تلك المقالات التي تأتي عناوينها من نوعية "أشياء لن يفهمها جيل الآي باد"، تثير غضبي، لأنها تعني أننا نسير على نفس نهج الآباء، النظر إلى الأصغر منا على أنهم أقل فهما، مع أننا تعرضنا مثلهم لنفس تلك المقولات التي تقلل من معرفتنا، فكما كانت هناك مصطلحات مثل جيل "لولاكي"، "الأتاري"، "ماكرينا"، "البوكيمون"، "كمننا"، "سبيس تون" أصبح الآن المصطلح الرائج هو "جيل الآي باد".
بالتأكيد لن يعرف الكثيرين من مواليد الألفية الجديدة شريط الكاسيت، ولن يفهموا علاقته بـ"القلم الفرنساوي" و"المانيكير"، كما لن يفهموا شغف أبناء الثمانينات بذلك الاختراع الصغير، الاختراع الذي سجل عليه العاملون بالخارج صوتهم وهم يحكون أدق التفاصيل عن حياتهم اليومية لذويهم في مصر، الأسرة بالكامل تجتمع حول الكاسيت للاستماع إلى أحوال ذلك المغترب، ربما يسمعون صوت طفله حديث الولادة وهو يبكي، وربما يستمعون له وهو ينطق أولى كلماته "سلم على جدو يا حبيبي".
لن يفهموا أن الوصول إلى الأغنية الخامسة في الألبوم، ليس ببساطة الضغط على اسمها على "آي بود" هذا يحتاج إلى الضغط على زر ليسرع من حركة الشريط داخل الكاسيت، وتقف أنت أمامه تنتظر أن يقطع المسافة المطلوبة من الأغنية الأولى للأغنية الخامسة، كيف ستعرف أنك وصلت للأغنية الخامسة بسلامة الله؟ فقط ستجرب أن تضغط على زر "بلاي" لتكتشف هل وصلت مبكرا أم متأخرا، أما من كان يصل في الفاصل بين الأغنية الرابعة والخامسة فهو ساحر بالتأكيد.
لن يفهموا أن الحصول على قائمتك المفضلة من الأغنيات والاستماع لها كلها، يعني شراء كل الألبومات التي تحتوي على تلك الأغنيات، وامتلاك كاسيت "اتنين باب" وتسجيل تلك الأغاني على شريط جديد، أو معرفة صاحب مَحَلُّ شرائط الكاسيت، فتعطيه قائمتك ليصنع هو لك شريط "كوكتيل" به أغنياتك المفضلة، مع الوضع في الاعتبار أنها كانت جريمة قد تدفع بصاحبها إلى السجن بسبب انتهاكه لحقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية.
"جيل الآي باد" لم يجرب الضغط على الزر الأحمر الذي يعني أن التسجيل قد بدأ، تلك الخطوة التي دمرت عددا لا بأس به من شرائط الكاسيت، من أجل خوض المجهول خلف ذلك الزر الذي نادرا ما يستخدم، والذي للضغط عليه رهبة تجعلك تضغط على زر التوقف سريعا. تلك الجريمة التي لا تذهب آثارها، لأننا بالتأكيد سنتكلم عفويا بعد الضغط على الزر الأحمر، لتكون النتيجة في النهاية "ما بلاش نتكلم في الماضي (إيه ده) وقليل من الخروشة"، ثم، "وما دمت في حبك أنا راضي هندور ليه على شيء راح"، بعد ذلك سنتعلم كسر قطعتي البلاستيك أسفل شريط الكاسيت لمنع التسجيل عليه بتاتا.
ذلك الجيل الذي لن يفهم أن الركض أثناء الاستماع للأغاني لم يكن أمرا سهلا. أنت تحتاج إلى جهاز صغير يدعى "ووكمان" ذلك المشغل الذي يعمل بالبطاريات الجافة، والتي غالبا تكفي للاستماع إلى شريط كاسيت كاملا مرتين أو ثلاثة على الأكثر، تضع ذلك الجهاز في جيبك أو ربما حقيبة تلفها حول وسطك، وتبدأ في الركض، ومع ذلك كان هناك بعض الأجهزة التي كان يصيبها الخلل من الاهتزاز الناتج عن الركض، فتكون النتيجة هي الاستماع إلى صوت المغني مرتعشا.
كل ذلك وأشياء أخرى كثيرة عن "عالم شريط الكاسيت"، وعن عوالم أخرى لا يعلمها مواليد الألفية، كما كان يقف أبناء جيلي ببلاهة أمام أحاديث الجدة عن القدرة الشرائية للخمسة قروش؛ لم يفهم جيلي السبب خلف حالة الذعر التي تصيب المنزل عند سماع جرس طويل يصدر من الهاتف، وذلك الدستور المتعارف عليه أن الجرس الطويل يستلزم أن يرد عليه أكبر الموجودين بالمنزل سنا، فالجرس الطويل يعني مكالمة تأتيك من محافظات أخرى وهو ما يعني بالتبعية وجود خبر هام سواء كان سعيدا أو حزينا، كما لم يفهم جيلي الفرق بين "المباشر" و"الترانك". الكثير من الأشياء لم يفهمها جيلي رغم بديهيتها بالنسبة للأجيال الأكبر.
أجيال تأتي وأجيال تذهب ولا يوجد أي مبرر درامي لبقاء نغمة جيل الـ"مش عارف إيه"، دعنا فقط نتذكر ذكرياتنا مع المرحوم المغفور له شريط الكاسيت، ولنجعل يوم 3 مارس هو يوم التدوين من أجله -لا لشيء سوى لأن المقال نشر في هذا الوقت- خصوصا وأننا على وشك الاحتفاظ بتاريخ تصنيع آخر شريط كاسيت قريبا جدا.
شاهد الفيديو الآتي وسيختصر الكثير من الكلام الذي أود الحديث عنه.
" frameborder="0">
يمكنك المشاركة بذكرياتك مع شريط الكاسيت عبر هاشتاج #شريط_كاسيت على تويتر.
Please enable JavaScript to view the comments powered by Disqus. comments powered by