"منال ابتسام" ذاك الصوتُ الملائكي كترانيم الاعياد والوجه الجميل كياسمين الشام، لم يشكّل حجابها حجر عثرة أمام تقدّمها للمشاركة في برنامج "ذا فويس" بنسخنه الفرنسية، لإبراز موهبتها العالية في الغناء وعلى الرغم من أنها استطاعت بصوتها الساحر ان تحظى بإعجاب جميع اعضاء لجنة التحكيم عبر أدائها لأغنية "هليلويا" والتي غنت المقطع الأخير منها باللغة العربية، الا ان اسمها أثار حملة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد وقفت "منال" باعتزاز امام لجنة التحكيم محدّثة عن أصولها السورية، مؤكدة بأنها مسلمة وبأنها متمسكة بحجابها الذي هو جزء منها وبأنها ترفض الظهور يوما بدونه، فأسرت قلوب الحضور وخطفت الأضواء في العالم العربي.
ومن المعلوم لدى الجميع بأن "منال" لم تكن المتسابقة الأولى من جذور عربية في برنامج "ذا فويس" في فرنسا، فقد كانت اللبنانية "ألين لحود" أول من حقق انجازا فنيا من هذا النوع في العام 2014 حين تقدمت للمشاركة ضمن البرنامج كهاوية، رغبة منها في الوصول الى العالمية، فقدّمت أغنية "خدني معك" للفنانة الراحلة سلوى القطريب، وقد أبهرت حينها لجنة "ذا فويس" الفرنسية التي استدارت لها على الفور إذ كان الغناء باللغة العربية هو اول محاولة ذكية في تاريخ البرنامج، وكذلك فإن الفنانة اللبنانية "هبة طوجي" اكتسحت البرنامج نفسه ايضا في العام 2015 وسيطرت بأدائها على اللجنة عبر غنائها بالعربية، وتحديدا باللهجة اللبنانية.
موجةٌ من الانتقادات اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، فعلى عكس من وردت اسماؤهم، فإن "للصبية" الفرنسية - السورية ابنة الـ 22 عاماً جملة من المواقف التي اتّسمت بالجرأة والحدّة حيال بعض القضايا المتعلقة بالإرهاب حيث رُصد لها، فور تأهّلها للمرحلة الثانية، بعض الكتابات عبر حسابها الشخصي على "فايسبوك" تنتقد فيها تعامل الحكومة الفرنسية مع الأحداث الارهابية والتي هاجمت فيها الحكومة بقولها" الإرهاب الحقيقي هو حكومتنا" الأمر الذي أثار حفيظة بعض الفرنسيين ولا سيّما الرسميين منهم والذين طالبوا بإقصائها عن المشاركة في البرنامج، وقبل أن تنفجر فوهة البركان، سارعت "منال" الى إغلاق حساباتها على "السوشل ميديا" في محاولة للتصدي "للحرتقات" التي قد تحول دون وصولها الى المراحل النهائية.
وقد تميّزت "منال"، الناشطة ايضا على مواقع التواصل، بدعمها للقضية الفلسطينية من خلال آرائها الأمر الذي استنفر العديد من ردود الفعل ولا سيّما لدى المواقع المؤيدة لإسرائيل وتلك المحسوبة على "الإسلاموفوبيا" والتي ما لبثت ان اطلقت سهامها على "العربية الموهوبة" متهمة اياها بالتطرف وبالتآمر ضد اسرائيل!
في كل خرابٍ، ابحث عن اسرائيل! ذاك الشرّ المطلق والحقد المعلن بوجه العرب، ولا سيّما المسلمين منهم، وإذا كان بعض المسلمين المتشددين يساهمون بشكلٍ او بآخر في إقصاء المواهب العربية تحت حجة "الحلال والحرام" عبر توجيه انتقادات لاذعة قد تصل غالباً الى حدود التجريح ضمن محاولات ساعية الى دفن تلك المواهب وإحباطها لإسكات صوتها، فكيف سيسمح الصهاينة بتميّز العرب وهم الساعون منذ بداية انتشارهم الى محاربتهم بشتّى الوسائل غير المشروعة؟
"منال ابتسام" نموذج راقٍ عن المرأة المسلمة التي لم يمنعها التزامها من خوض تجربة بسيطة عبّرت من خلالها عن رفضها للصورة النمطية عن الإسلام والتي تندرج عالميا ضمن قائمة الأحكام المسبقة لدى جزء يسير من المجتمع الغربي الذي يعتبر أن الحجاب هو مظهر مستغرب يستدعي السخرية أحيانا، في حين أنه وفي الواقع لا يتعارض مع الحياة العصرية، فالنساء المحجبات اللواتي التزمن بشرع الله لم يمنعهنّ "غطاء الرأس" عن ممارسة حياتهن بشكل عادي، ناهيك عن السينما الغربية، ولا سيما الاميركية، التي تلعب دوراً خطيرا في تشكيل صورة سلبية عن الاسلام والمسلمين، مظهرٌ آخرٌ من مظاهر الحرب الخفية على العرب يهدف الى تشويه معالم هذا الدين، من خلال ربط الاسلام بالإرهاب وتصوير "العربي" على أنه بلا شكّ العدو المتربّص بهم.
أن تكون المرأة عربية مسلمة ومحجبة وموهوبة، فذلك مشهد قد يبدو مستفزّا لبعض المتطرفين في المجتمع الغربي، لكنّ الحجاب يا سادة يغطّي الرؤوس وليس العقول، وأن تخرج "منال ابتسام" الى العالمية عبر أغنية "يا الهي" فإن ذلك من شأنه أن يساهم في نشر صورة ايجابية عن النساء المسلمات اللواتي لن يحول الحجاب بينهنّ وبين الإبداع مهما سعت وسائل الإعلام الغربية والاسرائيلية الى ترسيخ صورة نقيضة تماما.
وفي الحديث عن المواهب الاسلامية في الفنّ والغناء، لا بدّ لنا من التوقف عند الفنّان العالمي "سامي يوسف"، الذي ذاع صيته على اعتباره بريطانيا مسلماً والذي مجّد من خلال أغنياته أخلاق الإسلام ومبادئه، فحقق انتشارا واسعا واصبح قدوة لمعظم الفنانين المسلمين الذين خاضوا ايضا تجارب مماثلة في خطوة اعتبروا من خلالها ان الغناء باستطاعته ان يكون رسالة تعزز الدين الاسلامي وتجعل الشباب اكثر فخرا بدينهم وعقيدتهم.
"منال ابتسام" موهبة تستحق التقدير، فإلى جانب مواقفها المشرفة المتمثلة بالنضال لأجل تحرير الاسلام من عقدة الإرهاب، فهي أيضا فتاة في ريعان الشباب حاولت أن تجسّد الاسلام المنفتح من خلال أدائها، ورغم أنّ تعليقات رواد الإنترنت انقسمت بين مؤيدين للفكرة ومعارضين لها، سواء في أوساط المسلمين أو غير المسلمين، فإنّ الحرب المفتوحة عليها من "اللوبي الصهيوني" يدفعنا جميعا لدعمها وتشجيعها على إثبات نفسها، ومقاومة التطرّف بكافة اشكاله حتى ينتصر الاعتدال في النهاية.