وبعيداً عن قدسية الدور الذي تلعبه الأم في الحياة الاجتماعية بصفة عامة، فإن الأم التي يتم تصويرها طبيعية، شرسة أحياناً، وكوميدية أيضاً، هي الأم الأكثر ملائمة لطبيعة المرأة المصرية بصفة عامة والتي تجمع بين الرغبة في الإيذاء والرغبة في البكاء بذات القدرة العجيبة.
اخترنا لكم 10 جمل لأمهات مصريات من أفلام شديدة الاقتراب من الواقع لهذه التركيبة الفريدة التي لا يمكن تكرارها:
من الكوميدي مشاهدة تفاعلات النسوة الكبيرات في السن مع المعاكسات التليفونية، فهن يكن ضيقات الخلق لأقصى درجة، والشخص الذي يقوم بالمعاكسة عادة ما يتمتع بسماجة وبرود لا تطاقا. تفاعل امرأة مصرية عصبية مسنة، غارقة في الطبخ والعرق مع شاب تافه يعاكسها هو مشهد واقعي مائة بالمائة، خاصة مع أداء عايدة عبد العزيز العفوي شديد المصرية.
ما الذي تفعله جدة تجد نفسها أمام شاب معجب بحفيدتها فجأة؟ الأدهى أنه من طبقة أخرى تعيش في فقاعة أبعد ما تكون عن الواقع، عائلته الثرية لديهم طباخ، وتقريباً لا يعرف المسقعة –غذاء هذه الأسرة اليومي.
وهنا "أم سيد" –التي تلعبها ببراعة سناء جميل- تلخص حال امرأة مكافحة تتهكم على شاب "هاي كلاس" جاء متيماً بحفيدتها، والتي تتولى هي دور الأمومة في حياتها. في مشهد آخر تقول له "ماتقوليش يا طنط، قولي يا حاجة،" وهو رد فعل مصري أصيل من نساء قد يعتبرن "طنط" كلمة مائعة ربما تضغط على أعصابهن المشدودة من الحياة الصعبة.
بواقعية شديدة جسد سيناريو عبد الحي أديب واحد من أشهر مشاهد الحياة المصرية؛ خناقات الزواج. بطبيعة الحال تتحكم النسوة في هذه المنازعات العائلية البغيضة، ويقف الرجال على الحياد، أو يتبعون زوجاتهم مرغمين، وفي كل خناقة هناك امرأة كيادة تلدع بالكلام، وامرأة حمقيّة عصبية تجسدها تحية كاريوكا العظيمة، لا تحتمل الضرب تحت الحزام، وتفضل الردح على لدع الكلام.
"فرنسا" أم "اللمبي" تجسد لسان حال الأم المصرية المسيطرة، التي تعرف كيف تخلص الموقف لصالحها دائماً. كما تلخص التناقض الهائل في شخصية الأم المصرية، والتي تستطيع صفع ابنها بعد لحظات من احتضانه، دون الشعور بأدنى ذرة من الفصام في تصرفاتها. مشاعر الأم المصرية على عكس ما تصوره ميلودراما الخمسينيات والستينيات، تتعامل بمبدأ "قليل من الحب، كثير من العنف" مع الاعتذار للراحل رأفت الميهي.
لا يستطيع أحد اتهام يوسف شاهين بالواقعية، على الأقل ليس في تجسيد سيرته الذاتية على الشاشة، لكنه في مشهد زفاف "ماريان" أخت "يحيى"، بينما أمه وجدته يتذمر من نكد أخت العريس، يصور الأسرة المصرية التقليدية بانتقاداتها، وبهوسها بالأحزان والأفراح.
في جملة حوارية بسيطة، لخص تصرفات العائلات المصرية في الأفراح، كل فرد ينتقد الآخر، وكل فرد لا يعجبه الآخر، خاصة النسوة من الطرفين.
فيلم ضعيف المستوى، وأدوار شديدة الطرافة لممثلين مخضرمين أمثال سميحة أيوب وعبد الرحمن أبو زهرة. في دورها كالجدة "راوية هانم"، تجسد سميحة أيوب الأم المصرية في أقصى درجاتها تطرفاً، وهي تحاول تحطيم الابن ظناً منها أنها هكذا تحفزه أو تدفعه ليصبح أفضل. كثير من المراهقين والأطفال إذ يشاهدون الطريقة التي تعامل بها "تيتة راوية" حفيدها "رؤوف"، سيتبادر إلى ذهنهم على الفور ذكرياتهم الأليمة مع Mommie Dearest.
هذه الأم العصرية الجميلة جداً تمثل جزءاً من الفصام المجتمعي الذي تتميز بها الأم المصرية متفوقة بها على نظيراتها من أنحاء العالم. هي تعلم قطعاً أن أبناءها يقرأون كتباً جنسية، لكنها لا تريدهم أن يفعلوا هذا أمامها، وفي أعماقها هي ترفض أن تحادث ابنتها شاباً في التليفون، لكنها تعبر عن هذا برفض مصطلح "صاحبي" واستخدام "زميلي" بدلاً منه! بعيداً عن هذا، فمنى –فاتن حمامة- أم شيك جداً، وربما هي أكثر النماذج المطروحة قابلية للتخلص من عقدة الأم المصرية.
الأم الجودزيلا التي تحيل حياة ابنتها جحيماً. هذه الأم موجودة وبكثرة، وللأسف قد تراها عند الجنسين، أي أنها أيضاً ستحيل حياة ابنها جحيماً –كما ماري منيب في "هذا الرجل أحبه" مثلاً- لكن القطعية التي تمثلها الراحلة نعيمة الصغير ماركة مسجلة خاصة بها وحدها، يدعو أي شاب أو شابة ألا يقابلا مثلها في حياتهما الزوجية المقبلة، وإلا كانت النهاية.
لا شك بأن "الحفيد" مثّل جزء جديد مغاير تماماً لـ "أم العروسة" وإن كان لا يقل عنه نجاحاً، بشخصياته المتعددة وطابع الأسرة المصرية الحميمية الذي يكتنفه. لكن هذا لا يلغي حقيقة هذه الأم المصرية الحشرية والتي تظل تضغط على زوجها وأبنائها حتى ينفذون ما تريد، إنها لا تستخدم السطوة مثل أم "اللمبي"، لكن الإلحاح صفة نسائية مصرية أصيلة، تستطيع بها المرأة أن تسيّر جيوشاً وليس مجرد أسرة.
زينب هنا –كريمة مختار- غير زينب "أم العروسة"، فهي من أولئك النسوة المحترفات في الردود اللاذعة، وهي طائفة من الأمهات لا يستهان بها، خاصة إذا كان التراشق اللفظي بينها وبين إحدى نساء معسكر الأعداء، أي عائلة زوج ابنتها.
تمثل ماري منيب نموذج الأم والحماة التي تحيل حياة كل من حولها جحيماً، وهو نموذج منتشر وبكثرة في الحياة المصرية الاعتيادية، وعلى وجه الخصوص في الأسر المصرية التقليدية.
هذه المرأة تتحكم في أسرتها مهما كان عدد الذكور فيها –فيلم "حكاية جواز"- ومهما كانت منافستها من الحماة الأخرى شرسة –فيلم "الحماوات الفاتنات"- جملها دائماً تلدغ كالعقرب، وتثير حفيظة أي ذكر يملك ذرة من الكرامة. ليست هناك جملة واحدة مفضلة لماري، فكل جملها Pearls of wisdom لأم متسلطة تحت التدريب.