رومبرج رجل مشغول على الدوام، متوسط عدد الأعمال التي يشترك فيها سنوياً تتراوح ما بين 40-50 عمل. أحياناً يقوم هو بالتمثيل الكامل لمشاهد هامة وحقيقية في المسلسل نيابة عن الممثل الذي يقوم بدوره. ففي مسلسل NBC الناجح Grimm والذي بدأ عرضه عام 2011، ارتدى رومبرج ملابس وماكياج الوحش، بينما الممثل الذي يقوم بدور الشرير لم يرتدِ قناع الوحش بتاتاً.
على الرغم من تعرضه لكسور من حين لآخر، عظمة رومبرج كما نقول "ناشفة" وليس من السهل كسر شوكته. حتى في دخوله عالم التمثيل البديل وأداء الأدوار الخطرة، تعامل خريج الهندسة الفيزيائية برادي رومبرج مع الموضوع كدراسة جدوى، وحلل المهنة من كل الزوايا. احترف المهنة فقط عندما اكتشف بحسبة دقيقة أنه يمكنه أن يكسب ضعف ما يكسبه كمهندس فيزيائي بالعمل كممثل بديل، ولو على حساب وسامته التي يمكن أن تؤهله لأدوار البطولة السينمائية الهوليوودية ولكن الوقت الذي سيستغرقه حتى يحقق هذا الهدف –لو حققه- سيكون أطول بكثير من قدرته على الانتظار. سيضطر لقبول أسوأ الأدوار لعشر سنوات أو أكثر حتى يستطيع تكوين اسم له أهميته، ولأيام عدة سيذهب لمواقع التصوير وينتظر بالساعات حتى حضور النجم، ثم يغادر بعد أن يكون حفظ جملتين بالعدد لا تأثير لهما في الدراما بشكل فعلي.
أحد عوامل الجذب أيضاً هو التغيير الشامل في الخارطة الفنية الأمريكية، والذي ساهم في زيادة عدد الأدوار المتاحة للممثلين البدلاء، خاصة مع هوجة أفلام الأكشن المبنية على كوميكس، سواء من مارفيل أو دي سي كوميكس، أو إعادة إنتاج أفلام حركة قديمة ستحتاج بالتالي للكثير من ممثلي الأدوار الصعبة، وعن هذا يتحدث رومبرج باستفاضة: "في الخمسينات والستينات، كان تأدية المشاهد الخطرة مهنة للكهول. ويمكن بسهولة أن تجد ممثل بديل في الأربعين أو الخمسين يقوم بأداء مشاهد خطرة لممثلين بالكاد أتموا العشرين أو الثلاثين. الآن الوضع يختلف كليا، فللممثل البديل عمر افتراضي ولا يمكن أن يقوم ممثل بديل بأداء المشاهد الخطرة لممثل عشريني في الوقت الحالي أبداً، ومدربو الأداء التمثيلي البديل الآن يفكرون ألف مرة قبل تدريب ممثل يتعدى الثلاثينيات على أداء الأدوار الصعبة، فقد أصبح الوضع أكثر رحابة، والأدوار أكثر تطلباً.
الممثل البديل صغير السن يستطيع تقليد الممثل الأكبر منه جسدياً وحركياً، فقد كنت أقوم بدور نيابة عن ممثل أمريكي يدعى بيل باكستون (Titanic، True Lies، Frailty...) والذي كان وقتها في الخمسين من عمره، وقلق من كون فتى في الثلاثين لن يستطيع محاكاة مشية ولغة جسد رجل في عمره، لكنني استطعت تأدية الدور على أكمل وجه، مما أثار إعجاب باكستون نفسه."
يؤكد رومبرج على أن ازدهار مهنة التمثيل البديل بدأ مع زيادة عدد المسلسلات التليفزيونية مع نهاية السبعينات، ومطلع الثمانينات. في هذا الوقت، كان يمكن لممثل بديل واحد تأدية كم هائل من الأدوار وجمع الكثير من الأموال في يوم تصوير واحد، نظراً لقلة عدد ممثلي الأدوار البديلة، وانتشار مسلسلات الجريمة و"الويسترن" مثل Dukes of Hazzard وMiami Vice، وغيرهم.
"مع دخولي المهنة عام 2006، كان الوضع سيئا للغاية، فلم يكن التليفزيون سوى سلسلة من برامج الواقع، وعدد ممثلي الأدوار البديلة في تزايد بينما الفرص قليلة. لكن العشر سنوات الأخيرة ومع حراك الصناعة التلفزيونية الأمريكية، أصبح هناك كم هائل من الأدوار وأيضاً الأشغال. مع دخول شركات مثل Netfilx وAmazon في الإنتاج التليفزيون، أصبحت الصناعة مزدهرة، وتنوعت الأعمال التلفزيونية، مما جعل الطلب على أبناء مهنتنا يزداد بشكل غير مسبوق."
ومع سؤاله عما يفضل؛ العمل السينمائي أم التليفزيوني، أجاب رومبرج بأنه يفضل العمل في التليفزيون، على العكس من كثير من أقرانه. فالعمل في الفيلم الواحد قد يستغرق من 9-10 أشهر، ينقطع فيها الممثل عن عائلته وأصدقائه، مما قد يتسبب في مشاكل شخصية بينه وبين الآخرين، ويفقده التواصل معهم. بينما العمل التليفزيوني يتيح للممثل البديل العمل على أكثر من دور في نفس الوقت، وسيجد لديه وقت فراغ كبير في نهاية الشهر يقضيه مع من يحب. شدد رومبرج أيضاً على الأثر الإيجابي الذي شكله تكوين جمعية الممثلين البدلاء السينمائيين عام 1961، مما أعطى للمهنة ثقلها، ووفر بيئة مرحبة آمنة لمزيد من الوافدين عليها. لكن الوضع ليس مشرقاً هكذا بالنسبة للممثلات البديلات، كما أوضح لي.
"الأمر عرض وطلب بالنسبة للرجال، فهوليوود نفسها تعاني من الهيمنة الذكورية، مما يوفر تنوع في أدوار وأنماط الرجال الذين يقومون ببطولة الأفلام، وبالتالي أولئك الذين يؤدون الأدوار الخطرة نيابة عنهم. أما بالنسبة للنساء، فبطلات أفلام الحركة لهن مواصفات جسدية معينة، لا تتمتع بها أعتى الممثلات البديلات، منهن أختي لوسي رومبرج، والتي تؤدي المشاهد الخطرة للنجمة الكوميدية ميليسا مكارثي. (لوسي) هي التي أدت معظم مشاهد فيلم مكارثي الأخير Spy، على الرغم من أن مكارثي نفسها تفضل أداء المشاهد بنفسها. لوسي بطلة عالمية، حصدت جوائز في مسابقة ريدبول للباركور، ومرونتها الجسدية عالية للغاية، إلا أنها احتاجت إلى ثمان أعوام لتحقق ما حققته أنا في عامين اثنين فقط، نظراً لأن مواصفاتها الجسدية والشكلية بعيدة كل البعد عن نجمات الحركة النحيفات، الأشبه بعارضات الأزياء."
لم يكن من الممكن تجاهل آثار حياة الخطر والصعاب على رومبرج، وتطرق الحديث لأخطر الحركات التي قام بها، قائلا: "أكثر التجارب إيلاماً ليست التجارب التي أدخلتني المستشفى، الكسور يمكن تحملها، لكن أصعب ما أواجهه في مهنتي هو التعامل مع السخفاء. هناك مواقع تصوير أشبه بالجحيم، كنت أنهيها وأنا أعلم أنني لن أتعامل مع هؤلاء الناس مرة أخرى. ليست فقط الأستوديوهات الضخمة هي التي تتمتع بأسوأ عينات البشر، لكن بعض مواقع التصوير للأفلام المستقلة كانت سيئة للغاية، للأسف فإن طلبة مدارس السينما يأتون لموقع التصوير متخيلين أنهم يعلمون كل شيء ولا يتعاملون مع خبرتي وفارق السن بيننا بجدية، بل يكونون شديدي الغرور والتكبر على الاعتراف بأخطائهم الفنية، ويحاولون إلقاءها على أقرب شخص ممكن."
"أصعب المشاهد التي أديتها ليست بالضرورة التي تركت ألماً أكبر، عندما قمت بتأدية دور جستين تيمبرليك في إعلان "بيبسي" الشهير، كان هناك شفاط هوائي سيسحبني من خلال باب المطعم الذي يجلس فيه تيمبرليك –افتراضياً- يتناول الطعام مع أصدقائه. لكن الشفاط بدلاً من سحبي من باب المطعم المفتوح، رفعتني لأخترق السقف، وينكسر ظهري. سمعت صوت تكسير عظامي وأنا واع، وكانت هذه من أرعب التجارب في حياتي، أرقدتني في الفراش ثلاث شهور كاملة.
" frameborder="0">
قمت بأداء مشهد خطر مكان جستين تيمبرليك أيضاً في فيلم Friends with Benefits ، في أحد المشاهد، كان معلقاً من شعار هوليوود الشهير أعلى الجبال في لوس أنجليس، والمفترض أن طائرة هليكوبتر ستأتي لإنقاذه لخوفه من المرتفعات. كنت أنا بديلاً له في هذا المشهد، كما هو الحال معلقاً على حبل يقع 12 متر أسفل شفرات الهليكوبتر، والتي تطير بسرعة 100 كيلومترا في الساعة أعلى جبال هوليوود. وأنا متدل من الحبال، أطير فوق الجبال والأشجار، تخيلت قطع الحبال، وللحظة تهيأ لي أنني قد أموت في أي وقت."
لم يتألم رومبرج في مثل المرة التي كسر فيها كاحله، واضطر للعمل المتواصل برغم الألم الشديد الذي شعر به. خاصة أن التشخيص اضطره لرؤية أكثر من 6 أطباء، حتى يكتشف أحدهم أن الألم الشديد الذي يعاني منه سببه كسر شديد داخل مفصل الكاحل نفسه. استمر العلاج 15 شهر حتى قام الأطباء بإجراء عملية جراحية أزالوا فيها 20 رقاقة عظام من داخل كاحله، كانت تسبب له ذلك الألم الهائل. أما أفضل أداء تمثيلي بديل قام به، فكان في الفيلم المستقل الناجح للغاية Whiplash من بطولة مايلز تيلر جي كي سيمونز.
وحكى عن تجربته في الفيلم قائلا: "لم أمثل بدلاً من تيلر في مشاهد الدرامز، ولكن في مشهد واحد وهو حادث السيارة الرهيب. عندما يكون مايلز في السيارة وتصدمه شاحنة، هذا لا يحدث على الإطلاق، هي خدعة VFX، لكن عندما تنقلب السيارة وتتدحرج عبر الطريق، أكون أنا في السيارة، لا تيلر. الفضل في خروج المشهد بهذه الصورة الرائعة يعود لفريق المؤثرات البصرية. ونجاح هذا الفيلم هو ما دفعني للتفكير في الفيلم الذي أريد إخراجه. لقد درست الإخراج وقمت بإنتاج 5 أفلام قصيرة وفيلم روائي طويل بعنوان Boone: The Bounty Hunter. وفي الواقع هذه هي النهاية التي أراها لمشواري كممثل بديل؛ التركيز على الإنتاج وتوفير عمل لممثلين بدلاء آخرين. أعكف الآن على إنتاج مسلسل تليفزيوني، أعمل عليه منذ ثمان سنوات، وأطمح لأن أجد موزعاً جيداً."
يرى رومبرج أن التمثيل البديل أو تمثيل المخاطر أشبه بأي مهنة أخرى، لكنه ينصح من يريد البدء في هذه المهنة بالتعامل معها كمهنة تمثيلية وليس فقط وسيلة للكسب من اللياقة البدنية.
وفسر: "الممثلون البدلاء لهم الفضل الأكبر في نجاح أفلام ضخمة الإنتاج مثل Captain America الأخير مثلاً. كل ما على الممثل البديل فعله هو أن يجعل جلده سميكاً بينما يمضي في طريقه، لأنها مهنة صعبة من ناحية التعامل مع الأسماء الكبيرة في البلاتوهات وشركات الإنتاج. ما ساعدني للغاية دورات التمثيل التي درستها في بداية حياتي. كان معلمي يصمم دروساً خاصة بالممثلين البدلاء ليعلمهم كيف يتقمصون الشخصيات التي يلعبها الممثل ليس فقط جسدياً ولكن أدائياً، كيف يكونون هو على الشاشة، بحيث لا يشعر المشاهد بأي فارق."
في حياته الخاصة، برادي رومبرج شخص يقدس خصوصيته، لديه ابن يدعى أوريون يبلغ من العمر شهرين، وزوجته هي الداعم النفسي والمهني الأول له، ولولاها لما احتمل أحد –على حد قوله- نمط حياته قليل الاستقرار، كثير التنقل.