يشهد عالمنا المعاصر تفاقماً مذهلاً للصراعات والحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الإقتصادية وإنتشار نزاعات التطرّف والعنف والفوضى. يحدث كل ذلك بالرغم من تقدّم العلم وتطوّر الحضارة وزيادة وعي الدول والشعوب، وحتى الأفراد، بأننا في هذا العالم قادرون، بما يتوفر على هذا الكوكب من مقدرات وخيرات وإمكانات وثروات، أن نحقق حياة كريمة لكل إنسان، أينما وجد دون تفريق أو تمييز، حياة آمنة مستقرّة ومزدهرة وخالية من كل هذه الشوائب الخطيرة التي يعاني منها عالمنا المعاصر.
وقبل أن نحدّد الوسائل الكفيلة بتحرير عالمنا من الحالة الراهنة المشار إليها، علينا أن نشير إلى أسباب هذه الأزمات وهذا التراجع الحضاري والحياتي الذي نعاني منه، والذي يزداد سوءاً.
السبب الأول والرئيسي هو تراجع دور المنظمة الدولية، لدرجة العجز الكامل، عن القيام بمهامها التي وجدت من أجلها، والتي حدّدها ميثاقها عندما أُنشئت هذه المنظمة لإدارة شؤون العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وفي مقدّمتها تحقيق المساواة الكاملة بين الدول الأعضاء، وحل أية نزاعات بالطرق التفاوضية السليمة وفق قواعد القانون الدولي وتكريس كل ثروات كوكبنا وما وهبنا الله لرفاهية الإنسان – أي إنسان – وحياته الراقية الآمنة والخالية من أية مخاطر طبيعية كانت أو من صنع يديه.
ها هي الأمم المتحدة تقف موقف المتفرّج إزاء الحرب المدمرة التي تدور رُحاها بين روسيا ودول العالم الغربي ( الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وغيرها ) على الأرض الأوكرانية، وكذلك إزاء الصراع العربي الإسرائيلي الماثل على جدول أعمال المنظمة الدولية منذ قيامها قبل أكثر من سبعة عقود، والصراعات المنتشرة في كل أرجاء الشرق الأوسط – في ليبيا وسورية واليمن والصومال والسودان. ذلك بالإضافة لبؤر التوتر في مواقع معروفة أخرى تنذر أيضاً بالإنفجار في أي وقت.
وها هي الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة تفشل في القضاء على التحديات الأخرى مثل الضرر البالغ الذي سبّبه الإنسان للمناخ وما ينتج عنه من كوارث، ومثل الأوبئة والأخطار الطبيعية الأخرى.
وكما أن السبب الرئيسي لتدهور حالة الأمن في العالم هو عجز المنظمة الدولية، فإن السبب الرئيسي لعجز المنظمة الدولية يعود لأن النظام الدولي لم يتمكّن من تحقيق الديمقراطية بين أعضائه الـ 193.
النظام الدولي القائم حالياً هو نظام غير ديمقراطي، ولن يتمكَّن هذا النظام من إستعادة دوره وفاعليته وجدوى وجوده بغير تحقيق الديمقراطية الكاملة بين كافة أعضائه كما ينص الميثاق.
لا يكفي أن تحقق الدول الأعضاء الديمقراطية لذاتها ( مع أن الكثير من الدول الأعضاء لم تحقق الديمقراطية لذاتها )، يجب أن يكون النظام الدولي ديمقراطياً أيضاً، بحيث تنتهي حالة الهيمنة التي تمارسها الدول القوية على الدول الصغيرة والأقل قوّة في المنظمة الدولية.
لقد جرت محاولات لإصلاح النظام الدولي، وتحديثه ومراجعة القواعد التي بُني عليها عندما تأسس منذ العام 1945، ولكنها فشلت لأنها إستهدفت إحتكار الدول العظمى (التي قاومت أي إصلاح) المحصّنة بسلاح الفيتو القادر على إحباط أي إجراء دولي لمعالجة أي أزمة دون إبداء المبررات أو الأسباب، وثمة عواقب خطيرة أخرى لهذه الهيمنة المتكرّسة والمتفاقمة.
لذلك، فإننا نوجه من هذه القمّة هذا النداء لقادة وحكماء العالم لحشد الجهود لمواجهة هذا الوضع وضرورة إصلاحه بما يعزز قدرة المنظمة الدولية على القيام بواجبها حين تكون قراراتها وأحكامها حصيلة إرادة معظم الدول الأعضاء فيها بطريقة ديمقراطية وعادلة.
عندئذٍ، وعندئذٍ فقط، يصحح المسار، وتكرّس مقدرات وقدرات الإنسان وثروات الأرض للبناء، لا للهدم، ولمواجهة التحديات والأزمات التي تعاني منها الدول والشعوب.
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة