الارشيف / ثقافة و فن

أماليا أبي صالح .. رحلت إلى دنيا الحق و بقيت بسمتها محفورة في القلب

توفيت عند الثالثة من فجر يوم أمس الجمعة الممثلة الكوميدية القديرة “ أماليا أبي صالح “ المعروفة بـ “ الست بدور“ عن عمرٍ ناهز الثامنة و الستين في

مستشفى ( بـهـمـن ) في الضاحية الجنوبية لـبيروت بعد صراع صامت مع المرض تمثّل في مشاكل في القلب و الرئتين و الكُلى، و قد تولّى محبّوها التبرّع بالدم 

لها لكنها لم تستجب للعلاج.

كانت الممثلة الراحلة قد نُقلت إلى المستشفى قبل حوالي الأسبوع إلى المستشفى المذكور بعد تدهور حالتها الصحية في منزلها في وقت لم تكن “ أماليا “ 

لتطلب من أحد أن يغطّي نفقات علاجها في ظل عدم اهتمام أية جهة بـوضعها الصحي في بادئ الأمر رغم بـصماتها الواضحة على الفن اللبناني العريق و اقتصار 

التواصل مع نقابة الفنانين كما تقول ابنتها بالتبنّي “ جيسيكا أبي صالح“، ثم ما لبثت تلك الوزارةأن تكفّلت بتسعين بالمئة من نفقات العلاج و تولّت المستشفى 

تغطية العشرة بالمئة الباقية في ظل عدم توافر ضمان الشيخوخة في لبنان لغير الموظفين فيالملاك الإداري العام المدني والعسكري.

 

و إليكم نبذة عن حياة الراحلة، رحمها الله :

هي “ أماليا ميشال أبي صالح “ ابنة بلدة ضهور الشوير اللبنانية، ولدت عام 1946، بدأت دراستها في مدرسة ( زهرة الإحسان ) في الأشرفية بيروت، و هناك تعرّفت 

إلى صديقتها “ هند أبي اللمع “ لتلتقيها لاحقاً في مشوارها مع تلفزيونلبنان. عاشت “ أماليا “ طفولة مفرحة و ما لبث والداها أن انفصلا و تزوّج كل منهما و 

بقيت من أبيها. و عن طفولتها قالت “ أماليا “ : لا تغيب الطفولة عن بالي أبداً، خصوصاً أنني عملت في مسرح الأطفال و تعايشت معهم و فرحت بهم كثيراً.

أعرف أن الذكريات الجميلة لا تغيب، و أشعر  بالحنين إلى تلك الأيام. الحمد لله أننا مررنا في العصر الذهبي للتمثيل، و على الرغم من أنه لم يكن في أيامنا سوى 

تلفزيون  واحد، على عكس هذه الأيام، لكننا كنا نعمل كثيراً.

 في عام 1955، سافر والدها إلى سورية حيث بدأ العمل في شركة للنقل البحري في اللاذقية، مما دفعها لتغيير مكان الدراسة  و بالتالي الابتعاد عن محيطها و 

أصدقائها حيث انتقلت إلى مدرسة العائلة المقدّسة في بانياس، و درست الإيطالية على يد أستاذ متخصص على أمل أن تسافر إلى إيطاليا لدراسة السياحة.

و بالفعل لقد حققت “ أماليا “ حلمها و سافرت إلى “ إيطاليا “ عام 1961، و دخلت مدرسة ( بـريشيا ) للراهبات في مدينة ميلانو، فأحبّت إيطاليا كثيراً بما فيها 

و هناك حدث ما غيّر مجرى حياتها و مجال عملها، فقد أعجب برقصها صاحب فرقة موسيقية هو ( ديـو دزيـكـا ) حيث كانت فرقته جوّالة متخصصة في العروض الترفيهية

لجنود القواعد العسكرية الأميركية في أوروبا. و قد وافق والدها على التحاقها بتلك الفرقة حيث جالت على كافة دول و تعرّفت إلى بعض المشاهير كـ” صوفيا لورين “ و “ داليدا “ و غيرهم. الجدير بالذكر أن “ أماليا “ كانت تتردد على لبنان في تلك الفترة من حينٍ لآخر لزيارة والدتها.

في العام 1964، عادت “ أماليا “ إلى لبنان و بدأت مسيرتها في تلفزيون لبنان ( كان التلفزيون الوحيد في تلك الفترة في لبنان حيث تأسس عام 1959 ). في تلفزيون 

لبنان أطلّت مع الممثل القدير “ صلاح تيزاني“ المعروف بـ “ أبو سليم “ فيبرنامج ( نادي الهواة ) حيث مثّلت دور فتاة إيطالية لا تتقن اللغة العربية. كما شاركت في 

مسلسل ( تلاميذ آخر زمن ) الذي أنتج عام 2000، إلى جانب الفنان الكوميدي المصري الراحل “ وحيد سيف “ و  الفنان السوري الراحل “ ياسين بقوش “ و الفنان السعودي “ محمود عشماوي “ و نخبة من الفنانين اللبنانيين مثل “ بـيار شمعون، الممثل الكوميدي الراحل “ محمود مبسوط“ المعروف بشخصية “ فـهمان “،

“ ليلى كرم “، “ مي صايغ “، “ مجدي مشموشي “، “ علي الزين “، “ يوسف  حداد "، “ ليلى قمري “، و غيرهم.

خلال فترة الستينات و السبعينات، شاركت “ أماليا “ بـعدّة مسرحيات بدأتها مع الممثل الكوميدي القدير الراحل “ حسن علاء الدين “ المعروف بـ “ شوشو “ في مسرحية

 ( أستاذ شوشو ) و ( فرقت نمرة ) ثم ( كافيار و عدس ) مع بديعة مصابني ثم ( الدنيا دولاب ) مع نيللي، بعدها بدأت بتجربة السينما مع فيلم ( زمان يا حب ) مع الموسيقار 

الكبير الراحل “ فريد الأطرش“ عام 1973 و الفيلم الكوميدي ( زوجتي من الـهيبيز ) مع الممثل السوري القدير ( دريد لـحام ) بالإضافة إلى أفلام ( الحب والفلوس ) و 

( الفجر ) و  Amour d'enfants ...

كما شاركت “ أماليا “ في العديد من المسرحيات الترفيهية للأطفال. لكنها لم تحب “ أماليا “ تجربة السينما كثيراً كما صرّحت ذات مرة لـجريدة ( الأخبار اللبنانية ) : 

[ ربما لأنني لم أحظ بالأدوار التي أردتها ].

 شكّل اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 و وفاة “ شوشو “ إضافةً إلى زواجها لاحقاً مرحلة غياب لـ “ أماليا “ عن الأضواء ظنّاً منها بأفول أيام العز، لكنها عادت تحت إلحاح 

زملائها لتكمّل مسيرتها حيث شاركت في مسلسل ( المعلمة و الأستاذ ) إلى جانبالممثلين الراحلين “ إبراهيم مرعشلي “ و “ هند أبي اللمع “ صديقة طفولتها، حيث مثّلت 

“ أماليا “ دور تلميذة ظريفة مرحة و ذلك عام 1981. أما العمل الأخير لـ “ أماليا “ فقد كان في عام 2004 بمشاركتها في مسرحية ( 10452 ) مع الأب “ فادي تابت “، و عنوان العمل يمثّل مساحة لبنان بالكيلومترات المربّعة.                                     

شكّلت أعمال “ أماليا “ رافداً مهمّاً للبسمة العميقة لدى الجمهور، تلك البسمة رافقتهم أيام  الحرب الأهلية حيث امتزجت بلوعة ويلات الحرب و رافقت يومياتها. إضافةً إلى 

ذلك، فقد  طغى الطابع الكوميدي الترفيهي الهادف على تلك الأعمال و المتلمّس لـواقع المجتمع بشكل راقي، بخلاف بعض أنماظ الترفيه التلفزيوني المعاصرة التي تجعل المتلقي أسير عصر الصورة مع ما يدخل معها في اللاوعي من أنماط فكر استهلاكي يجعل المشاهد أسير استلاب فكري يؤثّر على ذلك النمط في حياته بشكل لا شعوري.

ذلك الفن الراقي بقالب كوميدي و جوهر رسالة ملتزم أصبح عملة نادرة في أيامنا هذه في ظل سيطرة الإعلام الترويجي الذي يضع نصب عينيه هدف تحقيق إيرادات 

إعلانية على حساب النوع و يتخذ من شعار ( الجمهور عايز كده ) ستاراً لمنهجه.                                                                                        

 “ أماليا “ التي أغنت التراث الفني اللبناني بمختلف أعمالها، شهدت جنازتها يوم أمس في مسجد ( الخاشقجي ) و مدافن ( الحرش ) في بيروت غياباً ملحوظاً للوسط الفني، 

حيث تذرّع بعضهم بانشغالاته فيما لجأ البعض الآخر إلى مواقع التواصل الاجتماعي ظنّاً منه أن ذلك يُغنيه عن واجب المشاركة بالمأتم.

 “ أماليا “.. لقد رحلت بصمت، لكن صمتك يهز الكيان و يرتجل البسمة المختزنة في العمق، و إن لم يُنصفك الوسط الرسمي و الفني فأنت في الذاكرة الجماعية اللبنانية. 

العمالقة يرحلون بالجسد، أما بصماتهم فتبقى حيّة ليس فقط في بنية الذاكرة و إنما في دينامية و تفاعل تلك الذاكرة مع الحياة اليومية، و الوجدان الشعبي يبقى الأساس في

مسيرة الكوادر الفنية و الإعلامية و العلمية...

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا