الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

"اشتباك"- الكل بريء وإن كان بلطجيا!

تحمست منذ بداية الإعلان عن عرض فيلم "اشتباك" في دور السينما، فبعيدا عن التحيزات السياسية، فأنت أمام عمل من تأليف الأخوين محمد وخالد دياب وإخراج الأول، ودوما أفلامهما سويا مميزة.

حاول أن تجرد نفسك من أي انتماء سياسي وأنت تشاهد "اشتباك"، فهذا في الأساس غرض الفيلم أن تضع نفسك في محل الآخرين، بخلفياتهم السياسية والاجتماعية، فإن لن تتمكن فستقع في فخ "الاستقطاب"، ونهايتك كما نهاية عربة الترحيلات.

الفيلم ليس وثائقيا أو توثيقا لأي لحظات ثورية، يجب ألا تنس هذا الأمر طوال مشاهدتك له.

الفيلم في مجمله يستحق الإشادة التي حصل عليها سواء من لجنة تحكيم مسابقة "نظرة ما" في مهرجان "كان" أو المجلات المختصة، وكذلك فنانون بحجم توم هانكس، لكنه لا يستحق محاولات منع عرضه أو تحجيم عدد الدور السينمائية العارضة له، حسبما روّج مؤلفه ومخرجه محمد دياب.

الفيلم لم يقدم الشرطة في صورة تسيء لها، بالعكس فقدمهم مضطرون إلى احتجاز أكثر من سعة عربة الترحيلات وذلك بسبب زيادة عدد المتظاهرين، كما أن رجل الشرطة يعد المقبوض عليهم دون سبب مثل "نجوى" التي تقدمها نيللي كريم وابنها، والقاصر "عائشة" التي قدمتها ببراعة مي الغيطي، بالخروج عندما تهدأ الأوضاع.

وعلى صعيد آخر، لم يُظهر الفيلم جماعة الإخوان المسلمين في صورة الأشرار، بالعكس فالتنظيم نفسه يرفض العنف ويوشي بمن يقتل الضباط وسط رفض عدد من المؤيدين لهم، وإن كنت رفضت سلوك القاتل فمهلا ستتعاطف معه بعد ثوان عندما تتركه الشرطة ينزف حتى الموت ولا تحاول الإسعاف التي من دورها أن تسعف المصابين مهما كانت ميول المسعف السياسية!

فأمام تبرئة الشرطة والإخوان من أي اتهامات من الممكن الوقوع بها وإلقاء اللوم على الاستقطاب والظروف المحيطة، برأ الفيلم أيضا البلطجية وجعلك تتعاطف معهم من خلال شخصية "السايس ربيع" الذي يحاول إظهار وجه آخر له غير الطيب.

شخصيات الفيلم جاءت مكتوبة بشكل جيد ولكن بعيدا عن الكشف عن حياتهم الشخصية، فقصة الفيلم ورمزية عربة الترحيلات لم تحتمل إطلاقا الكشف عن علاقة "مانص" -أحمد مالك- بشقيقة صديقه "فيشو" (حسني شتا) وكذلك بمقتل الكلب "جربان" مثلا! فحذف هذه المشاهد لن يؤثر في الحبكة الدرامية.

بطل العمل الحقيقي هو تصوير الفيلم لمدير التصوير أحمد جبر، فبسبب التصوير تكاد تشم رائحة صدأ السيارة وعرق الأبطال من الحر الشديد الذين يتعرضون له، وكذلك في المشاهد التي يظهر بها العالم الخارجي من شباك عربة الترحيلات، فرغم القطبان وضيق الكادر فأنت لا تشعر بالضجر.

وجاء السيناريو والحوار مكتوب بإتقان، جاء الحوار تلقائي وعشوائي جدا، وهذا المفترض لأن الشخصيات لا تعرف بعضها وليس بينهم أي من الخلفيات المشتركة التي من الممكن التكهن بطريقة الكلام بينهم، كذلك المشاهد الكوميدية و"الإفيهات" جاءت طبيعية وتلقائية مما أثار الضحكات بشكل مبهج رغم سوداوية موضوع الفيلم.

"اشتباك" في مجمله عمل فني متكامل من إخراج وتصوير وتأليف وكذلك الموسيقى التصويرية التي كانت ضيفا خفيفا على الأحداث، إن وجدت وقتا ضمن يومك اجعله من أولوياتك.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى