إذا كنت لا تعرف أي شيء عن الفيلمين، فلازلت غالبا تعرف القصة جيدا، بسبب نسخة مصرية مسلية أخرجها سمير سيف، وقام ببطولتها عادل إمام عام 1991 بعنوان "شمس الزناتي".
نجاح الفيلم الأمريكي الأول دشن فكرة حشد مجموعة من الأوغاد والمجرمين والبلطجية للقيام بمهمة من أجل الخير، وهى حبكة لا تزال جماهيرية حتى اليوم. يكفي مثلا أن نذكر فيلم "الفرقة الانتحارية" Suicide Squad المعروض حاليا، أو سلسلة ناجحة من نوعية The Expendables يقوم ببطولتها قائمة من أباطرة الأكشن في هوليوود، يتصدرهم سلفستر ستالون.
اقرأ أيضا: مارجو روبي تنقذ الفرقة والفيلم في Suicide Squad
بعد 56 عاما من الفيلم الأمريكي السابق، وعشرات الأعمال الأخرى التي لامست نفس الفكرة، ما الذي يمكن أن تضيفه نسخة جديدة في 2016؟ إذا افترضنا جدلا أن هناك محاولة فعلا لشحن القصة بجديد، وأن المسألة ليست مجرد استغلال تجاري لشعبية الفيلم الأول.
شاهد إعلان نسخة 2016 من "العظماء السبعة"
" frameborder="0">
الفيلم الياباني الأصلي والأمريكي الأول، تعبير عن حالة تقدير من صناع الفيلمين لمرحلة ثقافية وتاريخية مهمة من حياة الشعبين. الحفاوة برجال الساموراي في الفيلم الياباني، أو برعاة البقر في الأمريكي، وصبغهم بالبطولة والتضحيات والنُبل، انعكاس لنزعة وطنية وقومية، تواجدت بقوة في عقود الخمسينات والستينات.
غالبا لم تكن صدفة، أن الأول تم إنتاجه بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية بسنوات، خلال فترة صادمة احتاج معها الجمهور الياباني لأفلام بطولية ترفع المعنويات، وتُمجد تاريخ الوطن. وأن الثاني تم إنتاجه مطلع الستينات، وهى الفترة التي شهدت أعلى معدلات تفاؤل وفخر للشعب الأمريكي.
هذا الفخر يبدو واضحا في اختيارات المخرج جون ستورجس، في نسخة 1960 لدرجة سيصنفها البعض كاستعلاء عنصري بمعايير اليوم. في الفيلم السبعة الأبطال هم رعاة بقر أمريكيون، يتصدون لحماية قرية مكسيكية على الحدود من عصابة مكسيكية تقوم بسرقة أهلها بانتظام.
الرسالة بالتأكيد واضحة ومتناغمة مع روح الستينات. النموذج الأمريكي ليس فقط مثالي على أرضه، بل يمثل أيضا النموذج العادل الواجب تصديره والاسترشاد به عالميا، للتصدي لكل المشاكل والشرور.
شخصية "برناردو" تحديدا التي قدمها العملاق الراحل تشارلز برونسون، كمقاتل نعرف في منتصف الأحداث، أنه من أصول نصف أمريكية نصف مكسيكية، تبرهن أكثر هذه النزعة الوطنية. هذا الرجل النصف مكسيكي، أفضل وأشجع من أقرانه المكسيكيين، لأنه فاز بنصف أخر أمريكي. بنصف يؤهله ليصبح من "العظماء السبعة".
مفتاح فيلم 2016 يكمن أيضا في توقيت صناعته رغم أحداثه التي تدور عام 1879. هذا فيلم يستند إلى روح الحاضر وقضاياه في أمريكا. والقضية الأولى المثارة حاليا هي التعددية العرقية والثقافية والترحيب بالمهاجرين. تكريم الآخر الوافد واعتباره جزء أساسي وضروري من النموذج الأمريكي. أو طبقا لنص تصريحات مخرج الفيلم أنطوان فوكوا الأسمر البشرة، تقديم رسالة رفض لما يمثله دونالد ترامب، مرشح الرئاسة الحالي من وجهة نظره.
هذا التكريم يبدو واضحا مع التغير الكامل في تركيبة الشخصيات هنا، مقارنة بنسخة 1960. الشرير هذه المرة ليس مكسيكي (أجنبي)، بل أمريكي أبيض يتحدث عن الرأسمالية والديمقراطية داخل الكنيسة!
أما العظماء السبعة فيتزعمهم هذه المرة أمريكي أسود، يقوم بدوره دينزل واشنطن، وتتضمن عرقياتهم وثقافاتهم كل الأنواع. الآسيوي، الهندي الأحمر، الأبيض بل وأيضا المكسيكي. ولاحظ هنا كيف تغيرت المعادلة تماما، فأصبح المكسيكي هو المُدافع عن القرية الأمريكية. وبالطبع ما دمنا نتحدث عن ضوابط سينما 2016 فمن الضروري أن يضم الفيلم شخصية نسائية بطولية، لا تقل شجاعة وبسالة عن الرجال.
بمعايير زمن الأحداث تاريخيا، لا توجد مصداقية لفكرة تواجد قائد أسود البشرة لجمع من هذا النوع، والطريف أن الفيلم يتجاوز هذه النقطة تماما بخصوص بطله، لدرجة أن الوصف الدارج وقتها للسخرية من السود (زنجي)، لا يتم نطقه نهائيا حتى من الخصوم. نقطة جديرة بالذكر، وتستدعي مقارنة حتمية مع أفلام "الويسترن" الأخيرة للمخرج تارنتينو، التي شهدت على كل شطحاتها المعتادة في أعماله، تأصيل تاريخي أدق لهذا الزمن وطباعه العنصرية.
اقرأ أيضا: The Hateful Eight.. ألغاز أجاثا كريستي وحمام دم تارنتينو!
لا يوجد فنيا خطأ في تجاوز هذا التاريخ، ما دمنا نتحدث في النهاية عن فيلم مغامرات، لا يزعم تقديم تأصيل حقيقي للمجتمع الأمريكي في زمن الأحداث. لكن تجاوز هذه النقاط تماما، والترحيب النقدي والإعلامي بتجاوزها في الفيلم، يذكرنا بتناقض سائد حاليا.
للمقارنة لاحظ مثلا كمية الرفض التي تم توجيهها لأفلام مغامرات أخرى، بحجة عدم دقتها من النواحي العرقية والتاريخية. وهكذا تصبح الدقة العرقية للشخصيات والممثلين مطلوبة، في فيلم مغامرات فنتازي من نوعية آلهة مصر Gods of Egypt لأنها تتعلق بتواجد أكبر وأقوى للعرقيات غير البيضاء. لكنها غير مطلوبة نهائيا في فيلم ويسترن أمريكي، لأن تجاوزها فيه يتعلق أيضا بتواجد أكبر وأقوى لنفس العرقيات!
اقرأ أيضا: لعنة الفراعنة تسخط "آلهة مصر" لمجرد ملوك في Gods of Egypt
في عمل من هذا النوع تظل النقطة المهيمنة هي جاذبية وحضور الشخصيات، خصوصا أن النسخة السابقة ضمت قائمة نجوم ثقيلة الوزن (يول براينر - ستيف ماكوين - إيلي والاش - تشارلز برونسون - جيمس كوبرن). رغم فوز الفيلم هنا بقائمة ثقيلة أيضا، تبدو الاستفادة أقل بكثير.
مخرج الفيلم أنطوان فوكوا سبق له التعامل مع دينزل واشنطن في عملين من أنجح أعماله، وهما يوم التدريب Training Day - المُعادل The Equalizer لكنه هنا أخفق إلى حد كبير في الاستفادة منه. الشخصية أقل مرح وحضور من الباقين حولها، ورغم حرص واشنطن على صبغها بطباع صارمة، انتهت بتأثير أقل رهبة وزعامة، مقارنة بما حققه يول براينر.
في المقابل يبدو زميله كريس برات أسعد حظا نسبيا، بدور خفيف يواصل به تدشين الشخصية البطولية المرحة التي أحبه الجمهور فيها، وقدمها سابقا في أعمال مثل حُراس المجرة Guardians of the Galaxy - عالم جوراسي Jurassic World.
نفس الشيء يمكن قوله عن فينسنت دونوفريو، الذي اختلق هنا الشخصية الأكثر غرابة وسط السبعة، سواء من ناحية الشكل أو الصوت أو الطباع. وبدرجة أقل يمكن الإشادة أيضا بأداء إيثان هوك، لأن نجاحه في لفت الأنظار مهمة أسهل، على ضوء كونه صاحب الشخصية التي مرت بتغيرات مهمة خلال الأحداث.
وبالطبع نالت الشخصية النسائية الوحيدة اهتماما خاصا، واكتسبت حضورا أقوى بفضل أداء جيد من هالي بينيت. تحولات شخصيتها أكثر مصداقية من الباقين، لأن دوافعها موجودة ومفهومة منذ البداية.
الباقون حشدهم المخرج بطباع قتالية وشكلية، تتناسب مع ثقافات أعراقهم (سيوف وخناجر للآسيوي - قوس وسهم للهندي الأحمر)، لكن يمكن القول أن أغلبهم سيمر مرور الكرام على الذاكرة. لا السيناريو منحهم فرص للتألق، ولا الاختيارات التمثيلية للأدوار تكفلت بتحقيق ذلك.
أما الخطأ الأكبر في الاختيارات فيخص الشرير الرئيسي، الذي قام بدوره بيتر سارسجارد. أداؤه لا يترك انطباعا حقيقيا بالقسوة والرهبة، رغم الفرص المتكررة ومحاولات الحوار صبغه بهذه الصفات. وهى نقطة سيئة جدا لفيلم، منح الشخصية الكثير والكثير زمنيا، وحاول صبغها بصفات وإسقاطات تخص الحاضر، لكن انتهى رغم ذلك بشرير هوليوودي آخر باهت.
أي مُشاهد للأعمال السابقة المقتبس منها الفيلم، سيتذكر غالبا تسلسل الأحداث. التعريف بالشخصيات، ثم حشدهم سويا استعدادا للمهمة. ارتباطهم وجدانيا ببعض وبالمكان والناس في القرية. وأخيرا المواجهة الحاسمة مع العصابة الشريرة.
رغم محاولات شحن النصف الأول بطابع مرح، أقرب لأعمال "الويسترن" التي قدمها المخرج الراحل سرجيوليون مع كلينت استوود مقارنة بفيلم 1960 السابق، لم يحقق الفيلم الكثير على هذه الناحية. ووصل لمحطة المواجهة الأخيرة، دون إقناعنا بقوة هذا الترابط بين المقاتلين السبعة أو تبريره. السبعة سويا لأن الفيلم يريدهم كذلك وليس لسبب آخر.
المواجهة الأخيرة يُحسب للمخرج فيها حرصه على انتزاع الحد الأقصى من العنف المسموح به في فيلم بتصنيف رقابي PG-13 وهى نقطة مطلوبة لفيلم "ويسترن". لكنها في النهاية نموذج متواضع جديد، لما يقدمه مخرج متوسط القدرات في الأكشن، حتى عندما تتوفر له ميزانيات هوليوود المرتفعة.
الأعداء يسقطون كالحشرات لأن كل طلقة وكل طعنة من الأبطال، لا تُصد ولا تُرد. نموذج عكسي بائس للمطلوب بديهيا، وهو كفاح السبعة المرهق للفوز على عشرات. في أحد المقاطع الأسوأ، يستدعي فوكوا مشهد الرشاش الآلي الضخم الأيقوني، من فيلم سام بيكنباه "العصبة الوحشية" The Wild Bunch الذي تم إنتاجه عام 1969.
رغم الفارق الزمني الضخم يظل مشهد بيكنباه أفضل. توجد بالتأكيد معالم إتقان أعلى في مشهد 2016 تتضح مثلا في طريقة تنفيذ الماكياج وخدع الإصابات، وتأثير الطلقات والشظايا، وهى مسألة منطقية لفيلم هوليوودي بخبرات الحاضر، تتجاوز ميزانيته الـ 90 مليون دولار. لكن فوضوية مشهد بيكنباه، أكثر انضباطا ودقة وتركيز وتأثير، بفضل المونتاج قبل أي شيء.
في نسخة بيكينباه يمكنك دائما أن تعرف، من في الشخصيات يتعرض للقصف، وأين يتواجد كل منهم. أن تفهم ما تشاهده وتتفاعل معه. في المقابل تبدو نسخة فوكوا هنا، رغم طولها وتكاليفها الجنونية، تائهة التأثير والتعريف والتحديد الجغرافي تماما، وأقرب ما تكون لتقليد طفولي عابث، من مخرج يظن أن التقطيع السريع والصوت الهادر، عناصر كفيلة بخلق نفس التأثير.
مشهد بيكنباه عن الفوضى التي تحدث أثناء العنف والحروب، ومشهد فوكوا هو الفوضى نفسها في تنفيذ مشاهد العنف والحروب، والفارق بين الاثنين هو نفسه الفارق بين مبدع أكشن حقيقي، ومخرج متوسط الإمكانيات والخيال في هذا المجال.
تظل للنسخة الجديدة مزاياها بصريا، بفضل مواقع التصوير الخارجية الثرية، ومجهودات طاقم إدارة إنتاج، يتفهم جيدا طبيعة "الويسترن" ومستلزماته من حيث الديكورات وخلافه. وهى مزايا تبلورت أكثر وأكثر بفضل خبرات مدير التصوير ماورو فيوري، الحاصل على الأوسكار عن "آفاتار" Avatar.
الأخير بالمناسبة اختار مع المخرج هذه المرة التصوير بالطريقة الكلاسيكية، على خام نيجاتيف 35 ملم، في إجراء نادر حاليا، على ضوء اكتساح الكاميرات الديجيتال. والنتيجة موفقة جدا لفيلم يحاول بالأساس ملامسة كلاسيكيات "الويسترن" وطابعها البصري.
كل هذه الجهود رغم نتيجتها الملموسة على الشاشة، تدعو للحسرة وتستحق بالتأكيد سيناريو أفضل ومخرج أكثر جدارة. على ذكر السيناريو لم أنتظر الكثير من اسم ريتشارد وينك صاحب التاريخ المتوسط، لكن انتظرت الكثير والكثير من نك بيزولاتو، مؤلف مسلسل "محقق فذ" True Detective في أولى تجاربه السينمائية.
لا بأس نهائيا بإعادة إنتاج لا تسعى لتقديم جديد منعش بالكامل، لكن يُشترط على الأقل الحرص على تقديم عمل يملك مزايا الأصل، ويحقق الحد الأدنى من سحره. الحد الأدنى هنا هو 7 شخصيات جذابة أو 8 إذا أضفنا الشرير، بالإضافة لأكشن مُتقن، وهو ما لم يتحقق للأسف بشكل مُرضي.
في الجملة الأخيرة للفيلم نستمع لأحد الشخصيات، وهى تتحدث عن روعة وعظمة ما شاهدناه. ربما لم يجد فوكوا في فيلمه كله، ما يستحق وصف Magnificent فعلا، فقرر أن يفرض علينا هذا الوصف قبل النهاية!
والطريف أن اللحظة الوحيدة التي يقارب فيها فيلمه فعلا هذه الصفة، تبدأ مع تترات النهاية، عندما يظهر في شريط الصوت تيمة الموسيقى التصويرية للفيلم الأصلي، التي ألفها إلمر بيرنشتاين ونالت ترشيح أوسكار.
فقط حينها يقترب فيلم 2016 قليلا من أمجاد الويسترن العظيمة، التي أخفق في ملامستها على مدار ساعتين.
استمع إلى التيمة الموسيقية لنسخة 1960
" frameborder="0">
محاولة متواضعة أخرى من هوليوود لإحياء الكلاسيكيات وأجواء "الويسترن". بعض الشخصيات جذابة، مع صورة لا تخلو من مزايا على الشاشة الكبيرة، لكن لا يوجد شيء عظيم هنا. كل شيء متوسط في فيلم لا يستحق اسمه، ولا طاقمه التمثيلي، ولا ميزانيته المرتفعة.
اقرأ أيضا: "دستة أفلام" مُنتظرة في سباق أوسكار ٢٠١٧