توقعت الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان العالم إلى 8 مليار بحلول 15 نوفمبر 2022 وأن الهند ستتفوق على الصين من حيث عدد السكان لتصبح أكبر دولة في العالم في عام 2023. وتعزى هذه الزيادة إلى إرتفاع متوسط عمر الفرد بسبب التطور في الصحة العامة والنظافة والطب، فضلاً عن إستمرار إرتفاع معدلات الخصوبة في بعض الدول. نحن نعيش الآن لفترات أطول من أي وقت مضى، وهذا الأمر له تداعيات خطيرة حيث توجد الآن ضرورة لإطعام عدد متزايد من السكان، مما يعني أن مستويات إنتاج الغذاء الحالية بحاجة إلى الزيادة لمواكبة التعداد الجديد لسكان العالم.
سيكون لذلك تأثيراً كبيراً على قطاع الزراعة العالمي، ومن الواضح أن مزارعينا بحاجة إلى الدعم حتى يتمكنوا من بذل المزيد من المجهود وبكفاءة أكبر، فالعبء المتزايد لإطعام هذه الأعداد سيستنزف الموارد على مستوى العالم. في رأيي، لا يمكن القيام بذلك إلا من خلال تطبيق التقنيات الذكية لتعديل ممارساتنا الزراعية حتى نتمكن من مواجهة التحديات التي تلوح في الأفق نتيجة الزيادة السكانية، بالإضافة إلى تقليل الإعتماد على الواردات الأجنبية التي لم يكن يُنظر إليها على أنها نقطة ضعف حتى بدأت الحرب في أوكرانيا، وتتوقع الأمم المتحدة أن يصل تعداد السكان العالمي إلى 9 مليار بحلول عام 2037.
السبيل الوحيد للتغلب على هذا التحدي هو التوسُّع بإعتماد تقنيات الزراعة المبتكرة وإعتماد المزارعين على المعرفة في مجال عملهم. نحن بحاجة إلى زيادة الإستثمار في التكنولوجيا الزراعية الذكية حتى يتمكّن المزارعون من العمل بشكل أكثر ذكاءً. على وجه الخصوص، أرى أن التقنيات الرقمية ستلعب دوراً متزايداًَ في تمكين الزراعة الذكية، إن حقول المحاصيل والماشية الشاسعة، إلى جانب مجموعة كبيرة من العوامل التي تحكم صحة ونمو والحصاد، تدل على أن الإدارة الذكية هي السبيل الوحيد للمضي قدماً، لا سيّما مع إنتشار تداعيات تغيُّر المناخ، مما يؤدي إلى إضفاء تعقيدات جديدة على معادلة الغذاء العالمية.
بدأ المزارعون في إستخدام الإبتكارات في مجالات مثل الإتصالات والطائرات بدون طيار وأجهزة إستشعار إنترنت الأشياء والأنظمة القائمة على الذكاء الإصطناعي والبيانات الضخمة لإتخاذ قرارات أفضل لتحسين عملياتهم من خلال الوصول إلى معلومات أكثر إفادة. ويؤدي ذلك إلى المزيد من الوعي والقدرة على التنبؤ والتحكُّم في الزراعة وإتخاذ قرارات أكثر إستنارة وتستند إلى البيانات الحيّة، مما يوفر مخرجات أفضل ويؤدي إلى زيادة في الإنتاجية.
تساعد تقنيات الزراعة الذكية على تجميع البيانات عن الأراضي الزراعية والتي يمكن ربطها وتحليلها من خلال أنظمة الذكاء الإصطناعي ما يمنح العمال رؤى شاملة ومتعمقة عن جميع الأنشطة، بدءاً من فاعلية المعدات ونمو المحاصيل والظروف الجوية وصولاً إلى مستويات رطوبة التربة. يجب إستخدام هذه التكنولوجيا بشكلٍ أكبر لإتخاذ قرارات ذكية ونشرها في الدول الفقيرة التي هي في أمس الحاجة إلى المزيد من المساعدات.
يمكن مراقبة الأراضي الزراعية بسرعة وسهولة بمساعدة الطائرات بدون طيار، والتي بجانب بيانات إنترنت الأشياء، توفر مجموعة مفيدة جداً من التقنيات لإتاحة الزراعة الذكية في المستقبل. تعد أجهزة الكمبيوتر أفضل بكثير من البشر في الربط بين كتل البيانات وتحليلها، مما يسمح للعمال بإتخاذ قرارات مستنيرة بإستخدام المعلومات المترابطة. كما يضمن التنبؤ الأفضل والمعرفة الدقيقة للكميات التي يمكن للمزارعين إنتاجها أن تكون سلاسل التوريد والمستخدمين النهائيين على علم بالكميات المتوفرة لديهم، مما سيمنع ترك المنتجات لتفسد في المستودعات المحلية وسيسمح بتوزيعها بشكلٍ أفضل.
تسمح السيطرة المناسبة على الإنتاج أيضاً بإدارة أفضل للنفقات وتقليل الفاقد، ومن خلال إمتلاك التكنولوجيا التي توفر التحليل التنبؤي والمعلومات الأعمق، يمكن للمزارعين العمل بشكل إستباقي للتخفيف من المخاطر التي تواجه الثروة الحيوانية والغلات. وتسمح الزيادة في أتمتة العمليات بتطوير الكفاءة الصناعية وإتاحة الفرصة للعمال للقيام بمهام أكثر أهمية من مجرد العمل البدني، ومن شأن هذه الإجراءات أن تؤدي لتحقيق عوائد أفضل حيث يمكن إدارة مساحة أكبر من الأراضي وتخصيبها وحصادها من خلال الأتمتة مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الإيرادات.
إن السعي إلى زيادة إنتاج الغذاء يمثل تحدياً في وقت تتناقص فيه مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وتزداد عمليات إزالة الغابات مما يؤثر على جودة التربة ويسبب تدهورها، ويزيد من حجب قدرتنا على تلبية الطلب العالمي على الغذاء.
الحل الوحيد لهذه المشكلة هو التحرك نحو الزراعة الذكية القائمة على البيانات، ولذلك يجب أن يتم تبسيط تكلفة هذه العمليات وأن تكون متاحة للجميع حتى تظهر تغيرات حقيقية على نطاق عالمي. فمن غير المفيد أن تكون هذه التكنولوجيا متاحة للبلدان المتقدمة فقط، بل يجب أن تتغلغل في نسيج الزراعة العالمية بأكملها إذا أردنا أن نتمكن من إطعام مليارات الأشخاص الإضافيين في المستقبل.
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة