قالت الأديبة الرّاحلة (نعيمة المشايخ) رحمها الله تعالى، والدة د. سناء الشعلان، وهي تتحدّث عن تجربة أمومتها لها في تكريم مبادرة أكرموها التي حصلتْ فيها على جائزة الأمّ المثاليّة: الأمومة تعني أن تحصل على أكثر من فرصة للحياة، ابنتي سناء كانت دائماً تملك أسئلةً غريبةً، سؤالها الأغرب منذ طفولتها :" لو لم أكن ابنتكِ، وكان الأبناء يُباعون في الأسواق، فهل كنتِ سوف تختارينني وتشترينني لأكونَ ابنتكِ ؟" لطالما أضحكني هذا السّؤال الغريب، ولكن بعد سنوات طويلة من تجربتي في الأمومة لسناء وإخوتها الأحد عشر، أقول لها :" نعم، كنتُ سأختاركِ أنتِ لتكوني ابنتي، وعندما أحظى بكِ سأشعر بأنّني أم محظوظة لأنّك ابنتي".
الأمومة لابنتي سناء الشّعلان وهبتني حياة أخرى غير حياتي، وهي حياة سناء الكاتبة والأستاذة الجامعيّة والحقوقيّة الجريئة؛ لقد عشتُ معها من جديد حياة أخرى، لحظة بلحظة، عشتُ معها الحياة التي حلمتُ بأن أعيشها، لكنّني لم أحظَ بها في طفولتي أو شبابي بسبب حياتي القاسية الظّالمة. لكنّ الأمومة وهبتني فرصة جديدة للحياة عبر ابنتي سناء الشعلان التي تقاسمتُ معها دربها بكلّ ما فيه من دموع وابتسامات وأحلام وحقائق.
ابنتي سناء تشبهني شكلاً ومضموناً صوتاً وصفات مشاعر وطبائع ومواهب، لكنّني صمّمتُ على أن تحظى بما لم أحظ به من فرص الحريّة والتفرّد والإبداع والتعلّم والسّفر والفرح والتجربة، لقد كنتُ أحلم بأن أحظى بكلّ ذلك، لكن الحياة حرمتني من ذلك كلّه، لكنّني أعيشه من جديد مع ابنتي سناء رغم الحياة الحارمة لي.
لطالما أحببتُ الرّسم والكتابة والسّفر والعلم والحرية والنّساء القويّات صاحبات الإرادة والقرار، لكنّني لم أحصل على ما حلمتُ به بعد أن ماتت أمّي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وتركتني وحيدة دون معين أو داعم أو قلب حنون، فتكالبت علي قسوة الحياة ومرارها، وبذلك ادّخرت أحلامي كلّها لابنتي سناء، ووهبتها كلّ إيماني بها وبمواهبها وبأحلامها، ولم أبخل عليها في لحظة بإيماني المطلق بها، وبعميق دعمي، راهنتُ عليها بأربعين عاماً من عمري، أخذتها من عمري، لأضيفها طوعاً ومحبّة إلى عمرها، أربعون عاماً من دعمي لها، لتغدو طفلتي الصّغيرة سناء الدكتورة والأديبة سناء الشعلان، وراء نجاحها اسمي، ووراء تميزها تعبي، ووراء صمودها دعمي.
أمومتي لها عنتْ لي أن أكون أمّها وصديقتها ورفيقتها ومثلها الأعلى وقوتها وشجاعتها وكنزها وبئر أسرارها وينبوع أحلامها. وعنت لي كذلك أن أؤمن بها، وأن أدعمها، دعمتها منذ كان الرّسم صديقها الأوّل، ودعمتها عندما قرّرت أن تكتب روايتها الأولى وهي في الثامنة من عمرها، ودعمتها عندما قرّرت أن تطبع روايتها الأولى وترسلها لمسابقة ما في مصر، وساندتها عندما قررتَ أن تسير في درب العلم، وآزرتها عندما قرّرت أن تكون صاحبة كلمة قوية وجريئة، ثم قررتُ أن أرافقها إلى كلّ مكان لأحميها وأرعاها، طوّفتُ معها على الأندية الأدبية والإعلاميّة، ثم على منارات العلم ودورها، وبعد ذلك كنتُ رفيقتها الدّائمة في رحلاتها الأدبيّة والأكاديميّة في الكثير من دول العالم.
الأمومة جعلتني أذهب معها إلى السّودان والهند وكشمير والهمالايا وسورية ولبنان ومصر والجزائر، وغيرها من بلاد الدّنيا، لقد رأيتُ الدنيا بعينيها، سمعتُ النّاس بأذنيها، قرأتُ التّفاصيل بطريقتها، شاركتهُا في لحظاتها واحدة تلو الأخرى.
هذه التّجربة البديعة جعلتني أعيش فرصة الإبداع التي لم أعشها، جعلتني أعيش الشّهرة التي لم أصادفها، سمحتْ لي بأن أقابل أناساً لم أكن لأقابلهم لو لم أشارك ابنتي سناء حياتها وتفاصيلها.
الأمومة تجربة مرهقة، وتكون مرهقة أكثر إن كانت الابنة مثل سناء؛ ابنة مسكونة بالموهبة والإنجاز والتحدي، وكلّها أحلام وتحديات، عندها تصبح الأمومة معركة وتحدٍ وعمل موصول.
كان يمكن أن أقبل أن تقتصر أمومتي على أدوارها البسيطة والتقليديّة، لكنّني رفضتُ ذلك، وصممتُ على أن أعيش الأمومة الشاسعة حيث الإبداع، وعشتُ مع ابنتي سناء تفاصيل حياتها جميعاً. الآن أعرف كيف يكابد المبدع، كيف يفكّر، وكيف يحلم ويحزن ويتألم ويسعد، ولذلك أنا مصممة على أن أكون الفرح لابنتي في أحزانها،والمشارك لها في أفراحها.
الأمومة ليست فقط هي سلوك طبيعيّ وفطريّ كما يقول السّاذجون، بل هي أكثر من ذلك، وأعظم، هي القدرة على أن تلد أزماناً أخرى، وأحداثاً أخرى، وأقداراً أخرى، لقد ولدت سناء مرة تلو الأخرى عندما شاركتها في دربها.
الآن أنا ألدها مرة أخرى عندما أحدثكم عنها، الآن أنا أمّ أكثر وأكثر، ومرة تلو الأخرى لأنّني أعيش التّجربة، وهي تجربة الكتابة والإبداع والتّميّز، دائماً حلمتُ بأن أكون جريئةً وشجاعةً وأن أحدّث النّاس عن تجربتي ونجاحي وتميزي في الحياة، الآن يتحقّق جزء من حلمي، لقد عشته في حياة ثانية ليست حياتي فقط، بل في الحياة التي أعيشها عندما أعيش حياة ابنتي سناء.
أقول لكم إنّ الأمومة لابنة مبدعة ومتميزة هي أمر متعب ومنهك ومرهق، هي تحدٍ كبير، هي رهان صعب كذلك، ولكنّني ربحتُ الرّهان دون شك، لأنّ ابنتي الصّغيرة سناء هي الآن نجمة في السّماء، والآن أتحدّث عن هذه النّجمة، فأقول لكم هي نجمتي أنا، وأنا من صنعها. ما أجمل الأمومة عندما تلد نجوماً !
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رابط الكتروني للخبر:
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة