قال الله سبحانه: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275]، قال أهل التفسير، إن معنى ذلك أنه يقوم من قبره يوم القيامة كالمجنون. ثم قال الله سبحانه بعد ذلك: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 275-276].
صحَّ عن رسول الله ﷺ أنه: لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: (هم سواء) رواه مسلم في صحيحه، إن الحكمة في تحريم الربا أنه يعمل على إنقضاء المعروف بين الناس، كما أنه يتسبب في منع الناس من الاشتغال بالمكاسب، كما أن المال الذي يولد مالاً دون وجود أصول حقيقية خلفه يفضي إلى أن يكون الاقتصاد القائم على الربا اقتصاداً غير حقيقي، لأن الاقتصاد الحقيقي هو الاقتصاد الذي يقوم على أسس شرعية وأخلاقية يأتي في مقدِّمتها تحريم الربا والتعامل به، لذا تأتي الدعوة من هنا لإطلاق عنوان جديد يتمثَّل في أن تكون هناك مدينة نموذجية قائمة على أسس اقتصادية حقيقية دون ربا.
إن إنشاء تلك المدينة يتطلَّب تصميم نموذج اقتصادي ومالي مُبتكر يتجنَّب استخدام الربا أو الفوائد من خلال مجموعة من القواعد والأسس التي يمكن اتباعها فالاعتماد على صيغ التمويل الإسلامي من خلال الاعتماد على نماذج الاقتصاد الحقيقي المتمثِّل في تبنِّي نماذج تمويل إسلامية مثل مشاركة الأرباح والمخاطر، حيث يتم تجنُّب دفع الفوائد، تعتمد هذه النماذج على مشاركة المخاطر بين المستثمر والمقترض، ويتم تحقيق العائدات من خلال توزيع الأرباح بناءً على نسب محددة، كذلك الحال إن تمَّ تمويل المشاريع من الأموال الخاصة أي أن يتم الاعتماد على رأس المال المدفوع من قِبل الشركاء والمستثمرين بهدف يمكِّن تمويل المشاريع الخاصة بهم دون اللجوء إلى عملية التمويل بالدين أو من خلال الاقتراض وما يتَّبع ذلك من وجود فوائد دون اللجوء إلى الربا.
كذلك يمكن للتمويل التعاوني يمكن إنشاء جمعيات تعاونية حيث يشارك أعضاؤها في تمويل المشاريع بشكل مشترك، وتوزيع الأرباح وفقاً للمساهمة والمشاركة، كما يمكن للتمويل الجماعي القائم على فكرة التمويل وفق المشاركة أو المضاربة ان يلعب دوراً هاماً في هذا الصدد ولتحقيق الهدف الداعي لأن يكون الاقتصاد اقتصاد حقيقي غير مبني على فكرة الفائدة أو الربا، كما أن تشجيع الاستثمار المباشر بحيث يمكن دعوة المستثمرين للاستثمار مباشرة في المشاريع دون الحاجة إلى دفع فوائد.
بالإضافة إلى أن تنمية مصادر الدخل البديلة يمكن أن تعزز مصادر الدخل البديلة مثل الزراعة والصناعات المحلية والسياحة لتعزيز الاقتصاد المحلي بدلاً من الاعتماد على الربا.
إن تحقيق مدينة بدون ربا يتطلَّب تصميم وتنفيذ مُحكم، وقد تواجه تحديات متعددة يأتي من أهمها أن النظام الاقتصادي والمالي العالمي مبني على مبدأ سعر الفائدة، وبالتالي فإن الاقتصاد التشاركي أو الأخلاقي غير مكتمل الهياكل حتى الآن، بالإضافة لذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يتطلَّب وجود مؤسسات تشريعية وقضائية تكمل حلقاته، وهذا لا يتوفر بشكل متكامل حتى اللحظة، بالرغم من وجود دول إسلامية متعددة تبنت النظام المالي الإسلامي، ولكن ظلّ القصور المرتبط باحتياج الاقتصاد لتلك الدولة وغيرها للاقتصاد الدولي والعالمي القائم على الربا، وكذلك الحال وجود قصور في الأُطر الفكرية المبنية على النظام الأخلاقي، وعدم وجود كوادر بشرية قادرة على العمل على إكمال حلقات هذا النظام، بالإضافة لذلك، فإن الأمر يتطلَّب وجود توعية مجتمعية شاملة للتعريف بالاقتصاد الأخلاقي الإسلامي، والابتعاد عن أن فكرة الاقتصاد التشاركي هو عبارة عن مؤسسات التمويل الإسلامي من مصارف وشركات تمويل، وإنما الأمر في جوهره وحقيقته أنه نظام متكامل الأركان، كما أن عدم وجود سياسة النقدية ملائمة يعد واحداً من تلك التحديات ويجب العمل على استحداث سياسة نقدية تتوافق وأهداف الاقتصاد الإسلامي.
كما أن غياب الأدوات المالية الإسلامية قد مثَّلت إحدى المعوقات الأساسية التي واجهت الاستثمارات الباحثة عن أدوات تتوافق وقيم الاقتصاد الأخلاقي، إذ لم يكن باستطاعة تلك الاستثمارات أن تلجأ إلى سوق النقد للحصول على بعض الأموال من خلاله أو لتوظيف بعض مواردها في الأجل القصير لاعتمادها على سعر الفائدة ونتيجة لانعدام الأسواق المالية وأدواتها، وحاجة تلك الاستثمارات لها فإن عدم توفر البديل الشرعي لها أدَّى إلى العديد من الآثار السلبية عليها وبالتالي لجوئها إلى الأسواق العالمية لاستثمار فائض السيولة لديها في أسواق السلع الدولية.
المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة