية، يعتلي Halloween Jack قمة ناطحة سحاب، بينما يطل على مانهاتن ما بعد نهاية العالم. يتحرر بوي من خلال مشروعه الغنائي كله، لا من الهوية الجنسية فقط لكن من الهوية الانسانية كلها، فهو معلق بين الفضاء الخارجي والأرض، بين الوحش والانسان، بين الرجل والمرأة، ليس له انتماء لأي من التصنيفات الأرضية ولا يهتم بالانضمام لها.


" frameborder="0">
كثير من الناس يتنبأون بموتهم، يستشعرون قرب النهاية، لكن قليلون أولئك الذين يستطيعون نقل تلك اللحظة للأحياء، من علقوا بهذا العالم في جهل عما يمكن أن يعنيه الموت والحياة.
لحن الأغنية قاتم وكابوسي للغاية، بمثابة تأبين يصنعه بوي لنفسه. وبمثابة تذكار يهديه لمحبيه حول العالم، والذين سبب رحيله لهم وحدة ما بعدها وحدة. هي أطول أغنيات ألبومه الأخير Lazarus والذي تقطر أغانيه ألماً، وتشرح معاناته مع جحيم المرض، ورغبته الأخيرة في تحول طاقته لكيان يتعدى أبعاد الأرض والفضاء.

فيديو الأغنية مؤلم للغاية، خاصة عند مشاهدته بعد وفاة بوي، قناع الموت، الأرواح المعذبة، الفضاء الأثير بكل ما فيه من حرية ووحشة، جثة متعفنة، لا يمكن أن يتخيل أي من الذين آمنوا بالرجل الذي هبط على الأرض أنها ما سيؤول لها، لكنه سيصبح –كما يحلم ويخبرنا كي نروي عنه من بعده- نجم أسود، قد يبتلع النجوم الأخرى في الفضاء، لكنه حتماً، خالد.


" frameborder="0">
من عادة بوي أنه لا يترك مواضيع معلقة، وهو هنا يسدل الستار على قصة ماجور توم بصورة سوداوية حزينة، تظهره بعد أن كان رائد فضاء حر يستكشف النجوم، إلى مجرد مدمن على رحلات الفضاء والتعلق خارج مجال الأرض.

الفيديو كئيب الطابع، شديد الشهرة والجاذبية، يظهر بوي مرتديًا زي شخصية البانتومايم الأشهر بيرو Pierrot، وهو الزي الذي سيميز مرحلته الفنية الخاصة بألبوم Scary Monsters (and Super Creeps) كما ستميزها مشهده وهو يسير إلى جانب شباب موجة البليتز ومن وراءهم بلدوزر يكاد يجرفهم في طريقه. الأغنية أيضاً مصممة بحيث تشبه قليلاً أغاني المهد، والتي كانت –في نظره- تكرس لثقافة الخوف من المجهول والآخر عند الطفل، فماجور توم على الرغم من بؤسه في هذه اللحظة إلا أنه لم يخف الآخر ولا المجهول، وبهذا تحدي للثقافة التربوية ذاتها.


" frameborder="0">
ليست هذه بأفضل أغاني بوي حسب النقاد والمستمعين سواء، لكن المقدمة بالجيتار البايس الثقيل لتوني فيسكونتي تدخل المستمع في عمق التجربة، والتي يتحدث فيها بوي عن انشطار ذاته، وتعدد الشخصيات في أعماقه، مما دفع الكثير من النقاد الموسيقيين إلى محاولة فهم معنى الأغنية حرفياً، وعجز معظمهم عن هذا.

لأغنية شديدة التعقيد على أكثر من مستوى مثل The Man who Sold the World، كان لزاماً أن يصبح ال cover الذي تصدت له فرقة نيرفانا همزة الوصل بينها وبين جمهور أعرض عندما قدموها في برنامج MTV Unplugged عام ١٩٩٣.

وما بين غناء كيرت كوباين وديفيد بوي للأغنية الغرائبية التي تتكلم عن رجل التقى بقرينه، تحدث الجميع عن تأثر الأغنية بأعمال الرعب القوطي ل H.P. Lovecraft أو بقصص رعب وأشعار أخرى تنتمي لعالم الخيال العلمي الذي لا يجد بوي نفسه إلا فيه. لكن الأغنية بعيداً عن كل هذا وذاك، تتحدث عن الاغتراب الذي عاشه بوي ومازال الملايين من بعده يعيشونه كل يوم في ألف شخصية يبنونها ويرسمونها لأنفسهم، محاولة منهم للتعايش مع العالم، ومع ذواتهم.


" frameborder="0">
أغنية التحدي للنمط الجندري، متمردة وعنفوانية، ذات لحن أشهر يعرفه كل من لا يعرفون بوي من المستمعين العاديين. واللحن على غير عادة بوي مرح، راقص، لكنه كما عودنا شديد التحدي. في الأغنية، يعلن بوي عن حبه لهذه الشخصية التي حيرت أمه(ا) نفسه(ا):

You've got your mother in a whirl
She's not sure if you're a boy or a girl

وعلى الرغم من لهجته العنيفة نوعاً مع من يحب، إلا أنه يعلن حبه دون النظر لتلك الفوارق التي تجعلهما يختلفان عن الآخرين، بل إنها تجعل علاقتهما أكثر قرباً لآلهة، خاصة عندما يرقصان وتلاحقهما العيون –مستاءة كانت أو معجبة. يقال أيضاً أن بوي استلهم فكرة الأغنية من صديقه الممثل الأمريكي التراسيكشوال Wayne County، والذي كان ضمن شلة بوي في هذا الوقت.


" frameborder="0">
ذاتية بوي أحد أهم مميزاته، ونجاح مشروعه يكمن في تمسكه بال "دعبسة" داخله ليخرج أفضل ما عنده من مشاعر معقدة ومتشابكة وصادقة في نفس الوقت.

لكنه هنا يستلهم حياة أخيه غير الشقيق المعذبة، والتي عانى فيها من السكيزوفرانيا وانتهت بانتحاره. تجسدت تلك المعاناة في أغنية تمزج ما بين الروك والجاز ممثلاً في ترومبيت ليستر بوي –لا يقرب لديفيد.

أما عن الفيديو المصاحب لـ Jump They Say فالتأويلات لا تنتهي، من جان لوك جودار لفرانز كافكا لبرتقالة ستانلي كوبريك الإلكترونية. لا ندري هل أدرك بوي الصراع الذي كان يعتمل في نفس أخيه القلقة عن معرفة بما كان يدور في ذهنه حقاً، أم أنه ترمومتر حساس، يسير في الأرض ليقيس مدى المعاناة التي يتعرض لها الانسان المعاصر، ومدى الضغوط التي تواجهه، والتي لا يجد لها حلاً سوى بالقفز من على سطح المبنى الذي يعمل به؟ هي ثورة إذاً، على دائرة العمل التي لا تنتهي، على قوة الدفع التي تجبر الانسان أن يكون ما لا يريد، وما لا يقدر عليه، على الوجود ذاته مادام مشحوناً بالبارانويا والألم، على الذات.


" frameborder="0">
جمال هذه الأغنية لا يكمن فقط في الاستخدام المبهر للآلات الموسيقية، والذي أبدع فيه بوي متعاونًا مع موسيقيين بشهرة Lenny Kravitz، لكنها أيضاً الساوندتراك لتمثيلية من أربع أجزاء بنفس العنوان، تتحدث عن الهوية العرقية لمراهق في السابعة عشر من عمره –يقوم بدوره وقتها نجم مسلسل Lost الشهير Naveen Andrews- لأم إنجليزية وأب باكستاني، يحاول اكتشاف هويته وجذوره في لندن السبعينيات، والتي اكتظت عن آخرها بالهيبيز، والبانك، والسكين هيد skinheads، والسويدي هيد suedeheads.

هنا يتصدى بوي أيضاً لقضية الهوية، وإبداعه في الألبوم المعنون The Buddha of Suburbia يعكس مدى اهتمامه واستمتاعه بهذا المشروع الغنائي. تلك الإضافة الغنائية أثرت العمل الفني، وأبرزت أيضاً تكامل مشروع ديفيد المنقب عن كل ما يتعلق بكسر قوالب الهوية سواء عرقية أو جنسية أو انسانية.


" frameborder="0">
Ziggy Stardust وAladdin Sane، السبعينيات هي فترة مجد بوي، والمرحلة التي سطر عليها اسمه بحروف جليتر لامعة، تمهيداً لأن يغزو العالم بشخصياته المتعددة واستعراضاته المسرحية المبهرة، ضارباً عرض الحائط قواعد الموضة والشكل.

هذه الأغنية شهدت بداية أحد قرائنه الأشد أهمية، Aladdin Sane أو كما تفسر أحياناً A lad insane ؛ فتى مجنون. قيل أن الشخصية مستوحاة من أخيه غير الشقيق تيري، أو أنها مجرد تنويعة على الشخصية الأشهر Ziggy Stardust.

غلاف الألبوم بصورة بووي وشعره الأحمر وخط البرق الذي يمتد بالطول على وجهه وقد غرق في الألوان الصاخبة، يعد من أشهر الإطلالات في تاريخ الموسيقى، وهي إطلالة أصبح الكثيرون يقلدونها في حفلات الهالووين، هوساً بالمطرب المحبوب.

The Jean Genie هي باختصار جزء من رحلة Ziggy Stardust لأمريكا، والتي سجلها بووي بينما هو يسافر على الطريق، وأصبغ عليها شخصية Aladdin Sane الجديدة.

Lazarus – 2016
على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لم نرَ حزناً مثل الذي قابله رحيل بووي. صلوات هندوسية وأدعية إسلامية وتعاويذ ويكانية وتراتيل مسيحية من جميع أنحاء العالم وبكل اللغات. على اختلاف الأمنيات والمذاهب، توحدت القلوب على هدف واحد؛ أن يجد بووي مكاناً له بين النجوم التي كان يحلم بالانتماء لها.

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى