بقلم الإعلامية نـور الـخـطـيـب
رئيسة تحرير مجلة نـور الـصـحـافـة
لطالما سمعنا قصص كثيرة عن شهامة العرب و كرمهم، و ارتبطت أسماء الخيّرين بالأمثال التي انتشرت في كافة أنحاء الوطن العربي و دُرِّسوا في المناهج المدرسية، كحاتم الطائي و غيره كثير من العرب. و لكن يؤسفني القول بأنه بعد رحيل هذا الجيل من الأسخياء ماتت كل صفات العرب التي عهدناها في أيامنا الغابرة من الكرم و إغاثة الملهوف و مساعدة المحتاج و إيثار الغير على النفس، كذلك ماتت الكرامة و العزة، و بُتنا أُسرى جمع المال و صرفِه على ملذّات الدنيا و التباهي و التفاخر بإمتلاك أفخم البيوت و السيارات و اللباس و تنظيم و عرض المآدب التي تحتوي كلُّ ما لذَّ و طاب و الكلام المنمّق الغير نابع من القلب و إقامة حفلات لهوٍ يدعى إليها الأصحاب لكي نظهر بمظهر لائق و نصبح حديث المجتمع و تنتشر صور مناسباتنا و حياتنا اليومية على جميع وسائل التواصل الاجتماعي حتى تصل أحياناً إلى وسائل الإعلام العامّة ! ! ؟
مقالتي هذه عن أشخاص هم نفسهم الذين عندما تناقشهم في الدين و الأخلاق يتبجحون بأنهم أتقياء الله الصالحين و أنهم ملائكة تدبُّ على الأرض و أن اللقمة التي في أفواههم ليست لهم، بل للمساكين و اليتامى، و بأنهم في كل مناسبة يُدعون لها من أجل جمع التبرعات يقدّمون الآلاف بدون أي تردد يُذكر، نعم يا أعزائي إنهم يفعلون ذلك بالفعل، و لكن فقط من أجل تلميع صورة شخصهم الموقّر و لكي يصبحوا حديث الناس بأن فلان قد تبرّع بهذا المبلغ الوفير و ذلك تبرع بمبلغ أكبر و هكذا، و لكن الهدف الحقيقي من هذا لا يعلمه إلا الله عزَّ و جلَّ ! ؟
بعض هؤلاء الأشخاص ممن يمتلكون الآلاف، بل الملايين من الدولارات، يرتادون الملاهي الليلية في نهاية كل أسبوع لاحتساء الخمر حتى الهذيان من شدّة السُكر، و لا يترددون أبداً من تنقيط الراقصات و الغواني بمئات الدولارات بلا حساب، و كل ذلك من أجل ماذا ؟ من أجل قضاء وقت ممتع بنظرهم المحدود و لكن حسابه عند الله عسير ! و بعضهم من يجمع المال خوفاً من الغد و بأنه لا يعلم ماذا تخبّئ له الأيام و من الممكن أن يحتاجه في المستقبل و بأن لديه مسؤوليات و عائلة و أطفال، و لكنه يغفل أن الصدقة لا تُنقص المال و أنها تقي من المصائب و أنه سيأتيه يومٌ لا ينفعُ فيه مالٌ أو بنون ! و سيجد نفسه وحيداً و نادماً بأنه لم يقدّم في حياته ما يكفي لما يقيه نار جهنم، فالإنسان يُسأل يوم القيامة عن عمره فيما أفناه و عن علمه ماذا عمل به و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه و عن جسمه فيم أبلاه...
لديّ هواية في الفن منذ نعومة أظفاري، و لقد أتقنت هذا الفن على مرِّ الزمان، لذا منذ بضعة أيام قمت بصناعة لوحة إسلامية جميلة قد خططتها بيدي، كمحاولة لتقديم بعضاً من المساعدة للأيتام و الأرامل السوريين المشردين، و ذلك عن طريق مزاد خيري على جميع وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك و إنستجرام و تويتر و سناب تشات و واتسآب، و كذلك أرسلت إعلان عن هذا المزاد الخيري لأشخاص أثرياء من أطباء و صيادلة و مهندسين و تجّار ممن يدّعون حُبِّ فعل الخير على حدِّ قولهم ! ! و لكن كيف كانت ردّة الفعل ؟ لقد كانت ردة فعلهم غير متوقّعة، لماذا ؟ لأنهم ببساطة تصفّحوا الرسالة كمثلها من رسائل كثيرة أخرى وصلتهم و تجاهلوا الهدف النبيل في تقديم العون لمستحقيه من اليتامى و الأرامل السوريين، إني متأكدة أنّ حب فعل الخير موجود عند الجميع و لكن أخشى أن يكون كمية فعل الخير أقل بكثير من حبّه و أقل من الإمكانية المادية لكثير من الأشخاص.
و الحق يُقال أنّ هناك بعض الأشخاص قد حاولوا المساعدة بنشر إعلان المزاد الخيري عبر منصاتهم الاجتماعية؛ لـهؤلاء الأشخاص أقدّم كل المودّة و الاحترام.
عذراً أيها السوريون.. لكم الله، أقولها لـكل يتيم سوري فقد أحد والديه أو كلاهما و لـكل أرملة فقدت زوجها في تلك الحرب الطاحنة، و في غمضة عين وجدت نفسها و أطفالها الصغار وحيدة في بلدٍ أجنبي غريب، بلا مُعيل إلا الله، و من كان في قلبه الكثير من الدين و الأخلاق و حب فعل الخير.
عذراً أيها السوريون، لقد حاولت جاهدةً و أمضيت الكثير من الوقت و الجهد لكي أُظهر الجانب الإنساني و الخيّر من أشخاص يصفون أنفسهم بالكرم و أنهم سبّاقين إلى فعل الخير، و لكن باءت كل محاولاتي بالفشل الذريع.
أخوتي السوريين من الثكالى و اليتامى كونوا على ثقة أنه طالما أني على قيد الحياة سأبقى أحاول مساعدتكم حتى الرمق الأخير أنا و كل من أحبَّ فعل الخير و اشترى لنفسه منزلاً في الجنة...