لم أجد خيبة في حياتي راودتني إلّا عندما أُنهكت تعباً، وذهبت أبحث عن دواء وطلبت من الطبيب دواء "أصابع أمّي" !.. فقال بإستغراب: وما هو هذا الدواء؟ قلتْ: عندما كنت صغيراً إذا أَصابني التعـب تمسَح أمي بأصابعها على رأسي فأنام ! وتمسح على قلبي بأصابعها فيهدأ.
نعم، هناك ما يستجد دائماً، فكلما سمعت قصيدة محمود درويش وهو يناجي أمه قائلاً: أمي هَرِمْتُ، فردّي نجومَ الطفولة، حتى أُشارك صغار العصافير دَرب الرجوع... لعُشِّ إنتظارِك !
سأخبرك سراً: لقد اشتقت لباكورة صباحك عندما كنت تقولي لي "صباح الخير"، وأتذكر يومياً كيف كان الصباح يداعبني بأناملٍ خشِنة، بين أحضان أب مقهور على وطنه وبين ذراعيّ أم مثقلة بالهموم على أبناءها ومستقبلهم، أطعمني والدي من جسده ليبقى جائعاً من القسْوة، وسقتني أمي من دمع عينها لأرتوي من ماء الحرمان.
أمي، هل تذكرين بيتنا أثناء اللجوء في (الغازية) الحبيبة ؟ وهل تحتفظين بأول قصة قلتها لك ؟ لم يعد الآن بوسعي أن أصافح ذلك النسيم العليل الذي يخرج من شقوق جدار بيتنا، عندما كنت أنتظر أبي عند رصيف الشارع لأشعر بخطواته القادمة يومياً تركل الشارع بعنف، ولأسمع قريع الأواني في مطبخ أمي وكأنها تعاقبها بتنظيفها، فأشعر بأنهم يفرغون الآلام بصغائر الأمور قد لا يشعرون هم بها ولكنني أشعر بها وأحس بكل حركة يقومون بها.
هرمت يا أمي وما زلت طفلاً صغيراً يبحث عنك، هرمت يا أمي وما زلت طفلاً شقياً، يحاول إثارة الضحكات لتبتسمي. هرمت يا أمي وما زلت أعشقك لأن العشق لا حدَّ ولا عمر له بك، هرمت يا أمي وبرغم اتساع الكون، إلا أنني أجد الكون كله أنت.
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة