ثقافة و فن

جنوب أفريقيا... نموذج للصمود أمام الضغوط الدولية

ظلَّت جنوب أفريقيا دائماً مثالاً للثبات على المبادئ، خاصة في دعم القضية الفلسطينية، رغم التكاليف الباهظة التي تتحمَّلها، فالدولة التي عانت لعقود من نظام الفصل العنصري تدرك جيداً معنى الظلم والقمع، ودعمها لفلسطين ليس مجرَّد موقف سياسي، بل التزام أخلاقي نابع من تجربتها التاريخية.
ورغم ضغوط الولايات المتحدة المتزايدة لسحب الدعوى ضد الكيان الغاصب أمام محكمة العدل الدولية، والتي تشمل وقف المساعدات وتجميد اتفاقيات تجارية كبرى مثل "أغوا"، ما يهدد صادرات بقيمة 3.6 مليار دولار، فلا تزال بريتوريا متمسكة بموقفها.
وقد ترجم هذا الموقف النبيل من قبل إلى إجراء قانوني غير مسبوق، اذ رفعت العام الماضي دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة، مقدمة أدلة قوية تدعم القضية، ومؤكدة أن العالم لا يمكن أن يغض الطرف عن هذه الفظائع.
لكن هذا الموقف لم يأتِ دون ثمن، فالعقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية تهدد استقرار جنوب أفريقيا، التي تعاني أصلاً من تحديات داخلية معقدة، ومع ذلك، تؤمن قيادتها بأن العدالة الدولية ليست مجرَّد شعار، بل مبدأ بطولي ونبيل يستحق الدفاع عنه، مهما كان الثمن.
وفي هذا السياق، أحيّي تصريح وزير العلاقات الدولية والتعاون رونالد لامولا لتأكيده لهذا الالتزام، حيث قال: "نحن قادمون من تاريخ نضال وسعي نحو الحرية، ونؤمن بأن كل إنسان يستحق العدالة والكرامة الإنسانية وأن جنوب أفريقيا لن تتراجع عن دعمها للقضية الفلسطينية، مشدداً على أن التمسك بالمبادئ قد يكون مكلفاً، لكنه ضروري لحماية القانون الدولي من الانهيار.
إن موقف جنوب أفريقيا ليس مجرد تحدٍّ سياسي أو قانوني، بل هو معركة للحفاظ على الكرامة الإنسانية والنظام الدولي في مواجهة المصالح الجيوسياسية. ووسط تراجع الالتزام بالقانون الدولي، تظل جنوب إفريقيا وفية لرؤية زعيمها الراحل نيلسون مانديلا، الذي قال: "حريتنا منقوصة بدون حرية الفلسطينيين."
ورغم أن التحديات تأتي في الأساس من الخارج، إلا أن بريتوريا تواجه أيضاً تحديات داخلية، فبينما تطالب بعض الأصوات داخل الحكومة بإصلاح العلاقات مع واشنطن، يرى آخرون أن الضغوط الأمريكية جزء من حملة أوسع ضد استقلال القرار الدولي.
ومع ذلك، تؤكد جنوب أفريقيا أن العدالة لا يمكن أن تخضع للابتزاز السياسي، وأن القيم الإنسانية يجب أن تبقى فوق المصالح الضيقة.

 

المجلة غير مسؤولة عن الآراء و الاتجاهات الواردة في المقالات المنشورة

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

قد تقرأ أيضا