الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

١٠ أغاني ثورية عن المرأة وللمرأة

الغناء عن المرأة يستلزم الحذر، فمجمل موضوعات الأغاني العربية عن العلاقات العاطفية، وما يتتبعه الحب من غرام وعشق –عذري- وهجر وخيانة وخصام. على صعيد آخر، هناك أغاني قمة في التسطيح للمرأة كجسد استهلاكي يحمل رسالة جنسية صريحة بلا تعمق في هذا الجسد ومكنوناته، فتصبح جل رسالة حرية المرأة في ممارسة الفن كما تشاء هي تسفيه هذه الحرية وهذا الجسد عن طريق ابتذاله في أغاني لا تستخدم سواه كحائط صد. في الخانة الأولى سنجد أغاني الذكور العرب بصفة عامة، ومطربات مثل نجاة وشادية وحديثا شيرين وأنغام. بينما في الخانة الثانية سنجد هيفاء وهبي وميريام فارس وقمر ودومينيك وغيرهن، وعلى صعيد الرجال سنجد جاد شويري مثلاً.

وما بين هذا وذاك، يبقى الفن المغاير الذي يحاول التطرق للمرأة بعيداً عن سجن الجسد، أو حتى مستخدماً ذلك الجسد تعبيرياً وإيروسياً، بدون استغلاله. يبغي هذا الفن الغوص في أعماق فكر المرأة أو جسدها، ما تريد وما تكره، ما تخاف وكيف تنغوي؟ في هذا المقال، نحاول فك الطلسم عن عدد من الأغاني التي تستخدم الثورة على النمط كوسيلة لتحرير المرأة من عباءة الصناعة الموسيقية الذكورية. كنا نتمنى استخدام صوت أم كلثوم ومشروعها الفني على الأخص كواحدة من أهم ركائز هذه الثورة النسائية اللاأنثوية، لكنها تحتاج إلى تحليل مشروعها الغنائي والانساني من منظور أكثر عمقاً من أن تحتمله هذه السطور.

" frameborder="0">

حامد سنو يغني لهذه المدموازيل التي قصت شعرها ألاجارسون، وتوحي هيئتها بكونها رجل، لا امرأة. من المعروف اهتمام فرقة مشروع ليلى –من ضمن موضوعاتهم العديدة- بالتلاعب بالجندر والهوية الجنسية واهتمامهم بالجنسنة sexualization للأغاني التي يغنيها رجل مع إضفاء دفقة من المشاعر التي تخلو منها الأصوات الذكورية العربية المعتادة (خوفاً من أن يوصموا بالخنوثة).

ليس هذا موضوع "إم الجاكت"، فالأغنية تتحدث عن فتاة أندروجينية يطلق عليها جزافاً في المجتمع مسترجلة، وقد تكون هي تحيد نوعية ملابسها وترفض جنسنتها من الأساس، ومن هنا اعتذار المطرب الشاب لها، على عكس السائد من السخرية من أي فتاة ترفض التقيد بالملابس النسائية والأسلوب النسائي في المشية والزينة، عندما غنى:

"خمنتك شاب يا مدموازيل، لا تواخذيني، باردون باردون".

" frameborder="0">

بعد أغنية السور والتي غنت فيها يسرا الهواري بلطافة ودلع بنوتة متمردة للرجل الذي وقف أمام السور وعمل "بي بي"، هي هنا تغني للأتوبيس الذي يطلِق "خرا" عليها بينما هي تسير وراءه في بطء. الأتوبيس هو مجاز لأي شيء يقف عائقاً أمام الفتاة المصرية الشابة؛ التقاليد، الروتين، الواجبات التي عليها عملها دون أن ترغب في ذلك. بالنسبة لكاتبة هذه السطور، كان الأتوبيس الذي "عمال يطلّع خرا" هي الوظيفة الحكومية الرتيبة التي تمنعني من المضي قدماً بحياتي. فما هو أتوبيسك، عزيزتي الفتاة؟

وفي التعليقات على الأغنية عبر YouTube، يمكن اكتشاف تركز الاتهامات الموجهة ليسرا في حيز "في بنت تقول كلام بذيء كدة"، وهي نقطة تحسب ليسرا لا عليها، بالضبط كما صور أفراد "مشروع ليلى" أغنية "للوطن" براقصة مثيرة، وتراهنوا على أن من سيرى الكليب لن يلقي بالاً لمضمون الأغنية، وإما سيلهث وراء الراقصة أو سيتهم صناعه بالخلاعة والتفاهة –بعيداً عن تحفظي على مضمون الأغنية ذاتها والذي أرى أنه لم يقدم جديداً. تركيز يسرا على تكرار كلمة "خرا في خرا"، يؤكد على سجن المجتمع للمرأة في حيز التفاهات والصغائر ليمنعها من مطاردة حلمها الأكبر، وأنها هي أحياناً من تستسلم للأتوبيس وعليها تخطيه لعلها:

"والله لانزل بكرة بدري
وابقى قدام وانت اللي ورا
واعيشلي يوم من غير خرا"

" frameborder="0">

مالذي تفعله الفتاة في مواجهة سلسلة المحاذير والأوامر التي تتلقاها؟ هل تثبت نفسها للعالم مع ساوندتراك "اتقدم...اتقدم" في الخلفية؟ هل تستسلم وتبحث عن الزوج المناسب بينما هي أصلاً غير مناسبة؟ هل تترك الموسيقى وتركز في وظيفة محترمة أو ترتدي فساتين بدلاً من الشورت أو البنطلون؟ كلها حلول رائعة وممكنة، لكن لوكا تصف الترياق السحري للتعامل مع مجتمع لم ولن يكف عن مطالبة الفتاة بشيء ما، والذي مهما أضناها السباق فهي ستظل عاجزة عن الوصول للكمال المجتمعي الأنثوي والذي ترى جدتها وخالتها وعمتها أنهن وصلن له.

والحل كما تراه لوكا:

"ستي قالتلي البنات بيلبسوا فساتين
أمي قالتلي البنات ما يلعبوش ف الطين
وخالتي التي ترتدي الخمار، قالتلي غني براحتك بس هتروحي النار
بس أنا أبويا ماقاليش
فأنا هعمل الصح، وهشرب حشيش."

" frameborder="0">

هذه الأغنية تعتبر ثورية كونها أول أغنية ذكرت بلا مواراة "البنت زي الولد، ماهيش كمالة عدد"، وهي لو تعلمون من أكثر الدعاوي التي يكرهها المحافظون والمتشددون دينياً والذكوريون والذكوريات.

"الرجل رجل والست ست"

سواء كانت قائلة هذه الجملة طنط أو حبيبك أو إحدى صديقاتك، يمكنك عزيزتي الفتاة الاستماع لهذه الأغنية بضمير مستريح لتعرفين أنكِ عندما ترفضين هذا التصنيف لم تكوني وحيدة. سعاد حسني وصلاح جاهين كانا في صفك. حتى مع مطالعة موضوعات كتاب الوزارة شديد العدائية للمرأة، أو قراءة بوست على الفيسبوك يخبرك أنه "لا مناص من الإقرار بكون المرأة غير الرجل"، ستظل تلك الأغنية حائط صد أمام ما يقولون وما يفعلون، كانت هي الأولى، وحتماً لن تكون الأخيرة.

" frameborder="0">

قد تكون هي أول أغنية عن فتاة انفصلت عن حبيب، وتصف مرار علاقتها الجسدية به. على طريقة الأغاني العربية في الحديث الملغز عن الجنس، تبقى أغنية فيروز ثورية كونها تصف مشاعر امرأة كرهت رجلاً بعد علاقة جسدية عاصفة معه، وبالكلمات تصف أثر محاولتها نسيانه ومدى الألم الذي تشعر به في محاولتها التخلص من اعتيادها على الاتصال الجسدي به، أو ربط تقييمها لجسدها بتقييمه هو سواء الجنسي أو الجمالي.

لندع الكلمات تتكلم عن روعة تلك الأغنية:
"عايزة أبطل كره جسمى لما تستتخني عينك
ولهدومى تكون مرايتى ذوقى مش بسمة عيونك"

وفي مقطع آخر:

"أيوة دمك صار تقيل لمستك صبحت روتين
غربتى بتصحى فى حضنك وحدتى هى الونيس"

" frameborder="0">

شخصياً أراها أغنية عادية جداً لمريم صالح، والتي أعتبرها مغنية متميزة، لكنها ذكرت كثيراً من مستمعين ومستمعات كأغنيتهم النسوية المفضلة. مريم أصلاً حالة غنائية أصيلة متمردة بشعرها الكيرلي وستايل موسيقاها الروك الذي يميل لجيتار الهيفي ميتال الثقيل وكلمات الأغاني التي تختارها، أكثرها تميزاً "أنا مش بغني"، "وطن العك"، "كشف أثري"، "رباعيات شجر التوت"، وغيرها.

لكن "وحدي" بصفة خاصة تعبر عن تلك المعاناة الانسانية، والتي يمكن قياسها على المعاناة الأنثوية في كبت المشاعر والرغبات بداخلها، والوحدة التي تواجهها الأنثى في خروجها لعالم لا يقبل وجودها كما هي، ويحاول قولبتها كما يريد أن يراها. لكنني أرى الأغنية أكثر رحابة من مشروع الثورة النسائية، ويمكنها أن تنعكس على وحدة الانسان المغترب في وسط مألوف بصورة عامة وبعيدة عن الجنسنة، خاصة في جزء:

"الحكاية و الرواية ... الهواية الغواية ...
والدواية والمهم
عندى طول الوقت غربة ...
عندى جوة الغربة حلم"

" frameborder="0">

الشعبوية لا تعني بحال من الأحوال التفاهة أو تدني الذوق. شاعر بقامة نزار قباني شديد الشعبية والبعد عما يجذب له كثير من أبناء الطبقة المثقفة، لكنه شاعر شديد النسوية والجنسنة. يتحدث أحياناً كامرأة أفضل من نساء كثيرات، يعبر عن القهر الجسدي والجنسي للمرأة فكأنما قضى حياته كلها يتلصص على جلسات النساء السرية ومكالمات النميمة، أو حتى استنفر امرأة تعيش بداخله بينما يستمع إلى آراء الرجال الدونية عن نساءهم.

هو هنا يتحدى الخطاب الديني المعادي للمرأة الواعية بجنسانيتها بشكل صريح وصادم. المطربون ذوي الشعبية الكبيرة اختاروا قصائد نزار الآمنة التي لن تثير حفيظة محبيهم بالملايين، وكان من الطبيعي أن تضطلع مطربة مثل دينا الوديدي، لها مشروعها الفني شديد الخصوصية، تتفق معه أو تختلف، بغناء هذه القصيدة بالذات، والتي تعبر بشكل كبير عن رؤية نزار الشعرية وانغماسه في جسد المرأة عاشقاً وداعماً ورافضاً أن يكون هذا الجسد وسيلة غبية لإمتاع الرجل، أو حتى وسيلة المرأة الوحيدة لتقييم نفسها،
"صوروا الحب لنا ... باباً خطيرا
لو فتحناه ... سقطنا ميتين
فنشأنا ساذجين
وبقينا ساذجين
نحسب المرأة ... شاه أو بعيرا
... ونرى العالم جنساً وسريرا"


ياسمين حمدان كمطربة صولو –ومن قبل دورها المطربة الأساسية في فرقة "الصابون يقتل Soap Kills"- مشروع نسائي فريد وصادم في العالم العربي. من أول اختياراتها لنوعية الأغاني التي تغنيها، لرقصها على المسرح، والذي لا يقارن بما تفعله نجمات الإثارة الشعبية popular أمثال هيفاء وهبي ومروة وغيرهما، لكنه مع هذا جريء وأحياناً يثير حفيظة الجماهير –إذا كانت محافظة وأوقعها الحظ العاثر في حضور حفل ل Soap Kills. الصدمة في رقص ياسمين وطريقتها العابثة على المسرح، كونها غير مبالية لما يمثله جسدها من كمال جمالي أو جنسي، لكنها واعية في نفس الوقت بهذا الحضور الأنثوي الكاسر للنمط.

لنقرب الصورة الذهنية، عند وضع ياسمين في مقارنة بهيفاء وهبي، يمكننا الاستناد على الصورة التي تريد هيفاء تصديرها بكونها المرأة الرابضة على قمة أفعل التفضيل؛ هي الأفضل، الأكثر إثارة، الأجمل، بينما ياسمين غير متدارية وراء هذه التصنيفات لكنها أيضاً out there، بجسدها وغنجها ورقصها وغنائها اللامبالي حتى في اختيارها للكلمات أثناء مخاطبتها حبيبها:

"شكلك مهضوم
حياتي قوم
جيبلي الترويقة"

" frameborder="0">

هذه الفلسطينية المغامرة التي تعتلي خشبة المسرح حافية القدمين، اختارت هنا أغنية شديدة الحسية وربما المثلية المضمنة (المضمرة) subtext عن امرأة تتغزل في جسد امرأة أخرى، تتغنى به وله بكلمات كلها شبق وغنج:

"في سر بجسما وريحتا
ياما غنّى عنّو الشّتا
تفاصيل كتيرة لاحتا
عرقت متل جسما الشّتا"

اعترض الكثير من المستمعين واصفين الأغنية بأنها على لسان شهريار في وصف شهرزاد والذي تقمصته تريز وهي تغني. بينما رأى آخرون أن الأغنية تتحدث عن المرأة بشكل عام؛ وحريتها في الرقص والاستمتاع بجسدها. وفي جميع الأحوال، فالأغنية ثورية راقصة شديدة الإمتاع الحسي.

" frameborder="0">

عادة ما تكون الأغاني الموجهة أسوأ ما يكون، خاصة في تبنيها "قضية" بصورة راديكالية بدلاً من اهتمامها بالفن في صورته المجردة. لكن فريق بنت المصاروة يتميز بكونه مشروع فني ثوري في فكرته، حيث جمع ثلاث فتيات في العقد الثاني من العمر، نتاج ورشة كتابية نسوية بعنوان "عروستي". الثلاث فتيات هن مارينا سمير وإسراء صالح وميام محمود.
على الرغم من أن هذه الأغنية "فهمونا زمان" ليست بشهرة أو نجاح الأهزوجة الشعبية المحورة "قولوا لأبوها"، إلا أنها جريئة في كونها تعبر عن مشروع هاته الفتيات الجميلات باختلاف أشكالهن ودياناتهن وكسرهن لنمط المرأة التي تغني عن القهر والمحاذير. لسن مطربات بوب ولا مطربات أندرجراوند بتاتو وأساور كثيرة، هن مجرد نساء عاديات قررن كسر حاجز الصمت ووجدن في التعبير عن دواخلهن قمة الحرية.

Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى