قديماً كان العائد من السفر كالمكتشف المغوار.. يخرج أهل
الحي جميعاً لاستقباله .. ويتوافد على بيته كل الأحباء
والأصدقاء ليصبح لا إرادياً بمثابة الحكواتي..
نجده جالساً في منتصف المجلس والناس ملتفين من حوله..
صاغرين آذانهم.. ومشدوهين من غرابة الكلام .... ويبدأ صديقنا
المسافر بسرد مغامراته.. ووصف ما شاهد... وطبعاً لا بُدَّ
لصديقنا أن يزيد في الوصف ويبالغ .. ليضيف بعض الإثارة للقصة... وما يلبث أن ينتهي
حتى تنهال عليه الأسئلة من كل حدب وصوب. .. فيبدأ بشرح ما تعسر فهمه ... ولا يتوانى
عن استخدام بعض المفردات الأجنبية التي تعلّمها لتأكيد صحة حديثه... والناس من حوله
ما بين مصدّق ومكذَب... مهتم ومنتقد .. ولكن التطوّر الساحق الذي حققه العلم على
كافة الأصعدة جعلت من المسافر شخصاً عادياً.. يسافر وحيداً ويعود دون أن ينتبه لغيابه
أحداً.. ولم يعد هناك من يستمع لقصصه... وإن وجد نراه يكذب أو يؤكد كل كلمة يقولها
المسافر بحكم معلوماته التي مصدرها صفحات الإنترنت أو القنوات التلفزيونية... ومن
الممكن كثيراً أن يكمل عنه باقي القصة.. فهذا التطوّر جعل من العالم كتاباً مفتوحاً ... لم
يعد هناك أي شيء غامض... ولم يعد هناك أخباراً تدهشنا.... كل شيء معروف.. ولم يعد
هناك شيء جديد.. فرغم أن للتطوّر ميزات لا تعد ولا تحصى .. إلا أنني أجد أنه أفقد الكرة
الأرضية غموضها وسحرها...