كان اسمها "ضحى"، طفلة الثلاثة أعوام بشريطة حمراء على الشعر، فقدت اسمها أمس. بعد حلقة "أحمر بالخطّ العريض" التي "تجرأ" فيها الإعلامي مالك مكتبي على "التعامل" مع FBI، لم يعد اسمها "ضحى". استحالت صورة. صورة تقريبية تتناقلها وسائل التواصل الإجتماعي والمنابر الإعلامية!
لم يعد مكتبي ينافس ببرنامجه الإجتماعي الصامد على الهواء طوال سنوات، أياً من البرامج الأخرى. صار ينافس نفسه، فيمضي باحثاً عن مقاربات جديدة لمواضيع قد تكون بدورها "جديدة" وقد لا تكون كما هي الحال مع مختلف القضايا التي تعالج في أمسيات الأربعاء. وفيما نعيش في لبنان أسوأ حالاتنا الإعلاميّة في ظلّ كل الانتهاكات والتجاوزات والارتكابات والمعارك الطاحنة التي تدور أمامنا على غفلة من وعي، يخطو مكتبي خطوات إلى الأمام، بل ينقل ويرتفع إلى أعلى ويرفعنا من حضيض يوميّ عقيم.
في حلقة الأمس، دعا مكتبي جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى التفاعل باستخدام هاشتاغ #ضحى. وقصة ضحى السكسك، الطفلة التي تمّ اختطافها منذ 11 عاماً وكانت تبلغ من العمر 3 سنوات، ليست إلا فصلاً من فصول مسلسل إجراميّ عابر للزمان والمكان، ذلك أنّ جرائم اختطاف الأطفال هي آفة عالمية لا تزال منتشرة، بل ربما متفاقمة في المناطق التي تشهد حروباً ودماراً.
يستضيف مقدم برنامج "أحمر بالخطّ العريض" معه في الاستوديو والدي "ضحى"، مخصصاً الحلقة بأكملها لهذه القضية. أمٌّ خطّ الحزن على وجهها علامات. عيناها، بالدمع، تنطق كلمات. منذ 11 عاماً، ضاعت منها ابنتها. بالأحرى، اخُتطفت. صورة فوتوغرافية كانت قد التقطها المصوّر للأب وعدد من أطفاله هي كلّ ما تبقى من أثر للصغيرة ضحى. يحملها مكتبي بين يديه ويأتي بمقصّ ليقتطع الجزء الذي تظهر فيه الطفلة المختطفة. تغمض الوالدة عينيها مجروحة، غير قادرة على استيعاب ما يحصل. لاحقاً، سيكون لهذا الفعل، دلالة وهدف!
في خلال الحلقة، يستوضح مكتبي من الوالدة المجروحة تفاصيل ذاك النهار المشؤوم عندما دخلت سيدة وعلى يدها طفل (نورية بحسب تعبير الوالدة) مجلس عزاء عمها حيث كانت النساء يحضرن الطعام، وقد شوهدت في اليوم نفسه تسير أمام طفلة باكية في البلدة (كفرشلان الضنية).
أسئلة كثيرة طرحها مكتبي على ضيفته بطريقته المشوّقة المعهودة، فنجح مرة جديدة في عدم تخطي الخطوط الحمر التي قد تسيء إليه أو إلى برنامجه أو إلى ضيوفه، فكان أن ابتعد عن لوم السيدة على ترك ابنتها الصغيرة تلهو مع الأطفال في العزاء من دون مراقبة، مبدياً في المقابل حرصاً شديداً على تمرير معلومات وحقائق عن جريمة خطف الأطفال عموماً بما فيها الأهداف والنهايات.
كان يمكن أن يكتفي مكتبي بتناول هذه القضية الموجعة بطريقة بسيطة أو سطحية أو حتى معمقة لكن من دون بحث عن حلّ. وللأسف، بات الإعلام عموماً يتوّسل هذه الأساليب الأكثر سهولة وسرعة، وربما الأكثر استقطاباً للمشاهدات حينما يضاف إليها بهار الغوص في خصوصيات أو التطرق إلى تفاصيل لا تفيد عمليا القضية المطروحة ولا تغيّر فيها شيئاً. لكنّ حمّى "الرايتينغ ليست مستفحلة في "احمر بالخط العريض" على ما يبدو، وإن وجدت فهي ليست مرضية!
على هذا النحو، خطا مكتبي خطوة إلى الأمام. ضحى اختفت منذ 11 عاماً وعملياً يبدو العثور عليها أو محاولة البحث عنها ضرباً من جنون، سيّما وأنّ ملامحها تغيرت حكماً. لكن من سافر إلى سريلنكا ليجد والدة زينب قبل أن ترحل عن هذه الدنيا، سوف يستعين بسيدة تتعاون مع جهاز الـ FBI في أميركا لترسم صورة تقريبية تحاكي وجه ضحى في عمر الـ 15 عاماً. إنها تقنية مستخدمة عالمياً سيّما في عالم الجريمة المتعلقة بخطف الأطفال، وقد نجحت كثيراً في العثور على مختطفين حتى بعد أعوام كثيرة من اختفائهم.
هكذا، يخرج مكتبي من ظرف ورقيّ صورتين تقديريتين لضحى (واحدة بحجاب على الرأس وواحدة من دونه) ويطلب من كلّ من قد يتعرّف عليها التواصل معه. وفي عصر السوشيل ميديا والهاشتاغات، قد يحصل أن تظهر الحقيقة فور إبراز الصورة. وقد يحصل أن ترى ضحى نفسها على التلفزيون. وقد يحصل أن تنتهي مأساة سنين بلحظات. وقد يحصل أن يرسم إعلاميّ لبنانيّ ألف قوس قزح في سماوات مظلمة تعاني المأساة نفسها. وقد يحصل أن نبدأ نفطر في لبنان بالاعتماد أكثر وأكثر على التقنيات المتطورة والحديثة والفعالة لمحاربة كلّ أنواع الجريمة. وقد يحصل حتماً أن نقول: "الإعلام ما زال بخير"!