الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

The Hateful Eight.. ألغاز أجاثا كريستي وحمام دم تارنتينو!

  • 1/4
  • 2/4
  • 3/4
  • 4/4

"عندما يسألني أحدهم عما اذا كنت درست في معاهد سينما، أجيبه بـ (لا). درست في الأفلام نفسها"

العبارة السابقة من أشهر مأثورت السيناريست والمخرج الأمريكي كوينتن تارنتينو. الرجل الذي درس السينما عن طريق مشاهدة ألاف الأفلام، وأمضى فترة الثمانينات كلها كموظف في نوادي تأجير شرائط الفيديو، قبل أن يبدأ مشواره الذهبي عام ١٩٩٢ بفيلم "كلاب المخزن" Reservoir Dogs ويواصل بعدها تألقه بفيلم "حكايات شعبية" Pulp Fiction.

ما يجعل للعبارة وزن باستمرار، هو طبيعة أفلامه نفسها. كل فيلم من أفلامه السبعة بلا استثناء، يعكس تأثر واضح بكلاسيكيات قديمة، وهو ما ينطبق على فيلمه "الثمانية المكروهون" The Hateful Eight المعروض حاليا.

شاهد- الإعلان التشويقي لفيلم The Hateful Eight (٢٠١٥)
" frameborder="0">

التأثر الأوضح هنا يتعلق بأستاذه الراحل سرجيو ليوني، الذي ترك بصمة واضحة على أفلام الغرب الأمريكي، كان أشهر لمساتها في "الطيب والشرس والقبيح" The Good, The Bad and The Ugly (١٩٦٦).

التأثر الثاني يتعلق بفيلم تارنتينو نفسه Reservoir Dogs (١٩٩٢) الذي دارت أحداثه عن مجموعة من المجرمين في مكان مغلق، تجمعهم أجواء متوترة بسبب شكهم في وجود خائن بينهم.

التأثر الثالث - والأقل وضوح - متعلق بفيلم الرعب "الشيء" The Thing الذي أخرجه جون كاربنتر عام ١٩٨٢ وهو فيلم يلعب بدرجة من الدموية والخيال العلمي على تيمة: شخصيات محاصرة في مكان واحد، وأحدهم وحش غير بشري سيقضي على الباقين. الكل بلا استثناء مشكوك فيه في مرحلة ما في الفيلم، وعلى المتفرج أن يشارك في لعبة التخمين والتشويق الدموية حتى النهاية.

الفكرة لو لاحظت تفريعة لمدرسة الروائية البريطانية أجاثا كريستي (من الجاني؟). وبالتالي لدينا هنا في الفيلم الثامن لتارنتينو، ما يمكن وصفه كقصة بوليسية شيقة لأجاثا كريستي، يتم اخراجها عن طريق سرجيو ليون، اذا تخلى عن وقاره وقرر تنفيذها بنزعة عبثية دموية تفوق الموجود في أفلام الرعب نفسها!

الأحداث بعد انتهاء الحرب الاهلية الأمريكية. صائد الجوائز (كيرت راسل) يصطحب مجرمة محكوم عليها بالإعدام (جينيفر جيسون لي)، لتسليمها للسلطات مقابل مكافأة. لكن كل شىء يتغير عندما تُجبره عاصفة ثلجية في الطريق، على الإقامة مؤقتا في مأوى مع آخرين (صامويل إل جاكسون - تيم روث - والتون جوجينز - مايكل مادسن - بروس ديرن - دميان بشير).

اذا كنت من جمهور تارنتينو يمكنك الأن استنتاج الأساسيات. لا أحد يقول الحقيقة.. الأجواء تتوتر.. الكل موضع شك.. الكل ضد الكل.. المسدسات تخرج.. والكثير من الدماء تتناثر. أو ربما الكثير جدا جدا هذة المرة!.. حمام دم قد يكون الوصف الأدق.

أضف للتركيبة بعض الألاعيب والتوابل المشهور بها مثل (التلاعب بالتسلسل الزمني للسرد والفلاش باك، والحوارات الطويلة، والشخصيات الغريبة، والاسقاطات بخصوص قضايا العنصرية)، وستعرف غالبا مواضع التسلية في الفيلم.

رغم هذا لا يرقي العمل ككل الى نفس معدل التسلية في أفلامه. والسبب الكثير والكثير جدا من المط والتطويل في النصف الأول، خصوصا مرحلة البداية قبل احتشاد الشخصيات في مكان مغلق. ملاحظة مؤسفة جدا عن فيلم يتحول في نصفه الثاني لقطار تشويق واثارة لا يتوقف.

أغلب الطاقم تعامل مع تارنتينو سابقا، لكن رغم اسم الفيلم يبرز ٣ بالأخص. الأول صامويل إل جاكسون الذي يستعيد أمجاده، بدور قد يكون الأهم منذ لقاءهم الأول في Pulp Fiction (١٩٩٤). شيء ما ساحر يحدث على الشاشات عامة، عندما ينطق جاكسون سطور حوار تخص تارنتينو!

الثاني كيرت راسل الذي فاز بشخصية جذابة ذات طابع كاريكاتيري شكلا وسلوكا، قام بتطويعها في هذا المسار أكثر وأكثر. ومن جديد يحافظ تارنتينو على سمعته كمخرج قادر على اعادة ممثل تم نسيانه لمسار الأمجاد، مع اختياره لـ جينيفر جيسون لي.

دور جينيفر المحوري يحتاج لنجمة صاحبة حضور خاص. نجمة تستشعر وجودها في المكان والأحداث حتى وهى خارج الكادر. وقد أعطت لتارنتينو ما أراد وأكثر، ونالت عن جدارة، ترشيح أوسكار كأفضل ممثلة مساعدة.

رغم جودة المحتوى الموجود بصريا، على مدار مدة العرض التي تناهز 3 ساعات، خسر الفيلم الكثير بسبب الدعاية والضجة التي أثيرت عنه منذ البداية، مع قرار تارنتينو بتصويره على خام نيجاتيف ٦٥ ملم، واستخدام عدسات ٧٠ ملم. تركيبة ينتج عنها نسبة أبعاد عريضة جدا ( ١ : ٢.٧٦) لم تستخدم منذ الستينات. لاحظ في الصورة نسبة العرض إلى الطول.

هذة الضجة رفعت سقف توقعات العديد من المتفرجين والنقاد، على اعتبار أن الفيلم سيشهد بصريا شىء لم نراه من قبل. اجمالا صورة الفيلم أكثر من ممتازة، بشكل يعكس خبرات تصوير اسم مخضرم مثل روبرت ريتشاردسون. وتستحق فعلا التواجد ضمن الـ5 مرشحين للأوسكار كأفضل تصوير، لكن تحفُز الكل بعد هذة الضجة منع العديدين من تذوق معالم تميزها.

البعض الأخر يرى التركيبة العريضة غير موفقة، لفيلم تدور أغلب أحداثه في مكان مغلق، على اعتبار أن مزاياها تخص عادة اللقطات الخارجية، التي تظهر فيها أبعاد مكان أو خلفيات، وهو رأى لا أتفق معه نهائيا.

النسبة العريضة أفادت الفيلم أكثر في المشاهد الداخلية، لأن طبيعة الحبكة تتطلب في مقاطع عديدة، متابعة حركة وأماكن تواجد عدة شخصيات داخل نفس اللقطة. بصفة عامة لا أعتبر التصوير هنا أفضل انجازات ريتشاردسون مع تارنتينو، لكن يظل بالتأكيد ضمن أفضل انجازات العام.

لمسة اينيو موريكون في الموسيقى التصويرية العنصر الأكثر تميز هذة المرة. والمفاجأة أنه لم يعد لتكرار ما قدمه سابقا مع سرجيوليوني. لا توجد أنغام بطولية أو لمحات تعظيم، لأن أبطال وأجواء الفيلم مختلفة. الموسيقى هنا أقرب لموسيقاه في The Thing (١٩٨٢). فيلم الرعب الذي تحدثنا عنه سابقا. ربما يرى موريكون شخصيات الفيلم كما يراهم مخرجه. مجرد طاقم أوغاد محبوس في مكان مغلق، يتحرك أغلبه بدوافع خطأ. اذا تأملت مسار تارنتينو عامة، ستلاحظ ربما أن هذة قد تكون نظرته للعالم ككل!

باختصار:
داخل هذا الفيلم الجيد جدا الذي تبلغ مدته ما يقرب من ٣ ساعات، تحفة ممتازة محبوسة تصرخ للخروج مدتها أقل بنصف ساعة أو أكثر. عمل أخر يستحق المشاهدة يحمل كل جينات تارنتينو وخصوصيتها. في الحقيقة يستحقها أكثر من مرة.

تابع حاتم منصور عبر Facebook

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى