نص الرسالة يقول "مهرجان كان قرر إضافة فيلم لقائمة العروضة الخاصة هو فيلم (بيشمركة) للمخرج برنارد هنري ليفي، هذا الفيلم الذي اكتشفناه للتوّ، يلقي نظرة مقربة على مقاتلي البيشمركة الأكراد، الفريق الصغير الحالم، ومن أجلهم سافر المخرج ألف كيلومتر بطول الحدود العراقية من الجنوب إلى الشمال، ليصوّر حالات الحرب والمناظر الطبيعية ووجوه رجال ونساء نادراً ما نشاهدهم في العالم الواسع. الفيلم سيعرض مرة واحدة في قاعة بازان عصر الجمعة 20 مايو، وإذا كان الطلب عليه مرتفعاً ربما يضاف عرض آخر يوم 21".
الرسالة جاءت صادمة لعدة أسباب، أولها كوننا في يوم المهرجان السادس أي منتصف الطريق، وإضافة فيلم لمهرجان في مثل هذه المرحلة أمر شديد الندرة، من الصعب تصور حدوثه مع أكبر مهرجان في العالم حتى لو كان الفيلم تحفة فنية، ثاني الأسباب هو ما أثير من فترة حول رفض المهرجان لفيلم المخرج الصربي الكبير إمير كوستوريتسا لأنه قدمه بعد يوم واحد من غلق باب التقدم، الأمر الذي فسره البعض ـ يقال أن كوستوريتسا نفسه بينهم ـ بأنه رفض للمخرج ومواقفه السياسية.
اليوم يصير السؤال: هل يُرفض واحد من أعظم مخرجي العالم بسبب تأخير يوم واحد، ويُقبل فيلم في وسط المهرجان؟ وإذا كان المهرجان حاسم في عدم تجاوز تواريخه، وكانت إدارته بالطبع مشغولة بالفعاليات، فمن المسؤول عن اكتشاف الفيلم للتوّ كما يقول البيان؟
سنشاهد الفيلم المضاف بالطبع لنرى تلك التحفة التي جعلت كان يتنازل عن القواعد لهذه الدرجة، بينما اعتبر البعض الأمر بوضوح رضوخ لضغوط للوبي الصهويني الداعم للمخرج هنري ليفي، الذي وصفته الناقدة هدى ابراهيم بأنه "ناشط صهيوني شغله الممول بملايين الدولارات يسعى لتقسيم كل ما يسمى بلد عربي".
مسلسل الأفلام الفرنسية الغريبة المختارة للمسابقة الرسمية لا يتوقف، فبعد الأفلام الثلاثة التي تحدثنا عنها بالأمس، اكتمل العقد بعرض الفيلم الرابع وأكثر الأفلام ترقباً "متسوقة شخصية Personal Shopper" للمخضرم أوليفية أساياس، والذي لم يحمل هو الآخر مفاجأة سارة تبرر المشاركة الفرنسية الكبيرة بأربعة أفلام كلهم متوسط المستوى على أفضل تقدير.
الفيلم ناطق بالإنجليزية برغم أن أحداثه تدور في باريس (عدا الدقائق الأخيرة تدور في سلطنة عُمان، المكان الذي يبدو على الشاشة جميلاً وبكراً يستحق أن يتواجد بشكل أكبر في الأفلام). بطاقم تمثيل دولي تتصدره النجمة كرستين ستيوارت، التي تلعب دور متسوقة شخصية، وهي الفتاة التي تقوم بالتسوق لكبار المشاهير وتدخل بيوتهم لتضع الملابس والمجوهرات باهظة الثمن التي تحضرها لهم من المتاجر. لكن الفيلم لا يدور عن هذه المهنة التي لم نراها على الشاشة من قبل، وإنما هو فيلم رعب تشويقي Horror Thriller عن روح شقيقها التوأم الذي مات قبل شهور جاءت روحه لتطاردها وتتحدث معها (عبر دردشة المحمول) في منزل عارضة أزياء عالمية تدخله ضمن وظيفتها.
إذا ما قارننا "متسوقة شخصية" بأي فيلم رعب تشويقي آخر فالمقارنة ستكون لصالح فيلم أساياس بالطبع، بإيقاعه المحكم ومسار أحداثه غير المتوقع وأداء بطلته الذي يحمل حساً شاعرياً عادة ما تفتقده هذه النوعية من الأفلام. لكن إذا ما قارننا الفيلم بأفلام المسابقة (غير الفرنسية بالطبع) فسنجد أنه قد يكون أجدر بالعرض الجماهيري أو حتى على هامش المهرجان مثل أفلام النجوم الأمريكية، على أن يوضع ضمن القائمة المتنافسة على أهم جائزة سينمائية في عالم الأفلام الفنية.
في قسم العروض الخاصة تضمن اليوم السادس للمهرجان الفيلم الأكثر ترقباً من أفلام أفريقيا السوداء المشاركة في المهرجان "حسين حبري.. مأساة تشادية Hissein Habré, A Chadian Tragedy"، للمخرج التشادي الشهير محمد صالح هارون، أحد الأسماء المحبوبة لمهرجان كان، وحامل جائزة لجنة التحكيم عام 2010 عن فيلم "رجل يصرخ A Screaming Man".
معطيات الفيلم كانت تبشر بالكثير: مخرج صاحب تجربة وحضور، آت من بلد لا يمتلك أي تاريخ سينمائي لكنه أنجب رجلاً موهوباً، وموضوع مثير للاهتمام هو حسين حبري، الديكتاتور الذي حكم تشاد بين عامي 1982 و1990، دخل خلالها الحرب ضد ليبيا، وقتل ما يزيد عن 40 ألف مواطن تشادي بخلاف 200 ألف تعرضوا للتعذيب، حتى انتهى الأمر بالإطاحة به من الحكم وتقديمه لمحاكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ثراء الموضوع وقيمة المخرج جعلنا نتوقع فيلم مهم، لكن النتيجة جاءت خائبة تماماً، بدءً من العرض الذي كان شبه خال على العكس من المعتاد في كل أفلام المهرجان، فلم تكد صالة بازان (أصغر صالات المهرجان الرسمية) تجد حضوراً يملأ حتى ربع مقاعدها خلال العرض الصحفي، بل وتسلل كثير ممن قرروا مشاهدة الفيلم خلال العرض بعدما تأكدوا من كونهم لن يجدوا جديداً داخل هذا العمل البدائي.
الفيلم تم تصويره بالحد الأدنى من المجهود، فهو مكون من حوارات متتالية، تم تصويرها دون أي اهتمام بالصورة أو تنويع اللقطات، فقط حديث لا ينتهي من شخصيات هي في الأغلب ممن تعرضوا للتعذيب في عهد حسين حبري، يتحدثون عن صور التعذيب التي لاقوها. وحتى المشهد الوحيد الذي يحمل شبهة دراما والذي يتواجه فيه أحد المعتقلين المعذبين مع الرجل الذي كان يقوم بتعذيبه بالرغم من أنه يعرفه شخصيا، حتى هذا المشهد يتحول بسبب كسل تصويره وركاكة مضمونة إلى مشهد رتيب وممل، ككل شيء في هذا الفيلم الذي لا يوجد سبب لعرض عمل مثله إلا رغبة المهرجان في مجاملة مخرجه.
اليوم السابع للمهرجان (الثلاثاء 17) يبدأ بفيلم مرتقب من الجميع هو "جوليتا Julieta" الفيلم الجديد لأستاذ السينما الإسباني بيدرو ألمودوفار صاحب الشعبية الواسعة في العالم بأكمله. كذلك يُعرض الفيلم الأمريكي "أيدي من حجر Hands of Stone" للمخرج الفنزويلي جوناثان جاكوبوفيتش، الذي تدور أحداثه في عالم الملاكمة حول قصة الملاكم البنمي روبرتو دوران، ويشارك في بطولته النجم روبرت دي نيرو ومغني الراب آشر. أما أنظار العرب فستتجه إلى أسبوع النقاد الدولي حيث يُعرض الفيلم اللبناني "ربيع Tramontane" للمخرج فاتشيه بولغورجيان، الذي يتنافس بين السبعة أفلام المشاركة في الأسبوع المعني بالعمل الأول والثاني للمخرجين.