نكتب هذه الأيام حول الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة بدأ فيها بالدخول في أزمة ليست بالهيّنة، فاليمين المتطرف عقد العزم على إقرار تعديلات قانونية، الهدف منها تحصين نفسه من أي تبعات لقضايا فساد واحتيال قد يواجهها، والعمل على سن قوانين أساس تمتاز بسهولة التغيير وفق أهواء هذا اليمين إذ يكفيه تصويت 61 نائباً في الكنيست؛ لتعديل أي قانون أساس، وللتوضيح فإن قوانين الأساس هي المعالجة لوجود دستور عرفي ليس بالمكتوب في إسرائيل، وهي من الدساتير غير المكتوبة المعدودة على أصابع اليد الواحدة التي تبقّت في العالم مع فارق كبير عن الدستور العرفي البريطاني الذي يحمل روحاً مختلفة عن دولة الاحتلال فهو وريث لشرائع عديدة منصفة لحقوق الإنسان والحريات العامة بدءاً من ( الماغنا كارتا ) أي الوثيقة العظمى التي اعترفت بالحريات والحقوق في عام 1215م؛ لتقطع مسافة أكثر من ثمانية عقود، فيما دستور دولة الاحتلال لايعدو أن يكون طارئاً مثل الدولة التي انبثق عنها.
وهذه التعديلات المطروحة التي تحاول تكبيل يد القضاء فيها التفاصيل الكثيرة، لكن أبرزها هو محاولة إسقاط حجة المعقولية التي تسمح بمعارضة قرارات الحكومة عند تقدير عدم معقوليتها. ومن يمتلك المَلَكة القانونية والسياسية يدرك بوضوح أن تاريخ هذا الكيان في تعزيز يهودية الدولة واستبعاد الشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ لم تعد هي المحتوى للسياسات العنصرية لهذا الكيان، بل تحوّلت السياسات إلى التفضيل المطلق لليمين المتطرف وقاعدته الاجتماعية، أي فقط جزءاً من هذه قطعان المستوطنين، وجاءت التصريحات الأخيرة لوزير المالية (سموتريتش) وضع عليها خارطة إسرائيل المفترضة تجمع بين فلسطين والأردن، وتصريحات وزير آخر هو (إيتمار بن غفير) لا تحترم الدور الأردني الخالد في حماية المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، محاولة لتصدير الأزمة الإسرائيلية الحادة لخارجها.
وأمام هذا التشخيص للواقع الإسرائيلي يزداد صمود الشعب الفلسطيني، ويستمر في الحصول على إعجاب كل الشرفاء والأحرار في العالم. وهذا الشعب الذي يسطّر كل يوم نضالات جديدة هو المنتصر، وهو المُستقبَل كما كان طوال الوقت هو التاريخ والحضارة كديمومة الزيتون. وتساهم مجموعة طلال أبو غزالة العالمية ضمن رؤيتها في العديد من أدوات النضال والصمود، وفي القلب منها جمعية "كلّنا لفلسطين" وهي جمعية غير ربحية قامت بإيمان مطلق بأن النضال في فلسطين نضال لا يكتمل دون الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية، وفي القلب منها ذاكرة الإبداع الفلسطيني الذي نشتمّه في صناعة رغيف الخبز الكنعاني، وانتهاءً في كافة حقول الإبداع من شعر وموسيقا وسياسة وريادة الأعمال. حيث نحمّل ثمانية آلاف سيرة ذاتية في هذه الذاكرة واثقين أنها ما زالت الجزء اليسير من طبقات الذاكرة الفلسطينية، وتنطلق الجمعية من أرضية التلاحم الأردني الفلسطيني كفلسفة صلبة لتعزيز الصمود.
وقامت الجمعية بجهود معتبرة في احتساب أعداد الشعب العربي الفلسطيني بناءً على تعداد سكان فلسطين في العام 1948 بموجب بيانات حكومة فلسطين الرسمية التي أحصت 1.36 مليون فلسطيني عشيّة النكبة، واستكملت وفق المعايير العلمية لمعدلات التزايد السكاني دون هجرات كما السودان ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي وتقارير الأمم المتحدة تبلغ 4.72 % سنوياً وعلى مدار 75 عاماً ليصبح العدد المقدر من المنحدرين من أصل فلسطيني والمنتشرين في أنحاء العالم حوالي 40 مليون فلسطيني. وأمام هذا العدد لا نملك سوى أن نثق بأن هذه الجحافل ستعود لتكتسي كزهر اللوز الأبيض أرضها الحبيبة، وتكنس سواد الاحتلال. وهذه القنبلة الديموغرافية ستعود كما كانت الأكثرية الساحقة في وطنها !
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة