مع الأسف لم تكن أغلب الأعمال الدرامية تركز على الثورة نفسها وأحداثها، بل انحصر تناولها إما في تناول ما أدي إلى إندلاع الثورة و أسبابها كمسلسل "المواطن إكس" ومسلسل "موجة حارة"، ومسلسل "باب الخلق"، ومسلسل "ابن النظام"، ومسلسل "على كف عفريت"، ومسلسل "تحت الأرض".
أو تناول الثورة كحدث يختم الدراما ونقطة نهاية في الحبكة كمسلسلات مثل "ذات" و الذي أفرد حلقاته الأخيرة لأحداث الثورة واندلاعها، أو مسلسل "زي الورد" ومسلسل خاتم سليمان ومسلسل "آدم" ومسلسل "أستاذ ورئيس قسم".
أما القلة الباقية من الأعمال التي تناولت الثورة كحدث اتخذت من الثورة نقطة انطلاق للأحداث الدرامية وفي رأيي هي الأنضج بين كل من تعرض لـ25 يناير مثل مسلسل " طرف ثالث" أو مسلسل "اسم مؤقت" أو حتي مسلسل "أزمة سكر"، أو مسلسل "العراف".
الخلاصة أن كل تلك الاعمال الدرامية تاجرت بشكل أو بآخر بفكرة الثورة، وربما تكون متاجرة مشروعة و لا يمكن تضمينها أي مدلول سلبي، كل ما هنالك أن أحدهم لم ينتظر حتى تتضح الرؤية بشكل كامل كي يقدم وجهة نظر كاملة وغير مبتسرة، الكل تعجل في إضافة الثورة لأحداث مسلسله، وربما يستثني من الأمر نوعان من الأعمال، وهي الأعمال التي تتعرض لأسباب قيام الثورة بالأساس دون الخوض في أحداثها، مثل " موجة حارة" وتحت الأرض وخاتم سليمان"، أو الأعمال التي بالفعل تناولت الوضع بعد قيام الثورة مثل مسلسل "اسم مؤقت ومسلسل طرف ثالث" أما البقية فكانوا فريسة لمراهقة فكرية حاولت إقحام الثورة في أحداثها أو خلق فكرة درامية تدور حول الثورة دون أن تكون هناك رؤية واضحة أو محددة في تناول الحدث نفسه.
بينما كانت السينما هي الأفقر في تناول الثورة فبين أفلام قليلة تناولت ثورة 25 يناير هي فرش وغطا للمخرج أحمد عبد الله، والشتا اللي فات للمخرج إبراهيم البطوط أو الجماهيري منها كحظ سعيد للكاتب أشرف توفيق والمخرج طارق عبدالمعطي وفيلم بعد الموقعة تأليف عمر شامة ويسري نصر الله وإخراج يسري نصر الله، إضافة إلى فيلم محمد سعد "تك تك بوم"
وفي حالة وضع العملين- بعد الموقعة وحظ سعيد- في مقارنة من حيث تناول الثورة كفكرة وأحداثه نجد أن حظ سعيد كان أعم في التناول حتى وإن كان تركيزه على سعيد المقهور و الذي يحاول في البداية الاستفادة من الأحداث والمجهل بحجم الموقف و القضية وأبعادها و تحولها للاتجاه الثوري، وهو التحول الذي حمل صفة المثالية الشديدة و التي عابت الشخصية والشخصيات التي قدمت شخصيات الثوار أو معتصمي الميدان، وعلى الرغم من محاولة صناع الفيلم مناقشة الحدث من الجانبين الثائر على الأوضاع و المستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه و كشف جزءاً من الفساد الذي كان يدور في البلاد قبيل يناير 2011، إلا أن المثالية التي تحدث بها الفيلم كانت وراء سقوطه في اختبار العرض الجماهيري.
بينما فيلم بعد الموقعة والذي قرر أن يركز أكثر على حدث محدد وهو موقعة الجمل، ويقوم بالغوص رأسيا في الحدث وأبطاله من أهالي نزلة السمان الذين اقتحموا الميدان بخيولهم و جمالهم محاولين فض الاعتصام، ومعاناة أحدهم بعدما افتضح أمره وبعد زوال النظام الحاكم، ربما يكون أكثر الأعمال التي تناولت جانبا من الثورة بشكل مكثف دون الانجراف وراء شعارات رنانة أو محاولة مناقشة القضية على نطاق أوسع أو مناقشة كافة الأحداث التي مرت بها مصر منذ 25 يناير وحتي يوم التنحي و هي فترة الموجة الاولي من الثورة المصرية و التي شهدت موجات عديدة وستشهد غيرها في الغالب.
وربما كان ينقص صناع تلك الأعمال شيء من التروي حتى يستطيعوا تقديم عمل فني يحمل فكرة مكتملة أيا ما كانت، دون الوقوع في فخ الاستعراض السريع للحدث أو الخطابة والوعظ، أو تكوين رأي مبتسر، فعلى سبيل المثال حدث مثل نكسة يونيو عام 1967، لم يتم مناقشته سينمائيا بهدوء وتروٍ إلا في فيلمي العصفور و الذي أنتج في عام 1972 أي بعد 5 سنوات من الحدث نفسه، و "أغنية على الممر " و الذي أنتج في العام نفسه، فأصبحا بعيدين كل البعد عن لغة الخطابة.
وأيضا يمكن النظر لفيلم أبناء الصمت و الذي أنتج عام 1974، ليناقش الأوضاع الاجتماعية والسياسية والعسكرية أيضا خلال فترة حرب الاستنزاف والتي استمرت من 1968 وحتي 1970، فيبدو أن القاعدة هنا أن ينتظر المبدع حتي يختمر الحدث في رأسه ووجدانه قبل تقديمه للجمهور حتي يضمن ونضمن نحن لأننا نرى وجهة نظر ورأي مكتمل الأركان حتى وإن إختلفنا معه، لا أن يحاول المبدع استغلال وقت وقوع الحدث لتقديم عمل فني يتماشى مع متطلبات السوق فقط حتى وإن غابت الرؤية.
Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by