فى ظل ما نعانى منه فى مجتمعاتنا العربية من ظروف سياسية، وضغط مجتمعى قاسى واقع على الجميع، استحدثت حالة جديدة تصيب الكثيرين، لعدم قدرتهم على تقبل هذا الواقع مهما حاولوا إقناع أنفسهم. هذه الحالة هى انفصال عن الحياة بأحداثها الدائرة والمتلاحقة وعدم شعور الفرد بأى رغبة فى إبداء أى موقف أو رأى، مع زيادة اهتمامه البالغ بأمور غير مجدية أخرى، وترك الأمور الحيوية والهامة فى حياته وحياة من حوله.
وأوضح الدكتور محمود عبد الرحيم غلاب، أستاذ علم النفس السابق بجامعة القاهرة، أن حالة الانفصال عن الواقع، حالة مرضية أصبح الكثيرين يعيشون فيها، ومن خلالها، لكى يستطيعوا التغلب على أزمتهم مع المجتمع المحيط بهم، وحالة الاغتراب الإنسانية التى يعيشون فيها ويشعرون بها.
وأضاف غلاب "أغلب الفئات التى أصبحت تعانى من حالة الرغبة فى الانفصال التام عن الواقع، هم الأطفال والشباب، لأن أغلبهم يعانون من مشكلة فى التأقلم مع المجتمع الجديد عليهم".
واسترسل غلاب "هناك أسباب أخرى عديدة تتسبب فى الإصابة بهذه الحالة، أهمها، شعور الفرد بعدم قدرته على تغيير الأوضاع السيئة فى عالمه، الأجواء السياسية المتوترة وعدم الشعور بالأمان فى حالات الثورات والحروب، شعوره بحالة من العجز بعد مروره بأكثر من تجربة شخصية فاشلة اجتماعيا أو علميا أو عاطفيا، والجو غير المتوازن الذى قد ينشأ فيه الفرد، أو مروره بأزمات نفسية وحالات اكتئاب كثيرة جعلته يفضل الانطوائية والعزلة والانغلاق على نفسه كثيرا، كلها أسباب قد تؤدى بشكل أو بآخر لتقوقع الشخص على نفسه وانفصاله التام عن الحياة الدائرة".
ولفت، أستاذ علم النفس، إلى أن حالة الانفصال تزيد لدى الشخص بالتدريج، مع اهتمامه بأشياء أخرى أقل أهمية من أن تذكر، كأن يهتم بلعبة إلكترونية ويحاول تحقيق نتائج عالية فيها، أو يهتم بحيوان ولا يهتم بأفراد أسرته تماما، ويشتهر المصاب بهذه الحالة بعدم تأثير الأحداث العاطفية عليه، ويصب كل اهتمامه فى أمر غير مجدٍ يكرس حياته كلها له دون الالتفات لغيره.
وشدد غلاب على ضرورة أن يعالج المريض نفسه بنفسه، فى هذه الحالة، ويساعد نفسه على الخروج من تلك الأزمة المفتعلة، ومحاولة مواجهة الواقع وإرغام نفسه على تقبله، والتعاطى معه، وطلب المساعدة من الأسرة، ومحاولة التدخل فى مشكلاتهم وحياتهم، والتفاعل معهم حتى وإن كان الأمر صعبا فى البداية ولكن على المريض أن يكون أقوى من أن تسيطر عليه هذه الحالة المرضية.