كم هي ثقيلة مهمتنا.. كم هي كثيرة أعبائنا.. كم هي صعبة تحدياتنا.. نحن جيل السلم والحرب... جيل الإرث والضياع.. جيل التقاليد والانفتاح.. جيل الماضي الجميل.. والحاضر المؤلم .. والمستقبل المُبهم..
كم من الصعب أن نُذّكر أطفالنا دائماً بأمجادنا الماضية.. وكم هو محالٌ استحضار ماضينا بتفاصيله.. كم من الشاق الحفاظ على هويتنا... على لغتنا.. على ديننا.. و كم من المجهد السباحة عكس التيار في مجتمع مختلف كلياً.. في مجتمع مفتوح .. هائج .. طاغي ... لا مجال فيه للسكون والتباطئ.. ولا مكان فيه للتوقف ولا حتى لاستراحة محارب..
كم من المؤلم أن نستبدل الزيارات العائلية بالمشاعر الإلكترونية.. نبارك ونهني ونتمنى الأمنيات من بعيد.. دون أن نتمتع بدفء الاجتماعات.. وحلاوة القُرب.. و لذة الصحبة.. فكم تمعّنا بصورة هنا وقّبلنا صورة هناك.. فنفقد بهذا حاسة الشم و اللمس معاً .. و تتحول إيدينا إلى أزرار و رموز تعبيرية .. تتكلم عن مشاعرنا.. وتصف حالنا..
كم من الصعب أيضاً أن يكبر أطفالنا وحيدين.. بعيدين.. دون قبلة من جد.. ولا دعاء من جدة.. ولا عطف من عم.. أو حنان من عمة.. دون خال أو خالة يبوحون لهم بمكنونات صدورهم.. أو حتى جار يلقون عليه التحية تعلمهم آداب السلام.. ولا حتى دكان صغير يخّلد في ذاكرتهم.. ولا آذان يعشش في أذانهم وروحهم..
كم من المؤلم أن نترك العش فارغاً وحيداً.. بعد أن سعدنا ببناءه قشةً قشة.. وزيناه بأجمل الذكريات والأحلام.. و كان حاضناً لأغلى المناسبات.. لنطير وحيدين إلى أرض بعيدة.. نطير ونحلق حتى تتعب أجنحتنا وتتأذى أرواحنا.. فنحن الآن وسط هذه العواصف الهائجة في مشاعرنا.. نعيش أيامنا برمادية.. ونتيه في دوامة الحياة السريعة.. متقلبين وتائهين .. بين حنين الماضي والأمل بالمستقبل... ودمتم برعاية الله