الارشيف / ثقافة و فن / في الفن

رسالة لوكارنو السينمائي (6): من البياتزا جراندي للفيلم التفاعلي.. سينما الماضي والحاضر تلتقي

  • 1/2
  • 2/2

في جدول مهرجان لوكارنو السينمائي وعلى باب قاعة العرض تجد ما يرشدك لضرورة تحميل تطبيق يدعى CtrlMoive على هاتفك الذكي، والدخول على شبكة واي فاي تحمل نفس الاسم، لأنك ستتمكن من خلال التطبيق أن تحدد مسار الفيلم وتختار قرارات شخصياته. أهلاً بك في عالم السينما التفاعلية Interactive Cinema.

على هامش مهرجان لوكارنو السينمائي التاسع والستين أقيم هذا العرض للفيلم التفاعلي "وردية متأخرة Late Shift" للمخرج السويسري توبياس فيبر، والقائم على تفاعل الجمهور مع الفيلم عبر مجموعة من الأسئلة تظهر على شاشات الهاتف عندما يتوجب على البطل اتخاذ بعض القرارات، فيقوم المشاهدون بالتصويت خلال 3 ثوان ليقوم الفيلم بالاتجاه بأحداثه إلى ما اختارته الأغلبية، كأن يُعرض عليه أن يشارك في عملية سرقة فيجيب الجمهور على سؤال: يوافق أم يرفض.

بين الفيلم واللعبة

التجربة يمكننا أن نصفها بأنها تقف في مسافة وسطى بين الفيلم ولعبة الفيديو، فإذا كانت الألعاب تقوم بوضع كل الاحتمالات الممكنة وتحرك نفسها وفقاً لأداء المستخدم، فإن هذا تقريباً هو ما فعله صناع الفيلم الذي صوّروا الكثير من المواقف والاحتمالات ووضعوها بحيث يختار الجمهور من بينها فتتحرك الدراما وفقاً لهذا الاختيار.

ونقول أنه أشبه بالألعاب لأن متعة التجربة ظلت قائمة فقط على نمط المشاهدة غير المعتاد، بينما كان من الواضح أن الفيلم نفسه عبارة عن حكاية مختلقة تم توفيقها كي تستوعب المزيد من الاختيارات طيلة زمن الفيلم. الأمر الذي دفع كثير من الحاضرين على مغادرة قاعة العرض تباعاً، كل وفق قدرته على الاستمرار في اللعبة.

صحيح أن هذه هي طبيعة الحال مع أي تقنية حديثة يتم إدخالها للسينما، ولنذكر مثلاً أول أعمال نفذت بتقنية الأبعاد الثلاثية، لكن تقييمي الشخصي أن الأمر لن يذهب بعيداً ولن يعدوا كونه مجرد لعبة أو مزحة يمكن تجربتها مرة في العمر، لسبب بسيط هو أنه لا يتوافق مع كون الفيلم عمل فني وإبداعي يفترض أن ينتج من ذهن صانع أو أكثر، عمل به الكثير من الخصوصية والحس الذاتي أحيانا، وليست من صفاته الديمقراطية أو التحرك طبقاً لرأي الأغلبية.

الحداثة تجاور الكلاسيكية

عرض الفيلم التفاعلي يبدو مناسباً لمهرجان مهووس بالجديد في عالم تقنيات السينما، لكن الحقيقة أنه يأتي في سياق الحدث الذي لا يزال يحتفظ بأجمل عروض كلاسيكية في أوروبا، وأقصد عروض البياتزا جراندي، أكبر شاشة عرض في القارة العجوزة.

خلال أيام المهرجان تتحول الساحة الرئيسية للمدينة إلى صالة سينما صيفية ضخمة، تستوعب ما يزيد عن ثمانية آلاف مشاهد، ما بين جالس على مقاعد السينما التي يضعها المهرجان، أو على إحدى طاولات المطاعم المنتشرة في الساحة والتي ترتب طاولاتها وقت المهرجان لتضمن مشاهدة ممتعة مع طعام شهي، أو حتى من يقررون أن يشاهدوا الفيلم وقوفاً من جوانب الساحة الضخمة.

لكي تتصور ضخامة العرض الذي يضم فيلمين كل يوم يكفي أن نقول أن المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية يستوعب لما يزيد قليلاً عن الألف مشاهد، أن أن البياتزا جراندي توازي حوالي ثمانية أضعاف لأكبر مسرح مصري. أما الشاشة نفسها فيلاحظ كل من يجلس أمامها أن ارتفاعها يفوق ارتفاع مبنى مجاوز مكوّن من ستة طوابق.

فخر التكنولوجيا ومتعة سينما الماضي

عروض البياتزا جراندي تعد بشكل ما فخراً للتكنولوجيا السويسرية، ففي أي مكان من الساحة الهائلة يمكن للمشاهد أن يسمع بوضوح صوت الفيلم حتى لو كان يبعد عن الشاشة بما يقارب الثلاثمائة متر. أما بمجرد أن تنحرف يميناً أو يساراً في الشوارع الضيقة المتفرعة من الساحة، يتوقف الصوت فوراً عن الوصول كي لا يشكل إزعاجاً لسكان المنازل.

صحيح أن الإزعاج يبقى من مصادر أخرى أهمها وجود الآلاف حتى الثانية صباحاً كل ليلة، وصحيح أنه لا يبدو على سكان المدينة الانزعاج من زحام المهرجان بل يكاد الجميع يحتفل بالحدث الذي تجد ألوانه المميزة (ألوان جلد الفهد) على كل مكان في لوكارنو، إلا أن هذه الدقة التقنية هي حقاً أمر مدهش.

لكن المدهش حقاً وبعيدا عن كل التقنيات سواء كانت عرض ضخم أو فيلم تفاعلي، هو هذا الشعور الذي تزرعه عروض بياتزا جراندي في النفوس. الشعور الجمعي بقوة السينما وسحرها المسيطر على الآلاف في اللحظة ذاتها. الأجيال القديمة عاشت هذه اللحظات في المسارح الضخمة والسينمات الصيفية، ما أجيالنا فقد نشأت في صالات المالتي بلكس الخانقة، بعدما صارت السينما الصيفية مجرد أثر لم يبق منه إلا أسوأ ما فيه.
في عروض ساحة لوكارنو تعود السينما إلى الزمن الذي صنع أسطورتها، زمن الأفلام الكبيرة والقاعات التي تستوعب آلاف يلتزمون جميعاً الصمت عندما يبدأ العرض استجابة لسحر السينما، حتى أن مشاهدة أفلام البياتزا جراندي هي متعة في حد ذاتها ومهرجان مستقل، بغض النظر عن عنوان الفيلم المعروض أو مستواه.

وبين هذا العرض الكلاسيكي بأناقته وتجارب السينما التفاعلية التي تحيل المحمول عنصراً من عناصر المشاهدة، نستمتع في لوكارنو السينمائي بأشكال متنوعة من السينما الجميلة والجديدة.

ااقرأ أيضا
خاص في الفن.. رسالة لوكارنو السينمائي (1).. المهرجان ينطلق بمشاركة مصرية مميزة اليوم
رسالة لوكارنو السينمائي (2)- ثلاثة مهرجانات في واحد.. وافتتاح مبهر للمسابقة
رسالة لوكارنو السينمائي (3): ثلاثة أفلام أوروبية عن العرب
رسالة لوكارنو السينمائي(4)- "الماء والخضرة والوجه الحسن".. يسري نصر الله يصالح السينما الفنية والتجارية

رسالة لوكارنو السينمائي (5).. "أخضر يابس" مُمثلاً لسينما الحاضر في المهرجان

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى