الحكمة السابقة يسمعها "ستيف روجرز" أو "كابتن أمريكا" في أحد مشاهد الفيلم المهمة، لكنها تمثل إلى حد كبير منهج شركة "مارفل" والأخوين روسو مخرجا الفيلم، في تنفيذه.
"كابتن أمريكا: الحرب الأهلية" Captain America: Civil War هو الفيلم رقم 13 في قائمة الأفلام التي أنتجتها "مارفل" عامة، ورقم 3 في قائمة أفلام "كابتن أمريكا"، لكنه في الحقيقة يبدو عمليا أقرب لفيلم ثالث من أفلام Avengers الجماعية، بالنظر لعدد الشخصيات الموجودة فيه. كل شخصيات الأفلام السابقة الذكر موجودة تقريبا، باستثناء ثور Thor والعملاق Hulk.
حمولة هائلة يتحرك بها هذا الفيلم دراميا مع هذا العدد من الأفلام والأحداث السابقة، وما يزيد عن دستة شخصيات رئيسية. حمولة تزداد صعوبة مع حقيقة أن الفيلم يسعى أيضا إلى تقديم شخصيات جديدة، ويفتح الباب لأكثر من فيلم في الطريق.
شاهد الإعلان التشويقي للفيلم
" frameborder="0">
نعود هنا لجملة البداية في المقال، "توجد جزئيات لا يجوز التهاون فيها"، وأهمها بالطبع تجاريا للشركة، التمهيد والتشويق للأفلام التالية. هذه النقطة لها أولوية قصوى حتى لو تسببت في عرقلة الفيلم دراميا بعض الشيء، أو المط في الأحداث نسبيا.
الحركة والإبهار أيضا جزئية لا يجوز فيها التهاون، بالنظر لطبيعة هذه النوعية. والأهم أن العنوان الفرعي للفيلم - الحرب الأهلية - يعد الجمهور بصراعات وحروب بين الأبطال، وبالتالي هي جزئية رئيسية يجب إشباعها إلى أقصى درجة لدى المتفرج. جزئية أخفق فيها إلى حد كبير للأسف، فيلم "وارنر" الأخير Batman v Superman: Dawn of Justice الذي شهد مواجهة قصيرة بين البطلين.
اقرأ أيضا: باتمان ضد سوبرمان وضد مارفل أيضا!
بداية الفيلم تشهد مهمة أخرى لكابتن أمريكا ورفاقه. مهمة تنتهي رغم نجاحها بكارثة تتسبب في وفاة وإصابة عشرات الأبرياء الموجودين في دائرة الصراع.
وبسبب هذه الكارثة وما سبقها من حوادث مماثلة، يتعرض الفريق لضغوط للعمل تحت إشراف وإدارة منظمة الأمم المتحدة. وهو الأمر الذي يقبله "توني ستارك" أو "الرجل الحديدي"، ومعه بعض أعضاء فريق Avengers. ويرفضه في المقابل "ستيف روجرز" أو "كابتن أمريكا"، وأعضاء آخرون.
هذا الخلاف يتضاعف سريعا بشكل أكثر حدة، بسبب عودة "بيكي بارنز" أو "جندي الشتاء"، للظهور على الساحة. الرجل الذي تصنفه السلطات كمجرم هارب، ويحمل له "كابتن أمريكا" مشاعر متناقضة بسبب صداقتهما القديمة، التي عرفناها في الأفلام السابقة.
مشهد الحركة للفريق في البداية قد يكون ضمن أسوأ ما قدمت "مارفل" في تاريخها، ويحمل في تنفيذه جينات واضحة من سلسلة أفلام Bourne، من الكاميرا المهتزة إلى المونتاج السريع والمعارك اليدوية.
لكن على العكس من سلسلة Bourne، التي ساهمت فيها هذه الجزئيات في تدشين مشاهد الحركة بشكل أكثر حدة وإثارة وواقعية، تحولت النتيجة هنا إلى العكس تماما مع شخصيات الفيلم الخيالية.
في كل مرة يتم فيها مقاطعة هذه الجزئيات خلال الصراع، بآلة تكنولوجية، أو شخص يطير، أو أخر يستخدم قدراته الخارقة، ينعدم التأثير الحاد الواقعي المطلوب. المسألة ببساطة أن "بورن" عميل ماهر لكن غير خارق، ويجوز اللعب معه سينمائيا بقواعد الواقعية، وهو ما لا يمكن تواجده هنا.
من حسن الحظ أن الأخوين روسو تركا سريعا هذا الإطار، واحتفظا فقط بنقطة الإشتباكات اليدوية، لتعود مشاهد الحركة إلى إطار أكثر ملاءمة لشخصياته وأجوائه. وبمجرد وصول الأحداث إلى النقطة المحورية، وهى الصراع بين (فريق كابتن أمريكا - فريق الرجل الحديدي)، تصل مشاهد المواجهة لمستوى أفضل بمراحل. مستوى قد يكون الأفضل في أفلام "مارفل كلها".
ميزة هذا المقاطع لا تكمن فقط في إبهارها البصري، وهو عنصر اعتدناه في هذا النوع، ويصعب فيه هنا بالأخص، تقديم جديد بعد دستة أفلام سابقة. الميزة الاستثنائية هنا هي قدرة السيناريو والإخراج على خلق تداخل سلس وشيق، بين دستة شخصيات في صراع واحد.
هذا الصراع يشهد تحديدا كل العناصر التي عشقها الجمهور في أفلام "مارفل". الحركة الممزوجة بالمرح والكوميدية. المزاح غير الدخيل على الأحداث أو على الشخصيات وطباعها. القدرة على بلورة كل شخصية وكل نجم، مهما ازدحمت الشاشة بعشرات حوله. أو كما يردد أحدهم أثناء أحد المشاهد: حان الوقت ليخرج كل منا أفضل ألاعيبه!
هذه العناصر افتقدها إلى حد كبير فيلم Avengers الثاني "عصر ألترون"، الذي أخرجه جوس ويدون وتم عرضه الصيف الماضي. في مراجعة فيلم (عصر ألترون) تحمست جدا لقرار استبداله بالأخوين روسو، وعملهما هنا يثبت أن رأيي كان في محله.
ويدون أفلس تماما في الفيلم الثاني، وكرر تقريبا كل ما شاهدناه في فيلمه الأول. لاحظ مثلا الاستبدال المفلس للكائنات والمركبات الفضائية بآليين، في مشهد الصراع الختامي في الفيلمين، وتكرار مشاهد الدمار للمباني والسيارات وخلافه، بشكل شبة كربوني.
ثنائي روسو حشد طاقاته على ناحية أخرى. وهى الصراع بين الشخصيات البطولية نفسها. لمسات التجديد البصري لا تتوقف عند هذه الجزئية. لا أميل لذكر تفاصيل منعا لحرق الأحداث، لكن ستشاهد في الفيلم مثلا "توني ستارك" كما لم تراه من قبل. ستشاهد أيضا "سكوت لانج" أو "الرجل النملة"، كما لم تراه من قبل.
في الفيلم أيضا تغيير ذكي بخصوص الشرير الرئيسي. هنا أصبحت المشاعر والعلاقات المعقدة بين الشخصيات، وخلافاتهم مع بعض، والصراع الداخلي لكل منهم بخصوص صحة موقفه وقراراته، هي الشرير الرئيسي بدلا من تواجد خصم خارق القدرات.
هذا التغيير أتاح مساحة أكبر دراميا للاستفادة من قدرات الممثلين. برجماتية "توني ستارك" ضد مثاليات "كابتن أمريكا"، في أفضل حالاتها، هنا بفضل تواجد ممثلان جيدان خلف الدورين، روبرت داوني جونيور وكريس إيفانز. وان كان الأول كالعادة أكثر قدرة على سرقة الأضواء، حتى لو حمل الفيلم اسم خصمه!
على ذكر الشخصيات، يعيب الفيلم تواجد بعضهم بشكل محشور نسبيا في الأحداث وعلى رأسهم "هاوك" الذي جسده جيريمي رينر، وإلى حد كبير تضرر الفيلم في ثلثه الأول، وانخفضت معدلات تسليته، بسبب طريق السيناريو الطويل والشاق لاستدعاء كل هذا العدد من الشخصيات للمشاركة. لكن في المجمل نجح الفيلم في خلق أسس مقبولة جدا لتواجد أغلبهم.
كما ذكرت في البداية تتصدر قائمة أولويات "مارفل" هنا، الدعاية للأفلام القادمة. الفيلم حجر أساس لفيلمين قادمين من سلسلة Avengers (2018 - 2019)، ستتواصل فيهما الصراعات، على يد نفس ثنائي الإخراج. لكن فريق Avengersاسم تجاري تم تدشينه بالفعل، والفيلم هنا مشغول أكثر ببناء حجر الأساس لسلاسل أخرى.
الرجل العنكبوت Spider Man هو أهمها. الشخصية التي تظهر هنا على يد الممثل الشاب توم هولاند، في عمر أصغر من الأفلام السابقة. هولاند يتمتع بجانب صبياني مرح خفيف، وفاز هنا باهتمام خاص جدا نظرا لحجم سلسلته المنتظرة، التي ستبدأ في صيف 2017، ولوزن الشخصية الثقيل جدا تجاريا في عالم القصص المصورة والألعاب.
أهمية ظهوره هنا لا تكمن فقط في حشد الفيلم بشخصيات أكثر، أو في الدعاية لفيلمه القادم. أهميتها أنها اختصرت المقطع الذي أصبح ممل جدا لجمهور القصص المصورة عامة. مقطع: كيف ومتى أصبح "السوبر هيرو" الذي نعرفه، "سوبر هيرو"؟
"مارفل" أسقطت 3 عصافير سريعا على الأقل بظهوره، اصطياد جمهور أكبر لفيلمها هنا لرؤية كيف سيظهر سبيدرمان، تشويق المتفرجين لمشاهدة فيلمه في 2017، اختصار مقطع غير محبب من فيلمه القادم ليبدأ مباشرة ببيتر باركر وهو سبيدرمان.
هكذا تعمل تروس هوليوود دوما. ترس يحرك العجلات ناحية شباك التذاكر، وترس مساند يجعل هذه الحركة سلسة وناعمة ومسلية، وغير دخيلة على الدراما.
الفهد الأسود Black Panther أقل حظا نسبيا. على صعيد مشاهد الحركة والتصميم والهيئة، تم صياغة الشخصية بشكل حاد ومشوق. لكن ممثلها شادويك بوسيمان، يخلط الأمور نسبيا بين الأداء الصارم أو الشخصية الصارمة، وبين الأداء المُتخشب. وان كان الحكم النهائي على اختياره للدور، متروك لفيلم الشخصية المستقل الذي سيعرض أوائل 2018.
بقى أن أذكر أن تقنية العرض الثلاثية الأبعاد، معدومة القيمة والتوظيف كالعادة، والغرض الوحيد منها هنا هو انتزاع قيمة أكبر في التذكرة. وأن الفيلم يحتوي على مشهدين بدلا من واحد، بعد شارة النهاية. ربما لأن وجود مشهد واحد أصبح لا يكفي لتغطية عالم "مارفل" المتضخم الحالي!
وعلى ذكر عالم "مارفل" وعشاق القصص المصورة الأصلية، فمن الجدير بالذكر أن قصص "الحرب الأهلية" الأصلية التي كتبها مارك ميللر، أكثر جدية وشراسة وعنفا من النسخة السينمائية الموجودة هنا.
"كابتن أمريكا: الحرب الأهلية" فيلم أخر من مارفل، يسير على نفس خطاها الثابتة، ولا يسعى نهائيا لتقديم شيء أصيل ومغامر في هذه النوعية، على غرار "ديدبول" الذي أنتجته شركة فوكس مثلا. على المستوى البصري بالأخص، يصعب وصفه كتجربة ثرية على الشاشات الكبيرة، تعادل مثلا "كتاب الأدغال "The Jungle Book المعروض حاليا.
اقرأ أيضا:
"ديدبول".. الوغد المناسب في الوقت المناسب!
صفحات The Jungle Book أكثر متعة على شاشات هوليوود 2016
لكن بالنظر لحجم الجمهور المعجب بخطى "مارفل"، والحمولة الثقيلة جدا التي يتحرك بها هذا الفيلم، وعدد المهام الكبير المطلوب منه تحقيقها، يستحيل وصف الناتج النهائي بالتواضع أو المستوى المتوسط.
"اقبل التسويات عندما تتعلق بجزئيات يمكن التفاوض فيها، وارفضها عندما تتعلق بجزئيات لا يجوز فيها التنازل".
ربما تعمد السيناريو صياغة هذه الحكمة، لتصبح موجهة لجمهور مارفل أكثر من كونها موجهة لبطل الفيلم!.. وإذا نظرنا للأمور من هذه الزاوية، فمن الضروري أن نشيد بفيلم لا يتنازل نهائيا عن العناصر الأساسية، التي أدمنها جمهور "مارفل"، ولا يتنازل أيضا عن دوره المحوري كجسر للربط مع كل ما سبق، والتمهيد لكل ما هو قادم.
رغم بعض العيوب خصوصا في الثلث الأول، "مارفل" نجحت إجمالا في صناعة فيلم أخر يحتوي على جرعات الحركة والمرح المعتادة، مع جرعة دراما أفضل، وتقديم موفق لشخصيات إضافية. إذا كنت من جمهور أفلامها ستجد في الفيلم ما يثير إعجابك. إذا كنت لا تحبها لن تجد في الفيلم غالبا ما يُغير رأيك.
اقرأ أيضا: أهم ٢٥ فيلم مغامرات وفانتازيا في ٢٠١٦